الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

ماذا الآن..!


كيف يبدأ الإنسان الحديث عن كل هذا الألم وكل هذه الخيبة؟
كيف أستطيع اختزال كل الوقت المؤلم الذي مر فوقي؟ هل تعرف معنى أن يمرالوقت فوقك؟ أن يدهسك الزمن؟ هذا هو ما أحاول أن أجد لغةً تصلح لكتابته تحديدًا، هذا الشعور الذي لا يمكن التحدث عنه، لكن الكتابة تشفي، وأنا مضطرة لممارستها هذه المرة كإبرة علاجية تنتمي إلى صندوق أدويتي ذو اللونين الأخضر والأسود، نعم.. لقد صار لدي صندوق أدوية وأدوية أتناولها بانتظام ولا أجرؤ على إهمال أيها.
بدأ كل هذا في يناير الماضي، مرض أبي الحبيب مرضًا مفاجئًا وثقيلًا، ثم توفي في فبراير وتركني وحيدة هنا، مع كل هؤلاء وبينهم، أشعر أنني طفلة نسي والدها موعد خروجها من المدرسة، فقررت أن تجلس على درج المدرسة في انتظار والدها ليمر لأخذها، أنا أنتظر أن يمر بي أبي ليأخذني أيضًا.. لكنه يمر للزيارة فقط، أراه في أحلام قصيرة، أراه مبتسمًا يتحدث معي، أخبره أنني أحبه في كل مرة فيبتسم، ثم يرحل في ضباب أبيض وأفيق أنا لأبقى هنا، عالقة في هذا العالم وحدي تمامًا.
اضطررت أن أمر بكل هذا وحدي، أنه لم يكن هناك أحد، الناس يملون ويختلقون أسبابًا للرحيل وأنا أتركهم يرحلون ثم أغلق الباب خلفهم، وهكذا صرت أشعر بأنني لا أدين لأي أحد بأي شيء، ولا حتى كلمة شكر واحدة. تأكدت أن ما يقوله الآخرون عادةً لا يجب أن يؤخذ بجدية أبدًا لأن الزمن يمنح كل علاقة وكل شخص اختبارًا والنتيجة هذه المرة هي أنه لم ينجح أحد على الإطلاق وكان هذا مؤلمًا وحقيقيًا تمامًا، كأنني تجرعت كل الألم الذي تم تقديره في حياتي مرة واحدة وبعد هذا تجمدت مشاعري كلها نحو كل شيء وكل أحد، فما عاد يعنيني ألم الآخرين أو وحدتهم أو شقاءهم، فليذهب كل الآخرين إلى الجحيم أو الجنة لم يعد هذا مهمًا أيضًا.
ومن أجل ذلك، ما عدت أهتم بالآخرين، أراهم نكات بذيئة مضحكة، بل أن هناك أشخاصًا بعينهم أتذكرهم في نكات بذيئة فقط لا غير، وهم بالمناسبة لا يستحقون أكثر من هذا، أن يكونوا أجزاء رخيصة من نكات بذيئة لا أكثر ولا أقل، فهم يريدون صداقتك وكرمك ومساعدتك ولكنهم لا يعتقدون أنك تستحق شربة ماء إن كنت تموت عطشًا لأنهم لا يشعرون أنه يجب عليهم سقياك.
كانت خيبتي ضخمة بالإضافة إلى مصابي الجلل في فقد أبي الحبيب رحمه الله، فمرضت وكنت وحدي أيضًا، ولم يكن هناك أحد، كنت وحدي أذهب إلى المواعيد الطبية الكثيرة وأجري التحاليل والاختبارات وأصلي لله تضرعًا ألا تكبر مصيبتي بمرض أحتاج فيه إلى أحد لأنه ليس لدي أحد.
أشاهد الدنيا الآن بسخرية وأضحك أكثر، أضحك لأنني ليس بوسعي أن أفعل شيء آخر، فقط أجلس كالطفلة على درج المدرسة أنتظر أبي وأِشاهد الناس وأضحك، أضحك لأنني وحدي، وأضحك لأن كل شيء كان مزيفًا وأن الأشياء الوحيدة الحقيقية هي الألم والوحدة والفقد والموت، وما عدا ذلك فهو وهم.
وفي النهاية؛ شكرًا لله الذي خلق الحيوانات الأليفة، التي لن تتركني من أجل الآخرين، ولن تطعنني بسكين في وقت ضعفي ولن تتخلى عني وقت احتياجي لها.



