أعرف أنكم غير معتادين على أن اكتب شيئاً مختلفًا عن ما عهدتموه هنا ، أنا مشاعري بإجازة حاليًا ، و لا أستطيع أن أثيرها بذكرى أو رسالة أو أي شيء ، فقط أحتاج إلى ان أكتب شيئاً مختلفاً بشكل مؤقت حتى أعود إلى حالتي الطبيعية ، كأنني أمر بفترة برود مثلاً ، أو توقف .
أعرف شخصًا ، كان يقول عن نفسه أنه شاعر ، و الرجل عرف نفسه بذلك ، و كان هناك آخرون يصفقون له بشدة ، و في مرة ، قابلني هذا الرجل ، و أعطاني نسخة من بضعة أشعار كتبها ، لأقرأها ، الشيء الغريب في هذا الأمر ، أني وجدت الرجل فقير في اللغة حد الفاقة ..!!
غير أنه لا يحسن اختيار ما تحتويه أبياته ، فشعره خال من الزينة ، ممرض للعقل ، و ممل حد السأم للقلب ، يشبه كلامًا عاديًا ، لا يشبه أي شيء آخر ، سوى أنه كلام من خواطر بسيطة ، قد يكتبها شخص في ساعة العصر و هو جالس بشرفة منزلهم دون أن يخطر بباله أن أحدًا سيقرأ هذا الكلام .!!
ما راعني فعلاً ، هو أن هذا الرجل الذي طلب نقدًا لما يكتب ، لم يحتمل النصيحة ، بل قال أنه شاعر غصب عني ، و أنني أنا التي لا تفهم بالشعر ، صبرت على الرجل الذي يقترب عمره من عمر والدي ، و قلت له يا سيدي ألا تقرأ ؟؟
فاعترض الرجل على سوء أدبي و قال : إنه يرفض القراءة لأنه لا يريد أن يتأثر بأحد ..!!
قلت له : إن الذي لا يقرأ و يحاول الكتابة دون قراءة هو شخص يبني برجًا عالياً بلا أساس متين فوق سحابة ..!!
المهم أن في نهاية الحديث ، غضب مني هذا الرجل الفاضل و وصفني بأنني ثرثارة و لا أفهم في الشعر ..!!
و حضرني حينها مقال كتبه المنفلوطي في كتابه النظرات و العبرات يتحدث فيه عن شخص دخل السجن لأنه ضرب شاعرًا أوقفه في الطريق ليلقي عليه قصيدة طويلة فأجابه الرجل بعد سماعه القصيدة بأن شعره قبيح ، و أقبح منه طوله ، و أقبح من هذا و ذاك صوته الخشن الأجش ، و أقبح من الثلاثة أن الشاعر اعتقد أن هذا الشخص من فساد الذوق و سخافة الرأي حتى يعجبه هذا الشعر البارد ، فضربه الشاعر بقبضةِ يده في صدره ، فإذا بالرجل يرفع عصاه ليضرب الشاعر على رأسه حتى يفسد في مخه مركز الشعر ..!!
يقول المنفلوطي في مقدمة كتابه النظرات ، أنه يعترض على أن يعرف الذين يكتبون كل قواعد اللغة ، و إن قواعد اللغة يجب أن يعرفها الذين يمتهنون التصحيح ، و أنا أختلف في ذلك معه اختلافًا طفيفًا، إن قواعد اللغة تجعل الكلام أكثر جمالاً و بلاغة ، و تحمل عليه من الرقي ما يزينه ، و الإنسان الضعيف في لغته لا يكون قادراً على التعبير بها بشكل صحيح .
لا أقصد الاحتراف في الكتابة بقدر المحافظة على اللغة و طبيعتها و جمالها ، خاصةً أننا في زمن كثر فيه الحكي الفارغ الذي انتزعت قيمته لقلة مستواه و لكذب مشاعره ، و لسوء خيال كاتبه ، فصارت الكتابة مهنة من لا يجد شيئاً يفعله .
و لا أقصد أيضًا أن يصير الإنسان عالماً ببواطن اللغة و ظواهرها ، و لكنني أقصد أن يكون لديه من اليسير ما يجب أن يعرفه من تعلم العربية ، أعني ألا يواجه مشاكل إملائية في الكتابة مثلاً كالتي يواجهها طفل في الصف الثاني الابتدائي ، و عادةً فإن الذي يقرأ قادرٌ على الكتابةِ بشكل صحيح عادةً إلا من أخطاء بسيطة ، لأن عينه تعودت شكل الكلمات الصحيحة ، فتكون الأخطاء ناتجة عن سهو للقواعد التي درسها منذ زمن و نسيها بفعل الوقت ليس أكثر ، أو عن سرعة أفكار تتدفق من ذهنه إلى الورق مباشرةً .
هذا .. و دمتم بخير .. !!