‏إظهار الرسائل ذات التسميات حديث ذات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حديث ذات. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 29 مايو 2015

حَديثُ ذات.. (23)




يتكرر الحلم يوميًا..
أنا في البحر، أسبح بسرعة.. يوشك البحر أن يبتلعني وأوشك أن أترك نفسي له، لكنني لا أغرق، في كل مرة استسلمت فيها لا أغرق، لكنني أسبح تحت الماء، كأن لي رئتين مائيتين، أعود إلى سطح البحر وأستلقي على ظهري في مواجهة الموج، أريد أن أغرق لكن البحر لا يريد أن يبتلعني، ثم أستيقظ في الخامسة صباحًا، نفس الموعد، أنظر إلى الحبوب التي تساعد على النوم،  لقد صرت أتناول كمية خرافية من الملاتونين لكنها ما عادت تفلح معي، دائمًا يهزمها عقلي المتعب، يخبرونني أني يجب أن أتوقف عن تناول الكافيين لتؤتي هذه الحبوب نفعًا علي أستطيع أن أنام لخمس ساعات بدلاً من ساعتين، لكنني لا أنام سوى ساعتين، ولا أعرف كيف أقوم بحل هذا الأمر، صرت أتناول القهوة الخالية من الكافيين لكنني لا أجني سوى المزيد من الصداع.

يخبرني أحد العارفين ببواطن الأمور أنني يجب أن أتناول الكاموميل، الكاموميل مرة أخرى، أنا لا أحب الكاموميل، ولكني عدت أتناول أزهاره المغلية قبل حبوب الميلاتونين بجرعاتها الكبيرة، لكن هذا لا يجدي نفعًا.. لا أستطيع النوم.

أسير إلى المغطس بالحمام، أنثر فيه الزهور المجففة، وسائل رغوة برائحة زهور الكرز، أملأه بالماء الساخن وأشعل ثلاثة شمعات برائحة الفانيليا بالقرب من المغطس، أستلقي في الماء الساخن وأحاول الاستماع إلى «روب كوستلو» الذي أخبرني ذات مرة في حديث جانبي أنه ألف كل موسيقاه للقلوب الكسيرة، لكن قلبي ليس كسيرًا وربما ما عادت تجدي نفعًا لأن قلبي محترق، ولم أستطع النوم أيضًا.

انتهت إجازتي السنوية منذ أيام، ألوم نفسي لأنني تركت العزلة منذ عام ونصف، ما كان يجب أن أترك عزلتي أبدًا، لقد تشققت جدران قوقعتي وصار المتلصصون يسترقون النظر إلى روحي العارية، وسقطت كل الزينة من على الحوائط، حتى ورقة التقدير الوحيدة التي أعطيتها لذاتي.. سقطت ..!

هذا الشعور بالاحتراق الداخلي جعلني أريد أن ألتصق بمن أحبوني، كل أصدقائي، صرت أدفن نفسي في صدورهم، كأنني أحاول أن أداوي قلبي المحترق بما يصبونه في صدري من حب، أحاول تجميع كل الأحضان التي حصلت عليها في لقائي بهم لأصنع قلبًا جديدًا، لكنني أحتاج إلى المزيد.. أنا أريد أحضانًا أكثر.

المشكلة في هذا الأمر أنني وحيدة مع ضعفي، أنا وضعفي فقط، لا أستطيع أن أخبر أحدًا بمساحة الألم الأخيرة، لقد كانت هذه الأكبر على الإطلاق، وأواجه الآن ضعفي الأضخم، الضعف وحش كبير، أراه حين أغمض عيني على هيئة حيوان شرس، كنت أحلم في مرة أن ضعفي تحول إلى كائن ضخم، كان يخبرني أنه ضعفي الذي أكرهه بينما يمد أنيابه إلى صدري، أفقت بعد هذا الحلم وأنا متعبة، صرت أتحسس صدري الذي يبدو سليمًا، لكنني أعرف أنه ليس كذلك.

أشعر أن حولي سياجًا ضخمًا، شيءٌ يمنعني من رواية ما مررت به أخيرًا، ربما لروعته أو لأسطوريته أو لكذبه، أعرف أن الأمر كان رائعًا لأنه احتوى على درجة عالية من الوهم، ربما ستكون لدي الشجاعة في الحكي مثل صديقاتي اللاتي يقتلن كل رجل أحببنه ثم يدفنه في صفحات رواية، لكنني لا أستطيع أن أدفنه الآن، ربما لأني اعتقدت أنه أروع من أن يدفن، أو أروع من أن أحكي عنه، لا أقصده «هو» لكن الوهم ذاته كان يستحق التقديس بدرجة ما، وفي بعض الأحيان أشعر أن الأمر أشبه بنكتة كبيرة متكررة، يقولها أحدهم لأنه يظنها مضحكة، لكنها تجعلني أبكي.. وأبكي..!

الغريب في هذا الأمرالكئيب كله أنني عاودت الكتابة، كأنني أكتب حتى لا أقتل نفسي.. وربما أبحث عن التداوي من جديد.. بالكتابة.. وبقليل من الحب.. إن أردتم أن ترسلوا لي القليل من الحب فافعلوا ذلك.. 

shymaa_ali@live.com





الأربعاء، 21 مايو 2014

حديث ذات.. 22



حلمت الليلة الماضية بسيزيف، كان يحمل صخرته في وادٍ شديد الوعورة  في وسطه حفرة من النار، يخبرني هاتف ما لا أرى صاحبه أنني لست ملعونة، سيزيف كان ماكرًا.. جشعًا.. أنا لست هكذا، انا أبحث عن الأشياء القليلة ولا أجدها، أصلي من أجل القليل من الإنسانية ولا أحصل عليها.. وأكرر بداخل نفسي أن الراحمون يرحمهم الله، فأحاول بالرحمة مواصلة الحياة، وأقول لنفسي أن صاحب المعروف لا يقع.. فأحاول بصنع المعروف مرة أخرى.

أفقت في الصباح الباكر وأنا متعبة جدًا، أشعر بالتعب دائمًا، أشعر أنني مرهقة جدًا من التواجد المجرد في الحياة، البقاء على «قيد» الحياة مهلك ومتعب ومضن جدًا، أشعر بصعوبة شديدة وثقل شديد بداخلي كل صباح، كأن هناك حجرًا كبيرًا يربطني إلى الفراش، وأنا أقوم من الفراش كأنني زاحفة.

أخبر نفسي أن هناك شيئًا أفضل سيحدث اليوم، أقول أن هناك أشياء عظيمة تنتظر مني أن أقوم بها، وأن هناك آخرين في هذا العالم يحبون ابتسامتي، ويكترثون لوجودي فيه، لكن هذا لم يكن حقيقيًا أبدًا.. أنا وحدي بالفعل.. وهل اخترت ذلك حقًا؟؟ لا أعرف..!!

سقط قلبي مني في مكان ما ولا أعرف أين سقط، لا أتذكر تحديدًا لكنني أعرف أن هناك تجويفًا كبيرًا في منتصف صدري، تجويف فارغ تماماً مملوء ببعض الكلمات المزيفة التي أضعها فيه كل يوم عله يمتلئ، لكنه لا يمتلئ أبدًا، دائمًا فارغ ودائمًا يبتلع الكلمات فلا يمتلئ.
أذكر قلبي جيدًا، لقد كان خفيفًا وكبيرًا ورائعًا، كان لونه أحمر، كان شابًا جدًا، كان يخرج من منتصف صدري كل صباح، وكنت أربطه على معصمي بشريط جميل، وأسير به في الشوارع والطرقات، يلمسه الناس ويضحكون، يخبرونني أن لدي قلبًا رائعًا، أن لدي شيئًا مميزًا.. كنت أشعر أنني بخير، لكن في وقت ما انقطع الشريط لسبب لا أريد أن أذكره، وسقط قلبي عنه، ثم صار التجويف بداخلي فارغًا.

كان طعم القهوة اليوم بشعًا، لا أعرف لماذا صرت أشعر أن طعمها سيئ، مع إنني أحضر أفضل انواع البن وأغلاها ثمنًا وأشرف على تحضيرها إن لم أحضرها بنفسي، لكني صرت لا أحبها، ولا أعرف لماذا، فاكتفيت بنصف الفنجان.

منذ أيام وجدت وسط أوراقي قائمة بالأشياء التي أريد أن أفعلها قبل أن أصل إلى الثلاثين، وكنت قد كتبت هذه القائمة وأنا في الرابعة عشرة تقريبًا، ووجدت أنني حققت أشياء لم تكن في القائمة، لكنني صار لدي سيارة وتخرجت في كلية الهندسة وأعمل في وظيفة مرموقة، وتلك الأشياء كانت في القائمة بالفعل، ربما سأستعرضها لاحقًا عندما أجد وقتًا كافيًا لذلك.

هذا الحديث محاولة للعودة إلى الكتابة حيث تركتني وتركتها، لكنني أحاول الآن تسوية الأمر معها، أريدها أن تبقى معي لأن لا أحد يبقى، لا أحد يبقى أبدًا.





الجمعة، 30 أغسطس 2013

حَديثُ ذاتْ.. 20



أخبرتني «داليا» منذ  خمسة أسابيع أن هدية عيد مولدي في البريد، وبذلك منحتني شيئًا أنتظره، لقد كنتُ أسأل حارس البناية التي أسكن فيها كل يومً عن البريد وكلما تحادثنا فكرتُ في الهدية واستحيت أن أسألها، وفي يومٍ اتصلت بي أمي صباحًا وأنا في العمل لتخبرني أن ساعي بريد دق الباب وأعطاها مظروفًا أبيض، فابتسمت وأنا أعرف أن «داليا» ستملأ المظروف ببعض الفرح من أجلي، وعندما عدتُ إلى البيت، جلست على ركبتي أمام طاولة القهوة لأفتح المظروف الأبيض، فوجدتُ فيه ديواناً مسموعًا، وصورة مقسمة كان مطلوب مني أن أقوم بتجميعها، وزهرة وردية من الكروشيه أستعملها كزينة للشعر، ويومها سجدتُ لله شكرًا على البهجة التي أرسلتها إلي «داليا»، وسقطت دمعتان من عيني على سجادة الصلاة وأنا أبتسم، اللهم لك الحمد على الحب الذي تمنحني إياه من قلبها، ومن قلب الذين يحبونني.. اللهم لك الحمد.. (ابتسامة من القلب.. ♥) 




 منذ يومين، أرسلت لي إحدى صديقاتي نسخة إليكترونية من دليل سياحي لـ«روما» وموقع فيه رحلات جماعية سياحية إلى إيطاليا، وأخبرتني أنه ليس هناك وقت أنسب من الذهاب إلى إيطاليا من هذا العام بعد الانكسارات والأوجاع والمرض والأطباء خاصةً وأنه بقي شهران فقط على موعد إجازتي السنوية التي لا أعرف حتى الآن كيف سأقضيها، أردتُ أن أسافر إلى مصر لكن قلبي لا يرغب في ذلك على الأقل حاليًا، لأنني اختنقت فيها وكنت أسير في الشوارع أبحث عن الهواء في شهر مارس ولا أجده، كأنه يرفض الدخول إلى رئتيّ، لقد كان الوقت الذي قضيته في وطني مؤلمًا ذلك العام، فصرت لا أملك إلا الاشتياق إليه بينما تقوم أرضه بطردي وإبعادي قسرًا.. ولا حيلة لي في ذلك.
الشيء الذي لاحظته هو أن أسعار الرحلات إلى إيطاليا مرتفعة بالنسبة لفتاة مثلي أكلت العلاجات والأدوية قدرًا كبيرًا من مدخراتها، ولكن الأمر ليس مستحيلاً ، لأنني ربما أستطيع توفير المبلغ في منتصف العام المقبل إن استمرت الأمور على ما هي عليه، وإن ظللت كما أنا دون انتكاسات أو متاعب.