الثلاثاء، 17 يناير 2017

ما أشتاق إليه في الحب فعلاً..


إنه الشتاء..!
أتذكر أن كل الحب الذي نبت في قلبي نحو شخص ما نبت في الشتاء،  وأتذكر جيدًا أيضًا أن كل الراحلين رحلوا في يناير.. جدتاي الحبيبتان رحلتا في يناير في أعوام مختلفة، يناير البارد الذي يجعل الحب الدافئ يسري بدمي هو نفسه يناير المؤلم الذي غادرت فيه جدتاي، أفتقد عصير البرتقال بالجزر، كانت جدتي تعده لي حتى لا أمرض في الشتاء، كانت تخاف علي جدًا لأنني كنت أغترب بعيدًا عنها للدراسة، وكانت تعتقد أن عصير البرتقال والجزر الذي أشربه لديها مرتين في الشهر وقت إجازاتي القصيرة سوف يحميني من الإنفلونزا، لكن هذا لم يكن حقيقيًا، لقد كنت أشرب حب جدتي في كوب العصير، وكنت أمرض  بالإنفلونزا أيضًا، لكنني أفتقد حبها كثيرًا.. كثيرًا جداً.
كان من المقرر أن أذهب للقاء إحدى صديقاتي منذ ساعة، لكنني لم أستطع بسبب البرد، أشعر ببرد شديد جدًا مما اضطرني إلى تشغيل المدفأة، وإشعال شمعة معطرة بيضاء بالفانيليا، لا أعرف هل لازلت أحب الفانيليا؟ مع أنني قمت بتغيير عطري إلى المسك الأبيض منذ سنة تقريبًا ، الفانيليا لطيفة، ربما لازلت أحبها بشكل ما، ولذلك أخفيها في اختياراتي للشموع ومعطرات الجو الخفيفة.
أفتقد الحب كثيرًا.
أشتاق أن يحبني أحد، أريد أن يربت على كتفي أحد الآن، وأن يضع عليهما الشال الملون الثقيل الذي أحتفظ به في الرف الأعلى من خزانة ملابسي، ثم يقبل جبيني ويحضر لي كوبًا من الشوكولاتة الساخنة مع قطع المارشمالو الصغيرة وبسكوت القرفة، ثم يحكي لي أنني شخص رائع وأنني امرأة حلوة يكمن الجمال في كل ثناياها كفطيرة شهية بالسكر، وأن ضحكتي مبهجة، وأنني هادئة وأنثوية ورقيقة بالرغم من أنني أتعامل مع الأرقام طول الوقت وأدرس لساعات طويلة ولا أستطيع ارتداء الكعب العال لأن في قدمي اليمنى شريحة وثمانية مسامير يرفضون ذلك، ثم يقص علي كم أنا فاتنة دون أن أضع كل هذه الألوان على بشرتي ويثني على جمال لونها الخمري.
نما إلى علمي بعد سنوات طويلة من المعاناة، أن الناس لا يحبونني، أنا يصعب أن يحبني أحد، لكنهم يحبون ما يستطيعون أن ينالوه مني، يحبون حبي لهم، لكن لا أحد أحبني حقًا باستثناء أصدقائي الذين يمطرونني بالموسيقى والصباحات الحلوة والثناء الجميل، والذين يطعمونني أيضًا، لم يطعمني أحد منذ سنوات طويلة إلا أصدقائي، لقد مر علي أشخاص بخيلون كثر، فصرت أكره البخلاء، لا أحبهم.. ولكنني أحب الطعام والقهوة والموسيقى.
أريد أن يحبني شخصٌ ما فيقتسم معي قطعة من الكيك في مقهاي المفضل الذي أذهب إليه لوحدي ثم نتحدث معًا عن ساراماغو وكونديرا دون أن يمل من ذلك، حتى لو كان لا يعرف عنهما شيئًا لكنه يريد أن يستمع إلى تفاهاتي، وإلى موسيقاي المفضلة دون أن يدعو عزفي على البيانو بالنشاز، ودون أن يصف تقلباتي المزاجية بالنكد لأنه يعرف أنني تحملت تقلباته أيضًا، أريد أن نتقاسم معًا طبقًا من الناتشوز بالفلفل الحار في تشيزكيك فاكتوري، وأن نتناول الشاورما ونحن نشاهد النافورة الملونة ونستمع إلى الموسيقى المنبعثة منها.
أريد أن يحبني هذا الشخص كما سأحبه، لا أقل ولا أكثر، أريده أن يهتم مثلما أهتم، أريده أن يرد على مكالماتي الهاتفية دون أن يتجاهلها، أريده أن يهتم لرسائلي القصيرة دون أن يتركني أنتظر رده بالأيام على جملة من خمس كلمات، أريد شخصًا يحبني دون أن أشعر معه بأنني أتسول وقته واهتمامه ومشاعره، أريد شخصًا سويًا طبيعيًا.. يتفهم مشاعري وطبيعتي دون أن يخونني مع أخرى لأي سبب غير منطقي.. دون أن يبخل علي.. يا الله.. لماذا يبدو هذا كثيرًا وصعبًا ونادرًا؟
يبدو الوقت الآن مثاليًا لشاي الأعشاب وبعض الموسيقى الكلاسيكية، لقد وجدت ألبومًا رائعًا لـ«هانز زيمر» ويبدو أنه سيكون رفيقي الليلة مع ورقة بحثية عن تطلعات المملكة المتحدة وخططها في مجال تكنولوجيا الإنشاءات حتى عام 2025، وربما عندما يحل عام 2025 أكون قد وجدت أحدًا.. أو ربما يجدني أحد..!!
ليلة سعيدة.