اقترح علي أحد العارفين ببواطن الأمور أن أقوم بتربية هرة صغيرة أو جرو لأنشغل بها، وأقضي وقتًا طويلاً في العناية بها وتدريبها واللعب معها وتغذيتها، وقال لي أن ذلك سيفرغ قدرًا من مشاعر الألم التي بداخلي، لأن هذه الكائنات ستنتظرني وستنام عند قدمي وستحب المكوث بين ذراعي وستمنحني حبًا.. الكثير من الحب على حد قوله، وسأعتاد عليها سريعًا ثم عرض عليّ أن يهديني إحدى الهريرات التي ولدت حديثًا في بيت جيرانه، لكنني لا أملك من الطاقة ما يجعلني قادرة على العناية بأحد، لأنني بالكاد أعتني بنفسي وأقوم بواجباتي الحياتية المرهقة، أنا منهكة للغاية وفقيرة الطاقة ولا أستطيع أن أتحمل مسؤولية أي حي آخر، وأقاتل طوال اليوم في معترك الحياة الصاخب لأعود شبه زاحفة إلى فراشي كل ليلة، أنا بالفعل لا أستطيع.
منذ ثمانية شهور، كان الذين يعملون معي يشتكون من فرط طاقتي ومن قدرتي على البقاء متيقظة لفترات طويلة بينما يتعبون ويحتاجون إلى النوم، أما هذه الأيام فإنني أبذل من الجهد الكثير لأدفع نفسي للقيام بأشياء عادية، كنت أفعلها دون أن أنتبه إلى صعوبتها في الأصل.




لازالت مشكلة فقدان الشغف هي الشيء الأكبر الذي نحاول معالجته الآن، فقدت شغفي بكل شيء وممارسة الكتابة الآن هي طريقة للتعافي، لكن شعوري بالفشل يستدعي أحداثًا قديمة ترسخت في ذاكرتي وهذا يجعلي أشعر بالحزن بشكل مفرط، كأن ذكريات السوء الماضية وجدت فيّ ضعفًا فتكالبت حول روحي المشققة، ولأتغلب على هذه المشاعر يقترح الطبيب أن أقوم بعمل خطة لخمسة سنوات قادمة في حياتي لخمسة أهداف على الأقل ربما أجد شغفي المفقود بالحياة والأشياء الأخرى، لكنني لا أعرف ماذا أكتب في هذه الخطة، ولا أعرف ماذا أريد أن أفعل، كأن كل شيء انمحى  من داخلي، وحل مكانه لونًا رماديًا بلا ملامح.. ولكنني سأحاول.. سأحاول.

على الهامش:
أشكر الذين يرسلون إلي رسائل الدعم الإليكترونية، لقد وصلتني رسائل كثيرة في الفترة الماضية، أشكركم لأنكم تعوضون جزءًا جيدًا من طاقتي المفقودة، وتساعدونني برسائلكم هذه على تقليل المسافة الزمنية للمرحلة التي أعيشها الآن.. فشكرًا لكم.. الأمس واليوم ودائمًا.
شيمـــاء.



الجمعة، 31 مايو 2013

حَديثُ ذاتٍ.. 19




ثلاثة أصابع من بسكوت البندق مع القهوة.. وابتسامة أمي..!
أتناول قهوتي على عجل دائمًا، وأسرع إلى الباب قبل أن يلقي إلي أبي بقبلة خفيفة ودعائه اليومي.. «ربنا ما يحرمني من فرحتك يا بنتي».. فترد أمي بابتسامتها الواسعة مرة أخرى.. «ربنا كبيـــــــــــر»
نعم.. إن الله كبير.. كبير جدًا..!
في كل مرة تحدث أبي عن الفرح، لا أستطيع أن أرد عليه، وأنا لا أعرف عن أي فرح يتحدث، وأي فرح سينمو في حياة امرأة مثلي؛ يدس لها الناس السم في كل شيء، فصارت فزعة وخائفة ولا تشعر بأي أمان في هذا العالم.. وليس لديها إيمان بأي شيء غير أن الله لن يجعلها غريبة في هذا العالم طويلاً، وأنه سيأخذها إلى عالمها الحقيقي في وقت ما.
كنت أفكر طوال اليوم في شراء أكواب قهوة جديدة؛ أمي تخبرني دائمًا ان إدماني على جمع أكواب القهوة غريب لأنني لا أستخدم إلا كوبًا واحدًا، وأبقي الأكواب الأخرى في الرف الأعلى في خزانة المطبخ، وقالت لي أمي أن لدي عشرين كوبًا..!
لا أعرف متى اشتريت كل هذه الأكواب، لكنني أعرف أنه كلما رأيت كوبًا جميلاً اشتريته وأخبرت نفسي أنني سأشرب فيه القهوة في وقتٍ ما، ثم أنسى ذلك وأنشغل بأشياء أخرى تافهة أيضًا..!
لدي امتحان في علم النفس خلال هذا الأسبوع، لقد عكفت على دراسة علم النفس منذ فترة قصيرة، وكلما عرفت أكثر وزاد علمي أكثر كرهت هذا المجتمع أكثر، مجتمع الجهل والخرافة والذكورية والعقد..!
قالت لي صديقة منذ أيام قليلة أن عيني فارغتان، لم أفهم معنى أن تكون عيناي فارغتان!
وعندما سألتها عن معنى ذلك، قالت لي أن بهما ذبولاً، وما عادتا تلمعان.. فقلت لها أني أحلم دائمًا ومنذ فترة قصيرة أنني وردة مثبتة في الأرض، تذبل كل يوم.. تسقط منها بتلة كل يوم.. ولكن ليس لها ذراعان لتلتقط بتلاتها الساقطة، فتشاهد نفسها تذبل دون أن تتحرك.. حتى يقصر ساقها تدريجيًا، كأنها تعود إلى الأرض مثلما بدأت من الأرض، وفي لحظة الدفن تحت الأرض أستيقظ خائفة..!
اقترحت صديقتي أن أقابل أحد أصدقاء زوجها، وعندما ذهبت بصحبتها ذلك المساء، صار ذلك «الذكر» يسألني عن دخلي ومقدار ما أنفق ومقدار علاوتي السنوية ومميزات وظيفتي المادية ونوع سيارتي وإن كنت اشتريتها بالأقساط أو أنني دفعت ثمنها نقدًا، أجبته أنني لا أشتري أشياء لا أستطيع أن أدفع ثمنها ولا أحمل مسؤوليات أدرك جيدًا أنني لن أستطيع أن أتحكم بها.
«الذكر» الذي يحب التدخين، تفكيره بسيط ودخله أقل من نصف دخلي بقليل، هو رجل يحب المال والمال والمزيد من المال ويريد شريكة تساعده في جمع مال أكثر، ويراني مغرورة، مع أنني لست جميلة بما يكفي، ولأنني لست بيضاء، لم تعجبه بشرتي القمحية. (صرّح لي بأنه يحب البيضاوات وأنه يريد امرأة تعمل ليحققا طموحاتهما المادية معًا)
«الذكر» الذي يحب التدخين يحب كرة القدم ولا يعرف شيئًا غير أسعار العملة المحلية، لا يفهم في الموسيقى ولا يقرأ ولا يشاهد أفلامًا بلغات أخرى غير العربية، ويرى نفسه مثقفًا. (أنا أكره المثقفين وكل من وصف نفسه بأنه مثقف)
«الذكر» الذي يحب التدخين وكرة القدم والمال صار يتعجب أنني لا أبذل جهدًا في استمالته، أنا جالسة قبالته ألعب بالمناديل الورقية، وأتحدث معه عن سيجموند فرويد وعن أمراض المخ،  ولا انظر إليه باحترام أو إجلال.. أنا لا أشعر بأي شيء سوى الفراغ.
الذكر نفسه، صار يحكي لي مغامراته العاطفية وكيف أنه يرفض الفتيات الغير مطابقات لمواصفاته، ولعله ظن أنني سأخاف وأحاول أن أفعل شيئًا حتى لا أفقد «عريسًا» محتملاً، لكنه لم يعرف أيضًا انني قابلته من أجل الفرجة فقط، وأنني لم أكن أحمل في نيتي أي شيء غير الفرجة المجردة..!
نفس الذكر قام غاضبًا لأنني كنت أسخر منه طوال الوقت، ولأنني خرجت عن حدود اللياقة عندما أخبرته ان كل القصة إذن أنه يريد أن يتزوج ببطاقة سحب آلي بيضاء اللون وأنا أضحك لأخبره أن معي بطاقة سحب بيضاء بإمكانه أن يخطبها الآن، وثار عندما أخرجتها من محفظتي!
وعندما هم بالرحيل، نظرت إليه ثم وضعت يدي على صدري قائلة بسخرية: «أرجوك.. ماتكسرش قلبي» 
قدت إلى المنزل وأنا أغني مع سيناترا.. 
And now, the end is here
And so I face the final curtain
My friend, I'll say it clear
I'll state my case, of which I'm certain
I've lived a life that's full
I traveled each and every highway
..And more, much more than this, I did it my way

وفي الطريق توقفت لشراء فشار بالكراميل والفول السوداني وكوبًا كبيرًا من عصير البرتقال.
ولم ينته العالم.. بعد.



الاثنين، 8 أبريل 2013

حَديثُ ذاتْ.. 18


الخامسة صباحاً..
أنا مشلولة..!
مرة أخرى لا أستطيع الحركة كأن جسدي مربوط بأثقال إلى الفراش، لا أستطيع أن أرفع ذراعي من مكانهما، بينما اتجهت عيناي المفتوحتان إلى السماء.. يا الله.. يا الله.. اللهم لا إله غيرك.. خفف عني ما أجد.
السابعة صباحًا.. 
الهاتف يرن.. أحد زملائي في العمل وكان ذلك رقمه، رفعت يدي نحو الهاتف وأجبته..
أنا- ألو..
هو- صباح الخير 
أنا- مرحبًا.. ماذا حدث..؟
هو- أنتِ لستِ بالمكتب يا شيماء.. هذا ما حدث..!!
أنا- وما الخطب في ذلك؟ ما الأمر الجلل؟
هو- لم نعمل معًا على...(ويذكر أشياء عملية كثيرة بغيضة)
أنا- لكنني لا أريد ان أعمل اليوم!!
هو- لماذا يا عزيزتي؟
أنا- لا أستطيع أن أترك فراشي.. لا أستطيع أنا متعبة كأنني مشلولة.
هو- ولكنك تردين على الهاتف..!
أنا- حسنًا.. لساني ليس مشلولاً..!
هو- لقد اعتمدتُ عليكِ وأنتِ تخذلينني يا شيماء.. تخذلينني!!
أنا- ألم يخبرك أحد أنني مجنونة.. مصابة بالاكتئاب.. أراجع طبيباً نفسيًا ولا أستطيع أن أفعل شيئًا أفضل مما ترى؟ لماذا تعتمد علي؟؟ هذا خطؤك وحدك فتحمله، اعمل وحدك لا تعتمد على أحد!!

أغلقت الهاتف.. أنا لا أبالي بأي شيء.. لازلت مربوطة إلى هذه الحياة لسببٍ ما، وبعد قليل استيقظت أمي التي وجدتني صامتة ملقاة على كرسي بجوار الشباك الكبير، ولم تقل أمي أي شيء، فقط تركتني وحدي.. أفكر في أشياء كثيرة ليس منها العمل،  لقد خذلت زميلي ذاك بل إنني أوقعت به في أمر ربما لن يستطيع أن يعمل عليه بدوني حتى وإن حاول ألف مرة؛ لن يستطيع لأنه لا يعرف كيف يقوم به في الأساس، لكن من الذي يهتم..؟ لا أحد يهتم.. عندما أغرق في العمل أو الوجع أو أي شيء لا يهتم أحد.. الناس يمضون إلى حياتهم وأنفسهم خذلوني أو لا.. وسأفعل مثل الناس.. فقط مثلهم.. يجب أن ينال كل شخص جزاءه العادل.. أنا سأطبق العدالة بطريقتي.

عندما حاولتُ أن أغفو ظهرت في حلمي شخصية بغيضة، إنها امرأة تبدو ميتة وشاحبة الملامح، كنت قد حكيتُ عنها قبل ذلك عرضًا في «انعكاسات» لكنها اليوم أتت وهي تضحك وبيدها سكين مدبب وأنا مشلولة أيضًا على فراشٍ ما.. ثم صارت هذه المرأة ترسم نقاطًا بالسكين حول قلبي كأنها تخطط لاقتلاعه.. وقبل أن تضرب السكين حول قلبي أوقفتها يدُ شخصٍ ما.. لم أره.
يجب أن أخبر طبيبي عن هذه المرأة وعن «الحلم البنفسجي» أيضًا، أنا لا أعرف من هي.. ولا أعرف ماذا تريد ولماذا تضحك.. ولماذا تحمل سكينًا لتقتلع به قلبي؟

مرة أخرى ضبطت نفسي متلبسة شوقًا «إليه» أفتح كتابه القديم الذي خط فيه أشياء كثيرة، أحاول أن أتوقف عن الاشتياق إليه لكنني لا أستطيع، أفتح الكتاب وأحاول أن أقرأه مرة «سادسة» أبحث عن آثاره وعن رائحة دخانه الذي ربما التصق بصفحة ما عرضًا، أبحثُ عن خطوطه بالقلم الأزرق وبالقلم الرصاص وعن خطه الذي كتب به كلمات صغيرة في أماكن متفرقة من صفحات صرتُ أحفظ أرقامها، تذكرتُ حين أصررت أن يعطيني نسخته ورفضت أن يعطيني النسخة الجديدة، أردتُ شيئًا حقيقيًا منه، شيئًا أَحَبَه واحتفظ به بين يديه كثيرًا.

اليوم أيضًا تذكرت صديقتي التي توفيت منذ أيام قليلة، توفيت صديقتي بعدما تزوجت من الشخص الذي أحبته بسنتين، لقد استطاعت صديقتي –رحمها الله- أن تحب رجلاً واحدًا لمدة ثمانية سنوات، وتركت وراءها كل شيء لأنها أرادت أن تتزوج به، لم تبالِ بأشياء كثيرة، لم يهمها حكم الناس ولا رأيهم ولم يهمها أيضًا كلام صديقاتها اللاتي صرن يخبرنها أن حبيبها لا يناسبها، ولكنها تزوجت به، وعاشت سعيدة معه لسنتين ثم ماتت فجأة.
رحم الله «فاطمة».. رحمة واسعة.

الجمعة، 15 مارس 2013

حَـديثُ ذات.. 17




كنت أود أن أحمل معي في حقائبي شيئًا مختلفًا عن الخذلان الذي أعود به من الوطن في كل مرة، لكن ما باليد حيلة..!!

وطني العزيز يلفظني خارجه ويصر على أن يبعدني عنه، ومن أجل ذلك سأحاول باجتهاد شديد ألا أعود، وسأقضي إجازاتي في مكانٍ آخر، مكانٍ لا تحمل شوارعه أية ذكرى من أي نوع، فقط أماكن جديدة، ليس بها رائحة جسد أحد، وليس بها آثار خطوات أحد، ولا أية أوهام تهزأ بي بعد رحيلها عني، سأحاول أن أكتشف عالمًا جديدًا وأشخاص آخرين.

كل الاتجاهات تشير نحو الرحيل بعيدًا، في كل مرة زرتُ فيها بلدي تركتُ فيها شيئًا عمدًا لأعود إليها بسرعة-إحدى صديقاتي الآسيويات أخبرتني بذلك- لكنني هذه المرة لم أترك ورائي أي شيء، لقد لملمتُ أغراضي كلها في الحقائب ولم أبقِ حتى زجاجة العطر التي أبقيها دائمًا على طاولة الزينة في غرفتي، لقد أخذتُ كل شيء، ولكن بقيت كسرات من نفسي تبعثرت في طرقاتها ولم أعرف كيف أحصل عليها مرة أخرى، لم أجدها..وفقدتُ مساحة كبيرة من روحي في الظلام الدامس ولم أستطع أن أحدد مكانها لأنني ما عدتُ أرى شيئًا كأنني عميتُ كليًا.

أشعر بحزن شديد وحيرة، لأنني لا أعرف أين سأذهب، ولا أعرف متى سينتهي الترحال، ولا أعرف ما هي وجهتي القادمة، لا أعرف أين أسير وليست معي أية خريطة، ولكن لدي قلبًا يؤمن بأن الله لن يضيع طريقه، ويؤمن بأن الله يعلم أنه لم يحمل سوى الخير وحسن النوايا طول الوقت، وخالق السموات يعرف ذلك.

قالت لي أمي أن أصبر على الأذى؛ لكنني عندما سألتها عن مدى الصبر لم تستطع الإجابة، وقالت لي إن القلوب التي تحمل الخير لا تمرض، فلماذا أشكو دائمًا من ألم مستمر في صدري، ولماذا يضع الناس الحجارة فوق قلبي ويمضون؟! لماذا يا أمي؟؟ لماذا؟!
لماذا يصنعون شواهد قبور قبيحة ثم يثبتونها في داخلي ويذهبون؟؟ لماذا يا أمي؟؟ فتجيبني من وسط الدمع بأن الصبر سيحل كل ذلك..!!
أمي تتحدث كأنني أملك أكثر من الصبر، لكنني لا أملك سواه في الأصل، فقط الصبر وحقائب كثيرة محملة بأكياس الخذلان التي تقفز دونما إرادتي إلى الحقائب في كل سفر، وبضعة مشاهد واضحة في عمق ذاكرتي أحلم بها كلما حاولت نسيانها..!!
أنا يا أمي أصبر دائمًا، أصبر على الأذى والتعب والغدر والكذب وكل الأشياء، أصبر كثيرًا.. وأدفع ثمن الألم وحدي، والفواتير ثقيلة والعمر لا يرحم والوقت يمضي والناس يتوحشون وكل يومٍ يصيرون أبشع، وإن زدتِ في إحسانك زادت قسوتهم عليكِ، إن تمسكتِ استضعفوكِ، وإن أخلصتِ أهانوكِ..!!

وأحاول أن أستعمل الكتابة للتداوي وصرتُ أشعر أنها لا تجدي نفعًا..!!

حاولت في الأسبوع الماضي أن أقوم بتجميع الكتاب الإليكتروني المؤجل دائمًا، لكنني لا أريد أن أنهيه، لا أريد أن أصنع كتبًا، لا أريد أن أفعل شيئًا، لا أريد لأنني في كل مرة جلست أقرأ ما كتبته أتخيل أثمان الآلام التي دفعتها في الكلمات، كل ما كتبته كان مدفوع الثمن، دفعت ثمنه من عمري ودمي وأعصابي وقلبي أيضًا، كل الأشياء مدفوعة الثمن.. كل الألم اشتريته.. اشتريته وحدي..!!

منذ أكثر من عامٍ سألني شخصٌ ما هذا السؤال: « لماذا أنتِ حزينة ومتشائمة؟» وأحسبه يعرف الإجابة كاملة الآن.. أكثر من غيره..!!


الثلاثاء، 12 مارس 2013

حَديثُ ذاتْ.. 16



أعاني من الأرق منذ فترة طويلة ولا أنام جيدًا، أقوم في الصباح وكأنني مدهوسة بثلاثة قطارات، أو كأنني مفتتة تتجمع أجزاؤها الصغيرة في ألم شديد؛ فألجأ إلى القهوة التي صارت لا تنفع في حالي هذه، وأحاول الصمود ليمضي اليوم، ويتكرر الوضع كاملاً في اليوم التالي والذي يليه، متسلسلة من الوجع المتنوع أحملها كأحجار سيزيف، الأيام تتغير، والوجع لا يزول، بالإضافة إلى أنني صرتُ أعاني من صعوبات في الكتابة وأخاف أن أكرهها، لأنني إن كرهت الكتابة فلن أجد تفريغًا كافيًا لغضبي الشديد الذي أدفنه في طبقة عميقة من نفسي، وأجاهد ألا أظهره حتى لا ينزعج أحد..!