السبت، 31 ديسمبر 2016

هكذا انتهت 2016.. ❤



مُدخَل:
لم أكن بخير لفترة طويلة، لكن بطريقة ما صارت الأمور أفضل.. ويعلم الله وحده أن كل هذا لم يكن سهلًا، ولكنه كان ملهمًا ورائعًا.

فصل أول- الألم:
معنى أن تجلس بجوار جثة حبك الكبير.. وأن تقتنع تمامًا أنه ما كنت تستطيع أن تفعل ما هو أفضل، تقتنع وتؤمن بأنه ما عاد هناك شيء يستحق أن تبقى، لا شيء يستحق العودة، ولا شيء يستحق أن يستمر الحزن لوقتٍ أطول.. أن تكون لديك القوة لتقيم جنازة كبيرة تتناسب وهذا الحب الكبير وأن يكون لديك سرادق عزاء في منتصف صدرك وبجوار ما تبقى من قلبك المحترق دون أن يعرف أحد، أن تستطيع أن تصلي  بجوار جثة هذا الحب وهي مغطاة بما تبقى منك، أن تدفنه كاملًا.. وأن تظل تصارع الفقد المقيت المؤذي لشهور طويلة، أيام لا تعرف متى بدأت ومتى انتهت، ساعات من الانتظار في غرفة حوائطها زرقاء للقاء شخص يخبرك أنك ستكون بخير، علب كاملة من الحبوب الملونة الغالية الثمن مسكوبة في جسدك والكثير من السوائل المحقونة وريديًا دون أن تعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك، أنت تسير في طريق طويل مظلم، تتعثر أحيانًا فتقع في آبار أكثر ظلمة، تشعر بالثعابين تلتف حولك ولا تستطيع حراكًا، ولكنك تجد طريقك إلى الأعلى مرة أخرى لتعاود السير في الطريق الأقل ظلمة، هكذا لشهور طويلة دون أن تدري ماذا تفعل، لكنك تستمر، وتبحث في كل يوم عن سبب يجعل اليوم يستحق الحياة حتى وقت النوم، وكانت تلك مهمة صعبة جدًا.. جدًا.

فصل ثانٍ- النجاح:
لا أفهم كيف استطعت أن أحقق كل هذه المعدلات العالية في الماجستير، لا أعرف.. لكنني كنت أنغمس في الكتب والأبحاث حتى تمضي ساعات طويلة دون أن أشعر، أستعمل ستائر داكنة حتى لا أعرف كم مضى أو بقي من الوقت، لكنني كنت أنجح، وقاربت على الانتهاء، أقل من عام واحد وسأنتهي من الماجستير، لم أعرف أنني سأستطيع أن أحقق كل هذا النجاح وأنا أحمل كل هذا الألم، تخيلتُ في وقت ما أنني يجب أن أقوم بتأجيل دراستي لأتفرغ للاهتمام بنفسي قليلًا، أو-بمعنى أدق- لأتفرغ للبكاء لوقت أطول، لكن كان هناك عدد من الملائكة التي تحرسني كل يوم، إنهم أصدقائي، تلك المعجزات الصغيرة، كما أن الله كان لطيفًا بي فلم يخذلني أبدًا، وتجلت رحمته في كل مرة شعرت فيها بالتعب وتأجل موعد التقديم النهائي لبحث أو لورقة عمل دون أدنى جهد مني، لقد كان الله يعلم كل شيء، كان يعلم.. ولم يتركني وحدي أبدًا، أرسل لي أشخاصًا يقومون بأدوار خرافية في كل الأوقات الصعبة حتى وإن لم أكن أعرفهم أو يعرفونني، يسر لي كل ما اعتقدته مستحيلًا، رزقني الكثير من الحب، وأعاد لي قلبي المحترق في أوقات الصلاة، حتى استرددته كاملًا غير منقوص، فالحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.

فصل ثالث- الطيبون:
الطيبون.. لولاهم لما اجتزت كل ذلك، ولما شعرت بأنني قادرة على التعافي، التعافي يأخذ وقتًا طويلاً جدًا.. ولكنه يحدث، وأشهد أنني لم أدرك مقدار قوتي إلا بعد التعافي، عندما نظرت اليوم إلى دفتر يومياتي وإلى ما كتبته خلال العام الماضي، عرفت أنني مررت بوقت صعبٍ جدًا.. لكنني نجوت في النهاية، أتذكر أن هؤلاء الذين مدوا قلوبهم وأيديهم كانت لهم أفضال كبيرة، أتذكر المكالمات الطويلة، الكلمات المحبة، الموسيقى الحلوة، المشاركة، أتذكر كل ذلك وأعرف أن لولا الله أنعم علي بهؤلاء الطيبين لكان وقت التعافي أطول، كانت تصلني رسائل الحب طوال الوقت، لم أكن وحدي، كانوا هنا دائمًا، وأنتم تعرفون أنفسكم وأعرف أنكم قد لا تحبون أن أكتب أسماءكم، لكن لولاكم لكان الوقت أطول وأصعب.. فشكرًا.

فصل رابع- التعافي:
كان هذا تدريجيًا..
في يوم ما صرت أقل غضبًا من اليوم الذي سبقه، ثم صار غضبي يتناقص حتى انتهى تمامًا، ثم شعرت بدفء بارد في صدري يدعونه سلامًا، لقد انتهت كل الحرائق وعاد كل شيء إلى موضعه، وفي يوم آخر، صرت أستيقظ صباحًا لأفتح النافذة وأبتسم إلى العالم ثم وجدت أنني أفعل هذا كل يوم، أقفز من فوق سريري حافية القدمين وأركض نحو نافذة غرفتي لأزيل الستائر الداكنة، ثم أنظر إلى السماء وأبتسم، وصرت أجد صدري في الصلاة يصفو تدريجيًا، ومن ثم، بدأت ألاحظ النور، وألاحظ الأشياء الصغيرة، ثم بدأ الكون يهديني الشوكولاتة والقهوة وحفلات الموسيقى من كل جانب، وانتشرت العلامات على طريق التعافي الذي ظهر فجأة بضوء ساطع، ورأيت الأرض ممهدة الزوايا ظليلة وملونة. استيقظت في يوم ما وأنا بخير، نظرت إلى كل ما مررت به خلال هذا العام وضحكت، ضحكت كثيرًا لأنني قوية، أنا قوية جدًا، وأقسم أنني لم أعرف ذلك إلا عندما صارت القوة هي خياري الوحيد، ولم أتخيل أنني سأنجو، لكنني نجوت، لم أتخيل أنني سأستطيع أن أفعل كل هذا لنفسي، لقد اجتزت النهر والجبل والبحر العميق والبركان.. وأنا الآن في المكان الذي أحبه.. والذي لم أتخيل أنني قادرة على الوصول إليه في البداية.