أبحث الآن عن موسيقى جديدة لم أستمع إليها من قبل، أسأل الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم إن مرت بهم موسيقى يحبونها أو تعجبهم لكنني لم أجد شيئًا مختلفًا يعرفه الناس ولا أعرفه، مما جعلني أتجه نحو الموسيقى اللاتينية التي هجرت سماعها منذ سنوات كثيرة، لكنني لازلت أحتاج إلى شيء أقوى من ذلك، لا أعرف ما هو، لكنه شيءٌ كالحبوب المهدئة أو المنومة التي يعيطني إياها أخي أحيانًا ولا أعرف كيف أجد هذا الشيء!!

ربما يجب الآن أن آتي على ذكر زفاف أخي الصغير، وربما يجب أيضًا أن أقول أن إعجاب الحاضرين بالثوب الأسود لم يدهشني، وإعجابهم بحقيبة اليد والحذاء والزينة كان متوقعًا، والتقط لي الحاضرون صورًا كثيرة، في كل مرة تلفتت صادفت فلاشًا ينطلق في وجهي، ولم أرَ معظم هذه الصور حتى الآن، لم يعرف أحد ما الذي أخفيه تحت هذه الزينة، ولم يتخيل أحد كم الوجع الذي اندس في رشاقة تحت الثوب الأنيق، لم يعرف أحد أن هذا الصدر المطرز يخفي أحلامًا صغيرة ميتة.. لا أحد يهتم.. لا أحد..!!

في كل مرة أردتُ أن أحكي قصة لابنة أختي الصغيرة، تجنبت القصص التي تتحدث عن الأمراء والنبلاء واكتفيت بقصص البطة التي لا تذهب إلى المدرسة والكتكوت العنيد وما إلى ذلك، لأنني لا أريدها أن تعتقد أن في هذا العالم نبلاء، لا يوجد نبلاء، لا أريدها أن تحلم كثيرًا بشيء ليس حقيقي ولن يصير حقيقيًا، هذا العالم الموحش لا نبل فيه ولا شهامة ولا أي شيء، هذا العالم يلفه الخذلان والنذالة بطبقة أثقل من الغلاف الجوي، والناس عادةً تمت حيونتهم إلا قلائل؛ لذلك أحرص على أن تبقى الصغيرة مهتمة بالأخلاق والمبادئ دون أن تعرف قصصًا عن أمراء ونبلاء وفرسان وهذا الحكي الفارغ الذي ملأوا به رؤوسنا ونحن صغار فانكسرت به رقابنا فيما بعد..!

بالأمس سمعت قصة غرام كريهة من إحداهن ثم أمضيتُ وقتًا أقرأ رسائل قديمة، وأتعجب من مساحات الخراب والدمار التي يتركها الراحلون خلفهم، وينتظرون أن يقوم الزمن بعلاج ذلك، لكنه لا يوجد علاج لذاكرة الروح والجسد، وتعجبت من كم العبث الذي يمارسه أبناء الجنس البشري على بعضهم، ثم يعلقون أكاذيبهم وحنثهم بقسمهم وخلفهم لوعودهم على شماعات القدر، وأن تلك إرادة الله، يخبروننا ان الكسر إرادة الله، وأن سوء تصرفهم وسوء خلقهم جزء من القدر، لكن الله لم يطالب الناس بالكذب أو الحنث بالقسم أو الخلف بالوعد، ولا أعرف لماذا لا يكفون عن الزج باسم «الله» في أفعالهم المنحطة، لماذا يظنون أنهم قادرون على الكذب على الله؟!
لا أعرف.. الناس محيرون.. ومتعبون.. وأغبياء.. ويمكرون ولا يعتقدون أن الله خير الماكرين سيمكر بهم..!








الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

حديث ذات.. 15




أشعر باحتقان روحي شديد.. 
منذ شهر تقريبًا وانا أتصرف كأن هذا العالم لا يخصني ولا أنتمي إليه..
أنا غريبة عنه بالفعل، أكره المجتمع ولا أحترم شرائح كبيرة منه، أكره العقليات المتحجرة، وأكره الرجل الجالس بالغرفة المواجهة الذي كلما تحدثنا بسبب العمل لا يرى في إلا صدري، هو لا ينظر إلا إلى صدري فقط.. كأنني تم اختزالي إلى عضو أنثوي بحت!
هذا المجتمع، يمقتني ويكرهني ولا يحترم إنسانيتي، وهناك دائمًا «آخرون» و«أخريات» وأشياء كثيرة سخيفة بلا معنى تحيط بي من كل جانب، أتمنى أن يتحول هذا العالم إلى فراغ وأعيش فيه وحدي مع عشرة أشخاص أحبهم وكفى.
بالدور الثاني من هذا المبنى يقع مكتب الاستشاري المصمم للمشروع الذي أعمل به، وبالأعلى عدد كبير من النسوة، اللاتي يتسلين طوال النهار بالحكايات الزوجية والجنسية والعائلية، ويتشاجرن فيما بينهن على توافه كثيرة، ثم يأتين إلي لأحكم بينهن؛ ولكن من قال أنني أكترث لهن؟ أنا لا أهتم حتى إن أحرقن بعضهن بعضًا لأنهن نتاج هذا المجتمع الذي جعل الناس لا يعرفون كيف يعيشون ولا كيف يستمتعون وأنا أكره المجتمع الذي يجبر أفراده على أن يكونوا جاهلين ليتمكنوا من العيش.
واحدة منهن تشك في أن زوجها متزوج عرفيًا من صديقة لها تعمل بالمكتب ذاته، وأخرى تحاول الإيقاع بأعزب وسيم يعمل كنائب كبير مهندسين وتجتهد في ذلك اجتهادًا مريرًا مثيرًا للشفقة حد الغثيان، وأخرى تخون زوجها مع شخص آخر لأنها لم تذق الحب وأرادت أن تحب فأحبت وجنت وفجرت أيضًا، وامرأة مطلقة تزوجت عرفيًا بشخص يرغب في تركها لأنه يريد أن يتزوج رسميًا بأخرى وهي تشعر بالتعب وتريد أن تستبقيه بأي ثمن، وهناك أيضًا من كُسَر قلبها حديثًا وتحاول أن تجد عندي كلمات لتصطبر بها على الألم والوجع وتحتاج إلى الكثير من الطاقة بينما أنا لا شيء عندي لأقدمه لأحد، وهناك هذه البيضاء الجميلة التي تحب رجل أكبر منها بنحو عشرين عامًا لأنها فوق الثلاثين وتعتقد أنها لن تجد من يتزوجها سواه بالرغم من أنه متزوج بالفعل.

كل هؤلاء النساء يأتين إلي لأنهن يحتجن إلى الدعم، وأنا لا أكترث، هذه نتاجات المجتمع فلماذا تقع مصائبه فوق رأسي؟ أنا لا أحتاج إلى ذلك لأنني أعاني من المجتمع بالفعل فلا داعي لأن يصب قذاراته عندي، وكنت منذ البداية اخترت ألا أختلط بأحد في العمل لأنني لا أريد أن أعرف شيئًا عن الآخرين.. لا أريد.. الآخرين لا يثيرون رغبتي في المساعدة، لكنهم يجعلونني أكره المجتمع أكثر وأكثر.. وأكثر.

قالت لي إحدى اللاتي أعرفهن مرة أنني أكره الأخطاء الكثيرة وأمثالي يعيشون بعذاب نادر، لا يشفيه شيء إلا أن يموتوا.. فينتقلون إلى عوالمهم الحقيقية حيث النور والخفة والهدوء الذي لا يلوثه الناس بأمراضهم، وإلى أن أنتقل إلى هذا العالم الملون الجميل الذي لا يشبه هذا المجتمع المشوه الحقير، سأظل أكتب هنا.

وفي خلال هذه الفترة من الكآبة التي تصيبني عند بداية الشتاء-بالرغم من إنني أحب الشتاء- لفت انتباهي استطلاع رأي تقوم به التايم الأمريكية لاختيار شخصية العام، وقائمة الاختيارات هذا العام مليئة بالسفاحين السياسيين والديكتاتوريين والرأسماليين، وبين كل هؤلاء المذنبين توجد فتاة واحدة صغيرة بريئة تستحق التصويت لتكون شخصية العام وهي «ملالا يوسفزاي» التي حاولت طالبان قتلها لأنها تدافع عن حقها الإنساني في التعليم والاختيار، والمثير للضحك أن هناك تصويتات جماعية تتجه نحو السياسيين والديكتاتوريين بأرقام كبيرة، بينما أن لا أحد يصوت لملالا حبًا في الإنسانية وفي حق الفتاة في الاختيار والتعليم، كل التصويتات تتجه للعصبية والقبلية والطائفية والرأسمالية السياسية الحقيرة.

وأنا اطلب منكم ان تصوتوا لملالا على هذا الرابط.. لأن ملالا فقط وأمثالها هم من يمنحون أمثالي سببًا للحياة هنا في هذا العالم، الذي ربما يكفر بالسلطة والمال ويعتنق الإنسانية.. في يوم ما..!



الخميس، 8 نوفمبر 2012

حديث ذات.. 14




أنا عالقة في هذه الدنيا.. ولا أعرف ما أفعل بها..!!
لا أريد أن أرى أحدًا، أجلس بمعزلي هذا لأحاول اكتشاف أنواع جديدة من الموسيقى، أنواع لم تتلوث ببشاعة أحد.. ولم تقترن في ذاكرتي بالخيبة والألم والكسر.
لا أشعر برغبة في الاندماج في أفراح الآخرين، لا أريد أن أرى أفراحاً ولا أريد أن أرى أي شخص آخر غير نفسي..
صديقتي التي تختار ثوب زفافها في الغد لن أستطيع أن أذهب معها، وهربت من صديقتي التي طلبت مني أن أسمح لها بترتيب وليمة كبيرة لمجموعتنا القديمة في محافظتهم الساحلية، أنا لا أستطيع أن أمنح دفئًا لأحد.. أنا فارغة من الداخل مسحوبة الروح ولا أرى في العالم غيري.
بإمكان أي شخص أن يصفني بالذاتية؛ ولكن ما الذي سيغيره ذلك؟ حتى وإن كنت متمحورة حول ذاتي أو متكورة حول نفسي المتألمة، ما الذي سيجنيه الآخرون من الحكم المبكر أو المتأخر أو الحكم عمومًا عليّ؟ -لا شيء..! 
كل الناس لا يرون إلا أنفسهم واحتياجاتهم فما الذي سيضر هذا العالم الغارق في البشاعة والقاذورات أن أتوقف عن النظر إليه؟ – لا شيء.. لا شيء!