رسالة:
أبها المتألمون هنا وهناك، هذه الكلمات من أجلكم.. ستكونون بخير.. فقط خذوا الألم إلى نهايته، ابحثوا عن المساعدة الطبية المتخصصة إذا كنتم غير قادرين على ممارسة حياتكم، اصبروا، لا تلقوا بأنفسكم إلى علاقات بديلة إذا كانت المشاعر هي سبب كسر قلوبكم، فقط انتظروا حتى يمضي الألم، انتظروا حتى تكونوا بخير، لا تصدقوا المرضى الذين يخبرونكم أن علاج ألم الحب هو حب آخر لأن الناس ليسوا مسكنات للألم، الحل الوحيد هو أن تجتاز الألم وحدك وبمعاونة الآخرين، سوف يرسل الله إليك من يقف بجوارك، سوف يرزقك الله بالدعم والأمل والجمال، أقسم أن النور سيظهر في نهاية الألم، أؤكد لك أنك ستكون سعيدًا.. ستصير سعيدًا، فقط اصبر حتى انتهاء الألم، وانشغل بعمل أو دراسة تنغمس فيها بالساعات حتى يمضي الوقت الصعب، وسيأتي صباحٌ ما تفتح النوافذ وتبتسم إلى السماء وتشعر بالعرفان لأن كل شيء انتهى في وقته المناسب تمامًا، ولأنك بخير، بالرغم من كل هذا الأذى والألم، أنت بخير.
عامكم سعيد.






الأحد، 13 نوفمبر 2016

لأن لا أحد يفهم..


لن أعتذر عن الألم الشديد الذي سيقرأه المارون من هنا، لأن لا حيلة لدي سوى الكتابة، أنا أريد أن أكون شجاعة وأريد أن أواجه الألم بالكتابة، لذا؛ فعلى الذين يرجون شيئًا أكثر تلونًا من حزني المعتق السخيف أن يغادروا حالاً، لأن لا شيء هنا سيبهجهم.
هل يجب أن أعتذر حقًا لأنني لا أستطيع أن أفرح؟ هل يجب أن أدين لأحد باعتذار لأنني لا أرى أي شيء سوى السواد المطبق حتى في ضوء الشمس، ولا أسمع سوى صلواتي الداخلية راجية التخلص من الألم وسط نغمات الموسيقى وزقزقة العصافير وخرير الماء من النبع الخزفي الذي يصلني من النافذة المثبتة على الحائط خلفي؟ أنا لا أعتذر لأحد، ولن أعتذر لأحد، أنا حزينة.
كم شخص في هذا العالم قضى عيد مولده السادس والثلاثين في غرفة انتظار عيادة طبيب؟ وكم شخص تسلم الرسائل المهنئة له بعيد مولده وهو لا يعرف كيف يرد عليها ولا يشعر بها، لا يشعر بأي شيء سوى أن هذا اليوم يجب أن ينتهي، ككل الأيام التي يجب أن تنتهي لأنه لا يشعر بشيء يختلف عن الحزن، فقط الحزن، الذي لا يبدده أي شيء، لا زهور ولا هدايا ولا حب الأصدقاء، وبجوار هذا الحزن توجد الوحدة، التي تمكث بداخلي كامرأة طاعنة في السن، شديدة البشاعة، تضع أثقالاً شديدة على صدري كل ليلة، وتجرجرني  بسلاسل صدئة خلال اليوم حيثما ذهبت، وتخرج من داخلي لتمكث في ركن مكتبي، وبجوار مرآتي بغرفة النوم، وعلى أريكتي.