لأول مرة أشعر أن عدم وجود بيانو في المنزل يسبب لي أزمة، أنا عادة عندما أزور مصر في الإجازات لا ألتفت إلى عدم وجود بيانو، بل أن هذا الأمر لا يكاد يمر بخاطري، لكنني الآن أفتقد وجود البيانو.. أفتقد النوتات التي كنت أعزفها وحدي لأنني أخاف أن يخبرني أحد أنني لا أستطيع إتقانها كفاية.
لا أعرف ما الذي أستطيع إتقانه كفاية، فأنا دائمًا أول ما يلقيه الناس من سفينة حياتهم إن أرادوا تخفيف حمولتها، ولا أحد يعبأ أصلاً إن غرقت أو نجوت وكلهم يذهبون.

كنت في مجمع تجاري كبير منذ ثلاثة أيام بالقاهرة، كنت وحدي تماماً، اخترت طاولة هادئة وبعيدة في مقهى تابع لفندق ضخم وكبير، طلبت القهوة السوداء وأخذت أكتب، أتت النادلة وابتسمت ثم قالت: "لمَ أنتِ حزينة؟ الجو رائع والطقس مبهج للغاية وبإمكانك الاستمتاع بأشعة الشمس في الشرفة الواسعة المطلة على حمام السباحة.. الحياة قصيرة ، استمتعي!"
ويا ليت هذه الحياة قصيرة بالقدر الذي يجعلها تنتهي عندما نريد، ألا إنها تسهب في الطول وتمعن في العذاب أكثر، وأنا أكابد الكثير في هذا العالم، وأعاني من الآخرين الذين ينتظرون مني دائمًا أن أحقق شيئًا أو أن أخطو خطوة تستحق المراقبة أو التعنيف أو التصفيق.

وعندما تمشيت قليلاً بين المحلات الواسعة، قررت أن أدخل الحمام لأنني أريد أن أبكي، فمن غير اللائق أن تبكي امرأة في كامل أناقتها وزينتها دون سبب أمام الناس، وعندما دخلت إلى الحمام بدأت في البكاء، لم أبكِ منذ زمن.. منذ كان يجب علي أن أبكي..!
لا أعرف كيف اختزنت كل هذه الدموع طوال هذه الفترة، وعندما انتهيت من البكاء، وقفت أمام المرآة لأصلح زينتي، فعلقت إحداهن على ثوبي وقالت: " ثوبك رائع.. من الذي طرزه؟" قلت لها: "اشتريته هكذا.." قالت: "أنا أحب اللون الأسود وهذه التطريزات الدقيقة.. أنيق" قلت لها:" نعم أنا حتى عندما أحزن أحزن بأناقة.." ثم تركتها وذهبت..!
لا أريد ان أتماسك أمام أحد، أنا ضعيفة ولا أريد أن أبدو قوية، لقد سئمت ما يظنه الناس عني، وما عدت أهتم.. ما عاد يهمني أي شيء، أنا عالقة في هذا العالم، بين كل هذه الأشياء وكل هؤلاء الناس.. لقد علقت بالفعل هنا!
عالقة بين العطر والموسيقى والثوب الأسود الحريري الذي اشتريته دونما داع، عالقة بين الألم والفراغ ولا شيء يحدث، عالقة بين البقاء والسفر، عالقة بين كل الأشياء كروح لم يفتح لها ممر النور لأن لها مهمة غير منجزة..!

كلمة أخيرة:
أشكر لكم صبركم الذي ساقكم إلى القراءة حتى النهاية، ولي عندكم رجاء.. أنا لا أطيق النصح.. فلا تجعلوا حالي أسوأ بالنصح.

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

حديث ذات.. 13



إنها الإجازة السنوية إذن!!
حاربت حروبًا ضروس من أجل هذه الإجازة التي حصلت عليها ولا أعرف ماذا سأفعل بها حتى الآن، مضى منها أسبوع كامل وأنا ألعب ألعاب المغامرات الإليكترونية فأبحث عن مفاتيح وجثث وجماجم وما إلى ذلك طول الوقت، ومعي رواية البصيرة لساراماجو التي لم أنتهي منها بعد واليوم خرجت لأمشي مع والدي قليلاً على «الكورنيش» حيث الأطفال وبائعي البطاطا والحلبسة والترمس، ثم عدت إلى المنزل لأشاهد فيلمًا كوميديًا مكررًا مع أسرتي، ثم انسحبت لمحادثة إليكترونية مع صديقة، ثم قررت الآن فجأة أن أكتب شيئًا لا أعرف ما هو، لكنني أخذت علبة «كوكاكولا» من الثلاجة وفتحتها ثم جلست أكتب، ولمن لا يعرفني جيدًا أقول إنني لا أتناول المشروبات الغازية أبدًا ولا أحبها، وهذا خطبٌ جلل أن أشربها بنفسي دون ضغط من أحد.

لا أريد أن يرتبط القدوم إلى الوطن بالخذلان عندي، ولا أريد أن يرتبط العيد بالألم، لكن الأحداث المؤلمة عادة تختار أوقاتًا مميزة لتخريبها ولا أفهم ما هي ميكانيكية حدوث ذلك، لكن هذا يحدث معي باستمرار، فاقترحت إحداهن علي أنني ربما مسحورة أو معمول لي «عمل» بخراب الأشياء التي أحبها، وأنني ربما أحتاج إلى معالج أو ما شابه لفك السحر، ثم قالت أنني ربما بي «عين» لأن الخراب الذي يلم بالناس والعلاقات والأشياء التي أهتم بها وأحبها غير طبيعي..!!
والله ما تخيلت أن يقترح علي أحد مثل هذا الاقتراح، أعرف أنني ملعونة فيما يتعلق بأشياء كثيرة، وسيئة الحظ عادة فيمن أقابل لدرجة إنني صرت أشك في وجود البشر الأسوياء أصلاً، وأنني أرى السيكوباتيين يتجولون على البسيطة طوال الوقت وأرى النرجسيين يمشون بالشوارع بشكل عادي جدًا، وتذكرت حينها الطفل في فيلم الحاسة السادسة إذ يقول: «أنا أرى أمواتاً.. طوال الوقت ولا يعرفون أنهم أموات » وأنا أيضًا أرى سيكوباتيين ونرجسيين طوال الوقت؛ وهم لا يعرفون أنهم مرضى.

للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا يضايقني البدر الذي يعكس نوره على شرفة غرفتي، اكتشفت اليوم أنني لا أحب القمر ولا أطيقه، بل أنني أهرب من رفع رأسي إلى السماء لئلا أراه، لكنه موجود بالأعلى والناس يحبونه، ولأن كل الناس يحبونه أعتقد أنه لن تضره كراهيتي..
فأيها القمر البدر السخيف المستدير المنير الذي يعكس نوره على شرفتي.. أنا أكرهك..!
من أكثر الأشياء التي كنت أحب رؤيتها في الكورنيش هو الحب المتجول على الأرصفة، هذا الحب المجاني وكل العشاق والمخطوبين والمتزوجين حديثًا حين يسيرون بأيدٍ متشابكة خشية أن تتسرب منها أحلامهم، كنت أحب أن أرى ذلك ولكنه ساهم اليوم في زيادة شعوري بالخذلان والفراغ، ولا أفهم لماذا يمعن الوطن في تعذيبي بالرغم من أني مواطنة صالحة أدفع الضرائب ورسوم التصاريح كلها بانتظام ولا أكسر القوانين ولا أرتكب المخالفات وأدعم الصناعات المحلية الرديئة!!
فـ ليه كده يا وطن؟؟
لدي مواعيد مقابلات مؤجلة مع أصدقاء عديدين، ومواعيد للقهوة والحكي مع كثيرات، لكنني أخشى أنني لن أستطيع الوفاء بالتزامي هذا، أنا أحتاج إلى طاقة للتغلب على الخذلان والفراغ، والسيكوباتيين والنرجسيين.
أعتقد أني يجب أن أغلق هذه الشرفة التي تسمح لنور القمر بالدخول إلى هنا، لا أريده أن ينعكس على مرآتي، ويجب أن أذهب للنوم.. 
تصبحوا على خير..
 P.S : اللهم عليك بالسايكوباتيين ومن والاهم!!