أحاول أن أضحك، يقولون إن ضحكتي رائعة، فأمنحهم ما يريدون من قهقهات كلما شعرت أنهم يرغبون في ذلك، وأنا أشعر بفراغ، فراغ عظيم لا يملأه أي شيء، لا الصلوات ولا الحكايات ولا أكواب القهوة ولا اللقاءات العاطفية، أخبرني شخص ما أنني لوح ثلج وانتظر مني أن أغضب كأنني لا أعرف ذلك، انا أعرف أنني لوح ثلج منذ فترة طويلة، أعرف ان كل شيء غادرني وذهب، ولم يتبق سوى هذا السواد وهذه العجوز الشريرة التي تجرجرني طول اليوم بسلاسلها الثقيلة، قام هذا الشخص بإهدائي أغنية وقصيدة في يوم آخر، حاولت أن أستجمع مشاعري لكنني استحلت إلى لوح ثلج مرة أخرى، وطلبت منه أن يتركني لأنني لا أريد أحدًا.
يعتقد الطبيب انني يجب أن انضم إلى مجموعات الدعم الجماعية، حتى أستطيع ان أتخلص من مشاكل الثقة، لم أعد أستطيع أن أثق بأحد او أن أصدق أحد، حتى الطبيب نفسه في أحيان كثيرة لا أصدقه، لكنني اتناول الدواء حتى لا أفعل شيئًا أكثر مأساوية من الوجود في هذا العالم عديم الجدوى والرحمة والصدق، هناك شيء ما آخر فقدته منذ أشهر قليلة، وهو التعاطف، أنا ما عدت قادرة على التعاطف مع أحد، بل أنني أسأل نفسي إلى أي درجة يتألم هو مقارنة بألمي، وإلى أي درجة يشعر هو بالسوء مقارنة بالثقل والعجز اللذين أشعر بهما منذ أشهر طويلة؟ هل يشعر أنه محتجز وعالق في هذا العالم مثلي؟ لا أعتقد، إذن فانا أولى منه بالتعاطف.
يجب أن تبدأ مجموعات الدعم الجماعية في العام القادم، لكنني لا أعرف ماذا أخبرهم، ماذا أخبر حفنة أخرى من الأشقياء التعساء على هذا الكوكب؟، هل أخبرهم بأنني لم يحبني أحد ثم أبكي؟ ومن ثم يناولني أحدهم المحارم الورقية وكوب ماء بلاستيكي لأهدأ قليلاً؟ أو ربما أحظى بإبرة مجانية من الكلورديازيبوكسايد حتى أستطيع ان أقود إلى بيتي بعد أن أبكي امام أناس لا أعرفهم؟ أم أخبرهم أنني شخص تعرض للاستغلال العاطفي لفترات طويلة من حياته ثم صار لوح ثلج؟ أم أخبرهم انني أشعر بمرارة مستمرة لا تختفي، أو أنني أشعر أن العالم عديم القيمة وأن الناس أشرار وأنني فارغة من الداخل؟ هل أخبرهم أنني أشاهد الرجال الذين أحببتهم ولم يحبوني وهم سعداء مع نساء أخريات ثم أشعر بالفشل أكثر؟ هل أخبرهم بالخيانات المتتالية المتعددة في كل مرة؟ ماذا أخبر الآخرين في مجموعات العلاج؟ لا أعرف.
لا أعرف كيف أشرح أن جزءًا مني غادر إلى الأبد ولن يعود مرة أخرى، لا أعرف كيف أشرح أن بقائي المجرد هنا هو تصرف شجاع للغاية وأنا أعرف ذلك، لا أعرف كيف أخبر الناس أنني لا أنتمي إليهم، وأنني تم تمزيق قلبي لآخر مرة ممكنة، وأن ما تبقى منه احترق بالكامل، وأنني فارغة تماماً، كيف يمكن لأحد أن يتفهم كل هذا الألم؟ لا أحد يفهم.. لا أحد