السبت، 13 أكتوبر 2012

حديث ذات.. 12




السبت..
أول يوم في الأسبوع يسير بطيئًا للغاية، كل شيء يبدو بطيئًا، السيارات والناس والوقت وركوة القهوة التي تغلي بلا انقطاع على الموقد في المطبخ، فكل المحيطين بي في المكاتب المجاورة نصف نائمين، ولا أعرف كيف قادوا كل تلك المسافة من بيوتهم إلى موقع هذا المشروع في قلب الصحراء وهم يكادون لا يفتحون عيونهم إلا بالقدر الذي يقيهم الاصطدام بالآخرين في ممرات المكاتب.
بالأمس كنت أتفقد بريدي الإليكتروني ثم قررت أن أقوم بعملية فرز سريعة وأرشفة للرسائل التي وردتني خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فانتبهت إلى نسخة إليكترونية من كتاب أرسلته إليّ إحدى صديقاتي لأنها ظنت أن عليّ أن أقرأه، ظللت أنظر إلى الكتاب ذو الغلاف الملون، ولم أرد حتى أن أتصفحه، الكتاب يتحدث عن كيفية التعامل مع الرجل وكيفية الاحتفاظ به.
منذ سنوات كثيرة، كانت الناس أكثر استقرارًا وهي بمعزل عن مثل هذه الكتب، التي تضع عوائق وقواعد وقوانين ومعادلات للتعامل مع شخص هو في الأصل جزء منك، تستند عليه روحك، وبالمناسبة فإن كتب العلاقات هذه تبيع مبيعات خيالية، وهي تجارية الغرض جدًا، ولم أقرأ منها سوى كتابًا واحدًا منذ أكثر من سبعة سنوات، كان ذلك الكتاب الذي يقول أن الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة وكليهما يتحدثان لغتين مختلفتين، وقد بلغ الأمر من التعقيد مداه عندما وصلت إلى منتصف الكتاب ولم أستطع أن أكمله، الحب لا يكون بالحسابات، كل هذه الكتب خاطئة، كل هذه القوانين فاشلة، والعاشق لا حاجة له بمثل هذه التعقيدات الكثيرة.
لا أفهم إلى الآن ما هو الشيء الذي يجعلك تصدق شخصًا غريبًا، لا تعرفه ولا يعرفك ولا يعرف معشوقك الذي تسعى إليه بقلبك، مع إن الأمر كله أسهل من ذلك-وأتفهم أن سيكولوجية المجتمعات العربية معقدة إلى حدٍ ما- لأنك لا تحتاج سوى أن تكون نفسك، أن تقبل الآخر فتكون لينًا وصبورًا وصادقًا، ولك مثل الذي عليك من الصبر والتقبل والتفهم، ولا حاجة لك بالكثير من الحسابات التي تفسد الأمر على الشريكين وتجعله أكثر تعقيدًا في مجتمعات تعاني من تخلف في ثقافة المشاعر بشكل عام يدعو إلى الخزي. نحن نعيش في مجتمعات لا تفرق بين الحب والإعجاب والشهوة وتخلط بينهم بشكل سافر ومقيت.
الكتاب يفترض نمطًا شخصيًا واحدًا للفرد محل الدراسة، والله لم يخلقنا لنصير نسخًا متشابهة، نقول نفس الكلام ونشعر بنفس الأشياء ونتحدث بنفس الطريقة ونحب بنفس الطريقة، وهذه فرضية سخيفة مثالية وليست صحيحة، أنت لا تحتاج إلى كتيب إرشادات أو «كتالوج» لتحب شريكك، هو لا يحتاج منك سوى الرحمة والود والتفهم والصدق.
انتبهت الآن إلى أن كوب القهوة فارغ، ويجب علي أن أقوم بإعداد قهوتي وسأرجئ ذلك إلى أن أنتهي من الكتابة، أنا أشتاق إلى الكتابة وأحبها، وأكره أن أكتب في مكتبي لكن لا شيء لدي لأفعله يوم السبت الذي يمر هادئًا خاليًا من المنغصات العملية البغيضة.
و في مثل هذا الوقت حين أكون وحدي أستحضر ضحكاته، أقول له دائمًا.. «ضحكتك أجمل ما خلق الله من ظواهر طبيعية..!» لأنه إن ضحك أشرق عالمي بنور خفيف مطمئن لا يشبه البرق ولا الشمس، لكنه نور مختلف، يضيئ قناديل خفيفة في سراديب القلب الذي هو نجمه المغروس كاليقين، وانطلقت بداخلي فراشات لها أجنحة زرقاء ووردية لتحط فوق زهور صغيرة أينعت كياسمينات فجائية في جانب ما من نفسي!!
يجب علي الآن أن أقوم لملء كوب القهوة، ثم سأواصل قراءة كتاب أحضرته معي لأنني أمضي الوقت يوم السبت عادة أقرأ، أعرف أن من يتابعون صفحتي منكم يعرفون الكثير «عنه» ويرونه مشعًا بجلال وهَيْبة وسط الكلمات، ربما سأحكي لكم عنه لاحقًا، حين تسعفني الأبجدية القاصرة والكلمات المحدودة التي أصفها في سطور فلا تكفي ولا تفي.

الخميس، 2 أغسطس 2012

حَديثُ ذاتْ.. 10




قبل أن تمد عينيك لقراءة هذا الحديث؛ يجب أن تعلم أنه ليس جميلاً وليس سعيدًا ولا يتحدث عن الحب أو الشوق، ولا علاقة له بالأمل والغد وكل هذه الأشياء الملونة، ولا يمثل ابتزازًا عاطفيًا من أي نوع كما سيخطر على بال البعض، وليس شحاذة عاطفية كما سيظن آخرون، إنما هو حديث ذات أردت أن أكتب فيقرأ عابر يشعر بالقتامة مثلي فيعرف أنه ليس وحيدًا، لذلك فإنني أحذرك يا من ستقرأ هذا الكلام، إن كنت عاشقًا أو متفائلاً أو سعيدًا لأي سبب حتى لو مؤقت وأطلب منك أن تغلق هذه الصفحة وأن تفعل شيئًا أكثر إبهاجًا من قراءة ما في السطور التالية.
وإن كنت تنوي أن تنصحني، أنا كبرتُ على النُصح، فاجعل نصحك لنفسك يا صديقي، وإن كنت تظنني شديدة التشاؤم فأنا أقول لك: تعال وعش قليلًا مما أكابد وبعدها ستعرف السر كله!!
أما إن كنت في مثل حالي فمرحبًا بك، ولعلنا في مرحلة ما سنبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة لتأسيس نقابة تمثلنا، لنطالب بحقوقنا التي تبدو بديهية عند هؤلاء السعداء المبتسمين.

في أول أيام رمضان المبارك بلغت الثانية والثلاثين، لا أعرف لماذا انزعجت من الرقم، أنا في الثانية و الثلاثين، كبيرة بما يكفي لأعرف إلى أين سأذهب، لم أحصل على قصيدة في يوم ميلادي ومضت ليلة ميلادي كأسوأ ما يمكن أن تكونه ليلة ميلاد، ولكنني حصلت على علاقة مفاتيح من الفضة والكريستال والذهب الأبيض من أمي، وزجاجة عطر فضية من أخي ، ومبلغ من المال يكفي لشراء الكثير من الكتب من أبي، أما أختي، فلازالت تبحث عن شيء ليس عندي منه!!
واكتشفت ماهيتي، اكتشفت نفسي ، أنا لست سوى بلدة صغيرة مهملة وحزينة، ليس فيها أي شيء سوى أنها محطة قطارات، تنظر كل ليلة إلى أرصفتها اليتيمة التي لا يغمرها نور قمر، ولا يصلها من الشمس إلا الحرارة والجفاف والعطش، وتنتظر اليوم التالي بالكثير من الصبر، بالكثير من الدعاء.. عل يزورها المطر!!
بلدة صغيرة مملة لا يسكنها أحد، لم يفكر أحد في أن يعيش فيها، لم يفكر أحدٌ في تأثيثها من الداخل، لم يفكر أحدٌ في أي شيء، الناس يمرون، مسافرون في حيواتهم، يستظلون بخمائل روحها الكثيفة ثم يرحلون, وهي تتمنى زينة العيد، ترغب في أن يلعب في طرقاتها الأطفال بالبالونات الزهرية والزرقاء، وترغب في أشجار الميلاد الملونة المزينة بالحب، وترغب في صلوات صادقة بذلك المعبد القديم الملقى في مكان ما منها، وترغب أن يقيم العشاق زفافاتهم فيها، ترغب في أن ينثر بابا نويل السكاكر على أرضها وترغب في أشياء كثيرة، ولكنها مملة.. مملة.. مملة.. جدًا !!

نظرتُ إلى صفحة المتابعين بالمدونة وتفقدتُ الرسائل فيها، فوجدت رسالة مكررة من شخص يسمي نفسه معالجًا روحيًا، يعرض علي أن يخلصني مما أنا فيه، بالمجان ودون مقابل، ترك لي هاتفه وعنوانه وبريده الإليكتروني لأتصل به، ليرسل لي عدة طرقٍ للعلاج تتناسب وحالتي، الشيء المخجل في هذا الأمر كله؛ هو أنني صرت أثير شفقة الدجالين!!
حتى الدجالين، الذين يمارسون النصب على الآخرين، صاروا يشعرون بالشفقة عليّ، وصاروا يعرضون العلاج علي بالدجل، فهل أبدو سقيمة إلى هذه الدرجة ..!! هل أنا سقيمة حد الشفقة؟؟ يا الله .. يا الله .. ما أرحمك وما أقسى عبيدك!!

من الأمور المفزعة أيضًا التي منعتني من الكتابة لفترة طويلة؛ الفتيات اللاتي يعتقدن أنني قدوة، وأنني رائعة، وأنني .. وأنني.. وأنني .. وأشياء كثيرة!!
إن كان هناك من يريد أن يقتدي بي، فله أن يقتدي بي في وظيفتي، أنا متفوقة فيها، أحصل على راتب جيد، وحصلت على لقب سينيور منذ أيام، و أترقى فيها بسهولة، أنا منظمة ومرتبة وذكية في كل ما يتعلق بالعمل، وأستطيع إدارة مشاريع تزيد قيمتها عن سبعين مليون دولارًا أمريكيًا دون خسارة، ولا أستطيع أن أدير حياتي بمثل هذه المهارة!!
كانت قد أخبرتني إحداهن، أنها تتفاءل بكل ما أكتب من فرح، وتبتئس إذا وجدت أنني أكتب عن الألم، و هذا شيء لا أريده ولا يعجبني، فلا أريد أن يبتلي أحد نفسه بما فيّ، ولا أريد أن يرى أحدٌ نفسه فيّ، أنتم لا تحتاجون إلى هذا القدر من التشويه، لا تحتاجون إلى المزيد من الألم، لا تحتاجون إلى التشتت والبعثرة والنزف، هذه الأشياء خلقت لناسها، وأنا منهم، وأريدكم أن تكونوا أسعد حالاً وأفضل حظاً مني، فلا تفكروا مثلي فتشقوا على أنفسكم دون داع، غير أنني أدعو الله في كل ليلة أن يجنب الآخرين ما يلم بي من وجع، فلا تسعوا إلى ما لا قبل لكم به!!

أعرف شخصًا ما سيفرح أنني متعبة ومتألمة، و سيظن بعقله المريض أن الله يقتص له مني، لأنني مفترية- نعم مفترية- رفضت أن أبادله مشاعر لا أحتاج إليها لأنني أكره أن يختارني أحدهم لخيانة زوجته وأبنائه الثلاثة..!!

نصيحة أخيرة لكل من يقرأ هذا الكلام واستطاع أن يصبر عليّ حتى انتهيت منه، حاكم الناس على أخطائهم، إجلدهم، كن أكثر ذكاءً مني، لا تسامح أحدًا على ذنب ارتكبه في حقك، اجعلهم يخشون غضبك وتقلباتك، لأنك إن لم تفعل، ستكون محطة قطارات مملة وأنت في الثانية والثلاثين..!!

إنتهى ..!



الجمعة، 22 يونيو 2012

حَــديثُ ذاتْ.. 9







انتبهت إلى أن اليوم الثاني من حملة التدوين انتهى دون أن أكتب شيئًا، فابتسمت!!
أحيانًا ما تمثل الكتابة مقاطعة لأحلامي، على الرغم من أنها أكثر ما يقربني منها، ربما لأنها أكثر واقعية من ذلك الجزء الخفي بنفسي الذي أحاول أن أخفيه حتى عن الكتابة، ولكنني سأتحدث.. ربما سأفعل!!
فنجان صغير من قهوة شقراء تركية بالبندق والحليب يكاد يتحرك من فرط ملله من انتظار فكرتي الملائمة للكتابة، لكنني لا أعيره اهتماماً لأنه صار باردًا، بينما أمارس الحلم بشكل داخلي بحت لا يستطيع أحدٌ ملاحظته لأنه من الصعب أن يتخيل أحد أن تلك الجالسة في ركن المنزل صامتة تماماً تنظر إلى شاشة عليها ورقة بيضاء بوجه خالٍ من التعبيرات تماماً تحلم بشخصٍ/ شيءٍ ما!