الجمعة، 29 مايو 2015

حَديثُ ذات.. (23)




يتكرر الحلم يوميًا..
أنا في البحر، أسبح بسرعة.. يوشك البحر أن يبتلعني وأوشك أن أترك نفسي له، لكنني لا أغرق، في كل مرة استسلمت فيها لا أغرق، لكنني أسبح تحت الماء، كأن لي رئتين مائيتين، أعود إلى سطح البحر وأستلقي على ظهري في مواجهة الموج، أريد أن أغرق لكن البحر لا يريد أن يبتلعني، ثم أستيقظ في الخامسة صباحًا، نفس الموعد، أنظر إلى الحبوب التي تساعد على النوم،  لقد صرت أتناول كمية خرافية من الملاتونين لكنها ما عادت تفلح معي، دائمًا يهزمها عقلي المتعب، يخبرونني أني يجب أن أتوقف عن تناول الكافيين لتؤتي هذه الحبوب نفعًا علي أستطيع أن أنام لخمس ساعات بدلاً من ساعتين، لكنني لا أنام سوى ساعتين، ولا أعرف كيف أقوم بحل هذا الأمر، صرت أتناول القهوة الخالية من الكافيين لكنني لا أجني سوى المزيد من الصداع.

يخبرني أحد العارفين ببواطن الأمور أنني يجب أن أتناول الكاموميل، الكاموميل مرة أخرى، أنا لا أحب الكاموميل، ولكني عدت أتناول أزهاره المغلية قبل حبوب الميلاتونين بجرعاتها الكبيرة، لكن هذا لا يجدي نفعًا.. لا أستطيع النوم.

أسير إلى المغطس بالحمام، أنثر فيه الزهور المجففة، وسائل رغوة برائحة زهور الكرز، أملأه بالماء الساخن وأشعل ثلاثة شمعات برائحة الفانيليا بالقرب من المغطس، أستلقي في الماء الساخن وأحاول الاستماع إلى «روب كوستلو» الذي أخبرني ذات مرة في حديث جانبي أنه ألف كل موسيقاه للقلوب الكسيرة، لكن قلبي ليس كسيرًا وربما ما عادت تجدي نفعًا لأن قلبي محترق، ولم أستطع النوم أيضًا.

انتهت إجازتي السنوية منذ أيام، ألوم نفسي لأنني تركت العزلة منذ عام ونصف، ما كان يجب أن أترك عزلتي أبدًا، لقد تشققت جدران قوقعتي وصار المتلصصون يسترقون النظر إلى روحي العارية، وسقطت كل الزينة من على الحوائط، حتى ورقة التقدير الوحيدة التي أعطيتها لذاتي.. سقطت ..!

هذا الشعور بالاحتراق الداخلي جعلني أريد أن ألتصق بمن أحبوني، كل أصدقائي، صرت أدفن نفسي في صدورهم، كأنني أحاول أن أداوي قلبي المحترق بما يصبونه في صدري من حب، أحاول تجميع كل الأحضان التي حصلت عليها في لقائي بهم لأصنع قلبًا جديدًا، لكنني أحتاج إلى المزيد.. أنا أريد أحضانًا أكثر.

المشكلة في هذا الأمر أنني وحيدة مع ضعفي، أنا وضعفي فقط، لا أستطيع أن أخبر أحدًا بمساحة الألم الأخيرة، لقد كانت هذه الأكبر على الإطلاق، وأواجه الآن ضعفي الأضخم، الضعف وحش كبير، أراه حين أغمض عيني على هيئة حيوان شرس، كنت أحلم في مرة أن ضعفي تحول إلى كائن ضخم، كان يخبرني أنه ضعفي الذي أكرهه بينما يمد أنيابه إلى صدري، أفقت بعد هذا الحلم وأنا متعبة، صرت أتحسس صدري الذي يبدو سليمًا، لكنني أعرف أنه ليس كذلك.

أشعر أن حولي سياجًا ضخمًا، شيءٌ يمنعني من رواية ما مررت به أخيرًا، ربما لروعته أو لأسطوريته أو لكذبه، أعرف أن الأمر كان رائعًا لأنه احتوى على درجة عالية من الوهم، ربما ستكون لدي الشجاعة في الحكي مثل صديقاتي اللاتي يقتلن كل رجل أحببنه ثم يدفنه في صفحات رواية، لكنني لا أستطيع أن أدفنه الآن، ربما لأني اعتقدت أنه أروع من أن يدفن، أو أروع من أن أحكي عنه، لا أقصده «هو» لكن الوهم ذاته كان يستحق التقديس بدرجة ما، وفي بعض الأحيان أشعر أن الأمر أشبه بنكتة كبيرة متكررة، يقولها أحدهم لأنه يظنها مضحكة، لكنها تجعلني أبكي.. وأبكي..!

الغريب في هذا الأمرالكئيب كله أنني عاودت الكتابة، كأنني أكتب حتى لا أقتل نفسي.. وربما أبحث عن التداوي من جديد.. بالكتابة.. وبقليل من الحب.. إن أردتم أن ترسلوا لي القليل من الحب فافعلوا ذلك.. 

shymaa_ali@live.com





الجمعة، 30 مايو 2014

لا تقصوا أجنحة الجنيات - ماليفسنت


ماليفسنت.. 
أنا لست من هواة أفلام ديزني منذ فترة طويلة، لكن ولأنني أحتاج إلى تشتيت ذهني عما أمر به الآن اخترت أن أشاهده لأنني أتعرض إلى نوبة اكتئاب شبيهة بما مررت به بالعام الماضي، أردت أن أرى شيئًا بسيطًا وطفوليًا ولم أتمكن من الحصول على تذاكر لأي فيلم رسوم متحركة لأنه لا يعرض أي منها الآن بدور العرض، لكن الفيلم الوحيد الذي وجدته أقل جدية من كل الأفلام الأخرى هو ماليفسنت.