أحب أن أكتب صباح الجمعة حيث الأمور كلها هادئة؛ فلا مكالمات هاتفية غير متوقعة ولا زيارات صباحية مبكرة لأن الجميع مشغولون وكلٌ له خطته، أما أنا فلا خطط لدي ولكنني أتوقع أن تأتي ابنة شقيقتي في وقت ما للعب فوق أصابع البيانو، أو ربما ستأتي لتطلب مني أن أطلي لها أظافرها المنمنمة الصغيرة باللون الأحمر أو الوردي.. حسب الفستان الذي سترتديه في «فسحتها» الأسبوعية مساءً.. ولربما تطلب بضع رشات من العطر «البمبي».

وفي هذا الركن الشمال الشرقي من صالة شقتنا؛ حيث تقع ورائي بانوراما زجاجية كبيرة تكشف الشارع، صرت أسترجع صوته، وصرتُ أفكر إن كان بإمكاني تعبئة صوته في كبسولات صغيرة ملونة، تمنح الحنان والدفء والحب طول الساعات التي لا أستطيع الحصول عليه فيها، لا شعور يشبه ما يفعله بي صوته، لا أعرف كيف يتحول صوته إلى «حضن» أرى فيه أحلامًا مجسدة، أحلامًا نحيتها وغطيتها وغالبتها لوقتٍ طويل، أريد أن أفعل ذلك بضحكاته أيضًا وبأنفاسه الهادئة، سأضع كل هذه الكبسولات في علبة كريستال لدي منذ وقت طويل ولم أعرف ماذا أفعل بها.

قمت في الصباح الباكر فحملت السجاد خارج غرفتي، وسكبت الماء على البلاطات الباردة، جربتُ أن أرقص فوقها مغمضة العينين لكنني لم أستطع لأنني كسرت قدماي الاثنتان قبل ذلك، فصرتُ أخاف الانزلاق جدًا، نظفت الغرفة، فتحت الشباك الوحيد بها، شاهدت النور ينعكس فوق البلاطات اللامعة النظيفة، وكانت أنغام تغني حينها: 
«مانت الدنيا وأحلى ما فيها
طيبة قلبك بتحليها
إنت الفرحة اللي باعيش بيها عمري معاك
ياه ياه ياللي عيونك دول حكاياتي
خدني مني يا كل حياتي
خدني أعيشلك أجمل آتي.. عمري معاك»..

مشيت حافية فوق البلاطات السكرية لأتحقق من جفافها، الآن أستطيع أن أقف على أطراف أصابعي وأن أمد يدي إلى الأمام وأن أمشي بضع خطوات هكذا، حرارة ضوء الشمس على صدري، البلاطات الباردة تحت قدمي وعطر الورد يملأ الجو بينما أنغام ما زالت تغني، مشيتُ ثم شعرت بيديه تمتدان إلى يدي ليسحبني نحوه تدريجيًا وأنا أسير على أطراف أصابعي، سمعتُ ضحكة خفيفة من ضحكاته الكثيرة - هو له أكثر من ضحكة - ثم شعرتُ به يأخذني إلى صدره، يضمني إليه سمعت دقات قلبه، شعرت بتربيتاته على ظهري للحظات، ففتحت عينيَّ.. ولم يكن معي!!
ثم خرجت أبحث عن سجادة غرفتي، فرشتها، غيرت ملاءة الفراش الزرقاء إلى أخرى وردية، بها زهور وردية بلون أغمق، غيرت أكياس الوسادات، حملت الدب الأبيض الصغير إلى ركن الفراش، غمزتُ له بعيني اليسرى، وهمست في أذنه: «فقط.. لا تخبره..!!»، بينما ميادة تغني:
«أنا بعشقك أنا بعشق الكلمة اللي بتقولها وبعشق ضحكتك
 أنا بعشقك أنا بعشق الليل اللي في عيونك وبعشق رقتك
 أنا بعشقك أنا بعشق الأرض اللي عَدّت فيها يوم خطوتك».

الجمعة، 11 مايو 2012

طُقوسْ : يَوْمُ الْجُمْعَة


يوم الجمعة..
أفقتُ على نهاية حلم يقول فيه شخص ما إنني سأكون بخير.
أعرف أنني سأكون بخير، لأن أمثالي دائمًا بخير، حتى وإن تألموا قليلاً أو بكوا قليلاً، لأن الله سيجعل قلوبنا تبتسم دائمًا بطريقةٍ ما، تذكرتُ وأنا على فراشي اليوم أنني لا تعجبني الستائر الجديدة، كنت أحب ستائري الخفيفة سكرية اللون المنقوشة بزهور حمراء، لكن أمي الحبيبة - جزاها الله عنا خير الجزاء - غيرت الستائر إلى أخرى بلونٍ غامق، يتماشى مع أثاث الغرفة البنية، فالستائر الجديدة لها تعريجات عريضة أنيقة باللون الذهبي والبني الفاتح والبني الغامق مع زهور منثورة بلون ذهبي غامق قليلاً، هذه الستائر الثقيلة لم أحبها كما كنت أحب الستائر القديمة التي كنت أرفض تغييرها، حتى انتهزت أمي - حفظها الله - وجودي في العمل ذات مرة ثم عدت إلى المنزل في المساء لأرى الستائر الثقيلة معلقة على نافذتي الكبيرة، فصرتُ أسأل عن ستائري القديمة إلى أن جاءت إجابة والدي الحبيب: «خلاص بقى، الستاير الجديدة أشْيَك».

«ذوقك مُرْهِق جدًا..»
قالت ذلك ثم إلتفتت إلي بينما أبحث عن بلوزة بيضاء بها نقوش سوداء، وحتى لا أسمع مثل هذه التعليقات فإنني أفضل أن أتسوق ملابسي وحدي، أعرف أن ذوقي صعب ومرهق، وأعرف أنني صعبة الإرضاء، وأن بي من هذه العيوب الكثير، وأعرف أنني لا أتراجع ولا يستطيع أحد إثنائي عن شيء ما دمتُ أريده، وأعرف أنني لا أتسامح، ولا أؤمن بفلسفة «الفرصة الثانية» ولا أعرف كيف أتبعها، لأنني أعرف أن الفرص الثانية تضيع كما الفرصة الأولى، ومن حق كل إنسان فرصة واحدة كاملة متكاملة ومرنة بما يكفي لاستيعاب الأخطاء وتفهمها، أما إن فسدت الفرصة الوحيدة فإنه لا داعي لتكرار المنح، لأن الناس إذا مُنحوا فرصة ثانية فإنهم سيكررون نفس أخطائهم، وهذا شيء أعرفه تماماً كما أعرف جداول الضرب العشرة الأولى، وأنا لا أحب أن أضيع وقتي، وهذا الدرس يبدو نزقًا وعسيرًا لكنني أعرف أن من وصل إلى الثلاثين وتعداها فسيحسن فهم ما أحاول شرحه.

تغمرني فكرة «الرجل الوطن» التي كانت تخيفني دائمًا، فكرة أن يتلخص الوطن في شخص واحد، تنتهي عنده محطات الترحال، ويبدأ القلب في ربط مركبه الوحيد البالي بمرساه، رجل تتعلق أحلامي بأطراف أصابعه وتخرج ابتساماتي من شفتيه، ويهطل الحنان بغزارة من جنبات صدره على ثنايا روحي، يثبت أن الخرائط فكرة فاشلة وأن المسافات ليست سوى أرقام لا تعنينا في شيء، والطفولة كما الحب تُمارس طوال الوقت دون اعتبارات للزمن، يفتح أبوابًا تغري بالحلم، كل الأشياء معه أول مرة، وكل مرة معه في كل شيء أجمل من كل مرة!!
رجلٌ كل أطواره حلوة كفصول السنة؛ هادئ في حزنه كالشتاء، رقيق في نفسه كالربيع، عنيف في مشاعره كالصيف، ومثير للحب كدفء الخريف، كلما فكرتُ فيه همس عبد الوهاب مطاوع - رحمه الله - في أذني قائلاً:
«إن أطهر النفوس النفس التي اختبرت الألم فرغبت أن تُجنب الآخرين مرارته»..
 فأبتسم، أفهمه أكثر، أقدره أكثر.. وأحبه.. أكثر!!

الأحد، 15 أبريل 2012

حديث ذات .. 8




أكتب اليوم لأنني أحاول أن أخرج من رأسي بعض ما فيه، تزاحم الأفكار يصيبني بالصداع فهي تركض وراء بعضها مثيرة الكثير من الجلبة وتركل جنبات جمجمتي بعنف شديد، يجب أن يخف ذلك الازدحام المؤلم حتى ولو قليلًا، وربما يتسع صدري بعض الشيء، خاصةً وأنني أشعر كأن هذا العالم الكبير بسكانه وضوضائه وحرائقه انتقل إلى صدري الضيق!
أتيت اليوم إلى المكتب ولا عمل لي فيه، فقط أردت أن أبتعد عن مكان يعج بأرقام كثيرة وأناس يتحدثون عن بنود قانونية في عقد شديد التعقيد، نعم بالفعل أنا هاربة من العمل بذاك المشروع إلى هنا، لا أحد اليوم بالمكتب، أنا وحدي تماماً ومعي بعض الموسيقى، الموسيقى هي العامل الحفاز الوحيد الذي سيسهل خروج بعض الأفكار من رأسي، لم أختر روب كوستلو هذه المرة، روب كوستلو جريح القلب في الأساس وجراحه تتدفق منها الموسيقى لتشفي جروح الآخرين وأنا لا أحتاج إلى ضمادات؛ أنا بخير، لكن الأفكار ستنساب إلى الورق باحتراقات ياني فقط، نعم هذا هو وقت ياني.

عندما وصلت في الصباح، وجدت أن «كارول» مسؤولة النظافة استبدلت ملطف الجو خاصتي بالياسمين وأنا أستعمل الفانيليا، وعندما سألتها ابتسمت و قالت: "وما الفرق؟"، أجبتها: "الفرق هو أنني لا أريد الياسمين"، قالت: "لكنك طلبته منذ شهر!"، قلت: "أنا أريد الفانيليا الآن!" قالت: "حسنًا في المرة المقبلة سأطلب لكِ الفانيليا."
المكتب يمتلئ الآن بعبير الياسمين ولا حيلة لي في ذلك إلا أن أقوم بشراء عطر الفانيليا اليوم، كنت أستعمل الخزامى الحزينة منذ فترة بعيدة، لكنني أحببت الفانيليا لأنها مليئة بالفرح، مبهجة وشهية وأنثوية، لا تستعمل في حداد ولا تليق أن توضع في أكاليل على المقابر، لكن المشكلة أن رائحة الفانيليا المنبعثة من ملابسي ذابت واندثرت وسط زخم الياسمين!!
طلبت شايًا أخضر منذ دقائق، فدخل المضيف حاملاً إياه في كوبي الأبيض، وضعه على مكتبي وانصرف، وعندما هممت بالارتشاف منه وجدته حلوًا، مثل هذه الأشياء الصغيرة تضايقني، وتغضبني جدًا كأن ينسى أحد ويضيف السكر إلى قهوتي وأنا أحبها مُرة ولا أعترف بالمحليات إلا إذا هزمتني المرارة، إن الذين يضيفون المحليات والسكر إلى شرابهم يرفضون تذوق الطعم الحقيقي لما يشربون وأنا لست كذلك، أنا أحاول أن أتحمل الطعم الحقيقي لكل شيء، مر أو حاد أو حلو أو لاذع، لأنني أظن أن ذلك سيعينني بطريقة ما على تقبل طعم مواقف الحياة، لا أعرف لماذا أظن ذلك بالرغم من أنه لا يبدو حقيقيًا..!
كان لي موعد مع إحدى صديقاتي اليوم لكنني ألغيته، لا أريد أن يقوم معي أحد بطقس الأمومة، صديقتي هذه تعاملني كأنني طفلة صغيرة سقطت أرضًا فجرحت ركبتها واتسخت ثيابها وأنا لست كذلك، انا امرأة في الثلاثينات الآن لن يجدي معي ما كانت تقوم به، لا لشيء إلا لأنني أرغب في أن أقوم وحدي ولا أريد أن ينتزعني أحد من فوق الأرض، أريد أن أفعل كل شيء وحدي، سأبكي وسأعالج ركبتي وأبدل فستاني ثم أعود إلى اللعب في خضم هذه الحياة مهما استغرق ذلك من وقت..!!

في يدي الآن رواية طوق الياسمين لـ«واسيني الأعرج»، لا أعرف ما قصة الياسمين معي اليوم، حتى أمي الحبيبة في الصباح كانت تضع على غير العادة عطر الياسمين الأخير الذي اشتريته لها، و بالأمس عندما سرت بممشى على البحر لفتني رائحة الياسمين فانتبهت إلى أن الأحواض الخضراء المحيطة بي كلها مزهرة بالياسمينات..!
كنت قد حصلت بالأمس على اسطوانة موسيقية جديدة لـ«محمد منير»، وشغلتها في السيارة، الموسيقى رائعة ولكنني لم أحتمل كلمات الأغاني، فبعد الأغنية الثامنة أخذت الاسطوانة من المشغل وألقيتها خارج سيارتي من النافذة، أنا لا أريد أن أسمع هذا الكلام لأنه جميل جدًا لم أستطع أن أتحمله فتخلصت منه قبل أن تدمع عيناي، لذلك لجأت إلى ياني، حيث لا كلام.. لا شيء.. فقط إحساس ونغم.
أحياناً أفعل ذلك، بل أنني في مرة أعجبني ديوان شعر عامي قرأته كله وعندما بدأت في البكاء قمت بإحراقه،  وتلك الموسيقى صارت تنحت في روحي والكلمات مؤلمة كالوشم، وأنا مشوهة بالفعل، فكأن كلمات أغنيات «محمد منير» اتحدت مع الياسمينات في هذا العالم في مؤامرة ضدي مستغلين ضعفي وألمي وانعدام رغبتي في المواجهة هذه الأيام.

مزاجي مرتبك، واليوم طويل ولا يريد أن ينتهي، أريد أن أترك العمل وأذهب إلى البيت لأغسل نفسي من الياسمين الذي علق عطره بملابسي، أريد أن أتسلل إلى فراشي و أن أسدل الستائر الداكنة على النوافذ كلها، ثم أستسلم إلى النوم لأغمض عينيّ ولا أرى أحدًا، الأرق يمنعني من الراحة و يجهدني كثيرًا ويملأ وجهي بالخيبات والكوابيس والظنون والارتباكات ويجعل مشاعري سهلة القراءة بالنظر المجرد إلى ملامحي، وعقلي يعمل بلا هوادة منجبًا تلك الأفكار المشاغبة التي حاولت أن أسكب بعضها هنا، عل الصداع يرحل حتى ولو جزئيًا.




الجمعة، 6 أبريل 2012

أَلْــــــــــوانْـــــــ : عن الأمنيات البيضاء



استكملت حكايتها قائلة:
«ثم لم تشترِ لي أمي الفستان الأبيض الذي حدثتك عنه، على الرغم من أن لدي حذاء أبيض يناسبه تماماً وله كعب عال، ولدي حقيبة بيضاء مغطاة بالريش وعصابة شعرٍ بيضاء رائعة عليها خمس وردات صغيرة».
ثم رفعت ذراعيها السمراوين الصغيرتين في الهواء لتدور حول نفسها دورة كاملة، راقبت خصلات شعرها الأسود الناعم تتطاير وعيناها مغمضتان، ثم سمعتها تقول:
«هل تعتقدين أن اللون الأبيض لا يناسبني يا عمتي؟».
ابتسمت وأنا ألتقط كوب القهوة الكرتوني، وقلت لها:
«كل الألوان تناسبك، الأبيض والوردي والأحمر.. فأنتِ أجمل الصغيرات على الإطلاق..».
اتجهت نحو النافذة الزجاجية الكبيرة، وقفت على أطراف أصابعها وتشبثت بقضيب معدني لامع لتراقب السيارات الملونة، ثم أخذت تعد السيارات البيضاء بصوت مرتفع.
شيروثي أكبر مشاكلها الفستان الأبيض، والانتقال إلى مدرسة جديدة لا تعرف فيها أحدًا، وتشكو أن شقيقتها الصغرى تشد شعرها الطويل واستولت على دميتها المفضلة، وغضبت عندما فقدت كتابها الأبيض عندما انتقلت مع أسرتها إلى منزلٍ جديد، كتابها الذي كان يتحدث عن أميرة تهبها إحدى الجنيات ثلاثة صناديق.

الأوراق البيضاء ملقاة على الطاولة بينما الصغيرة جالسة على الأرض أمام الجدار الزجاجي، عبثاً أحاول أن أكتب بضع كلمات عن لونٍ أحبه، أو عن لونٍ يذكرني بشيء أحبه، مسكينة هذه الأوراق التي تحمل وزر الكتابة، ضعيفة ولا حيلة لها حين تبدأ الأقلام في اغتصابها إلا أن تستكين لتحمل سفاحاً بعض الأسرار أو الحقائق أو الأكاذيب، وأنا أشارك في ذلك لأنني أحاول أن أجد شيئًا أكتبه ليناسب حدث الكتابة عن الألوان، فأنا أقمت الحدث واستضفته ولم أكتب شيئًا إلى الآن لأن الكتابة صارت صعبة؛ حين أبحث عن كلمات أغسلها في قلبي أولاً لتكون بالطهر المناسب للمرور بعينيه، قبل أن يرفع قلمه الأحمر ليبدأ في تصحيح أخطائي بنصف ابتسامة مغرية، ولا أظن أن موهبتي المتواضعة في الكتابة تسعفني دائماً في هذا الخصوص، ولكنني أحاول!

وقفت شيروثي أمامي ثم استأذنت في أن تسحب ورقة بيضاء وأن تستعير هذا القلم الرصاص الذي أحاول أن أكتب به، أعطيتها ما طلبت ثم جلست.. راقبتها ترسم مزهرية وزهورًا، ثم خبرتني أنها ستقوم بتلوين هذه الرسمة البيضاء بالألوان حين تعود إلى المنزل، أو أنها ستبحث عن حبات قطن ملونة بين أدوات زينة والدتها لتلصقها بدلاً من التلوين، أحب هذه الصغيرة لأنها مبدعة حقًا!!

الآن تأكدت أنني يجب أن أكتب عن اللون الأبيض، ربما أكتب عن قميصه الأبيض الذي ينعكس لونه على بشرته فيصير جبينه وضاءً أكثر وتلمع عيناه أكثر، أو ربما أكتب عن قنينة عطر الفانيليا البيضاء التي تقيم قطراتها على صدري بشكل دائم، أو عن عم أحمد البستاني - رحمه الله - الذي كان يعتني بحديقة الواجهة لإحدى الشركات التي عملت بها وكان يهديني ياسمينة عربية بيضاء كل يوم في موسم الربيع قائلاً :«صباح الياسمين يا وردة..».

وأذكر أن إحدى صديقاتي المقربات تمنت لي مرة أن أكتب قصة بيضاء، وعندما سافرت صديقتي إلى إيطاليا منذ أربع سنوات خبرتني أنها ألقت لأجلي في نبع التريفي ثلاث عملات معدنية، ثم أسهبت في الشرح وقالت إن التقاليد القديمة الإيطالية تقول إن لكل عملة معدنية معنى، فالعملة الأولى من أجل أن يرجع صاحب الأمنية إلى إيطاليا، والعملة الثانية من أجل أن يقع الشخص في الحب، والعملة الثالثة من أجل أن يرتبط بعد الحب إلى الأبد بالزواج. خبرتني أنها فعلت ذلك لأجلي بعد أن أخبرها أحد العجائز الإيطاليين بإمكانية أن تلقي بعملات معدنية لتتحقق أمنياتها لشخص آخر.
صديقتي الحلوة تؤمن بمثل هذه الأشياء، وتحب اللون الأبيض وتعتقد أن القلوب في الأصل بيضاء لكن الدم هو الذي جعلها حمراء، وأن الحب أبيض لأن لا لون يتصف بالنقاء والبراءة مثل الأبيض، وتؤمن بأشياء كثيرة كقوة الألوان.. وتعتقد أن اللون الأبيض أكثر الألوان قوة وتأثيرًا وقوته مثل الأسود تمامًا..

أما أنا فلم أنتبه إلى اللون الأبيض إلا اليوم، عندما قامت تلك الجميلة الجالسة على الأرض بالحديث عن فستان أبيض أعجبها ولم تشتره، وعندما لاحظت أن جزءًا يخفق في صدري وقتما تذكرت صديقتي ذات الأمنيات البيضاء وقصتي التي ربما ستكون بيضاء كهذا الضوء الداخلي الذي تشعه روحي إن لامست روح صاحب القميص الأبيض!

على الهامش :

ملهمة الكلمات بالأعلى هي هذه الطفلة الجميلة : Shruthi Raja