يتحدث الفيلم عن جنية طيبة صغيرة، تعيش في مملكة سحرية رائعة غير مسموح للبشر بدخولها، تعيش الجنية وسط الأشجار والزهور وجداول المياه ومخلوقات ملونة سحرية وغريبة، لكن الجنية سعيدة، تطير بجناحيها القويين الكبيرين طول الوقت، تلهو مع المخلوقات كلها في فرح ، إلى أن تعرف أن هناك كائن بشري يدعى «استفان» زار مملكتها السحرية وسرق جوهرة من بحيرة الجواهر ثم اختبأ في كهف في المملكة، فتذهب «ماليفسنت» لمساومة هذا الكائن الخاف المختبئ بالكهف، فتجده صبيًا صغيرًا في مثل حجمها، فتطمئنه ثم تعده بأنها ستعيده إلى منزله بالمملكة البشرية المجاورة، ثم تطلب منه أن يعيد إليها ما أخذ من بحيرة الجواهر، فيعيد إليها الجوهرة الوحيدة التي سرقها لترميها بالبحيرة مرة أخرى، وعندما هم «استفان» بالرحيل مد يده لمصافحة «ماليفسنت» التي احترقت يدها عند ملامستها لخاتم من الحديد كان يرتديه في إحدى أصابعه، فأخبرته بنقطة ضعفها الوحيدة وهي أن الحديد يحرق الجنيات، فرمى خاتمه بعيدًا حتى يتمكن من ملامسة يدها.

بالمملكة المجاورة التي كان يسكنها البشر كان هناك ملكٌ يريد أن يستولي على مملكة  «ماليفسنت» السحرية، وفي وقت ما يقرر الملك أن يغزو هذه المملكة، وتظهر الكائنة المجنحة –الجنية التي كبرت وصارت شابة- في مواجهتهم عندما يهمون بالدخول إلى المملكة لغزوها، يسخر منها الملك لأنها وحدها ويبدأ في إطلاق أوامر لجنوده ليقوموا بغزو المملكة السحرية، فتنادي «ماليفسنت» على الأشجار المحيطة بالمملكة للدفاع عن أرضها، فتتحول كل الأشجار إلى كائنات خرافية بشعة مخيفة تقوم بصد عدوان الملك الطامع في الأرض والمملكة، فيهرب الملك وجنوده مهزومين ثم تعود المملكة السحرية إلى هدوئها.
يقترب الملك من الموت، فيجمع أخلص رجاله حوله ويخبرهم أنه يرغب في الانتقام من المخلوقة المجنحة التي الحقت به الهزيمة الموجعة، ومن هؤلاء الرجال خادمه المخلص «استفان» الذي كبر وصار شابًا، ويعد الملك بانه سيحاول أن يقتص له من المخلوقة المجنحة، فيعده الملك بعرش المملكة إن استطاع أن ينتقم له من «ماليفسنت».

خلال كل السنوات السابقة، انتظرت «ماليفسنت» أن يعود «استفان» لزيارتها بالمملكة، وكانت تنتظره كل يوم، وفي يوم ما يظهر «استفان» في مملكتها فترحب به تخبره انها اشتاقت له، وأنها سعيدة بوجوده معها، فتجلس بين ذراعيه في اطمئنان حتى يسقيها ماءً مخدرًا فتسقط نائمة بين ذراعيه، فيستل سكينًا من جرابته ويقوم بقطع جناحيها، لقد قطع جناحيها بالفعل، عندما رأيت هذا المشهد بكيت، وشعرت أنني أيضًا كنت جنية سابقة، وقد قام أحدهم بقص جناحيّ عندما كنت نائمة بين ذراعيه في اطمئنان وراحة، ورأيت «استفان»  يحمل جناحيها الكبيران الجميلان القويان فوق عربة، وهي مسجاة على الأرض بلا حراك، تنزف في سكون من مكان قص الأجنحة، وفي الصباح تفيق «ماليفسنت» وهي تشعر بالألم، تجد نفسها بدون أجنحة، تصرخ من فرط الألم والخيبة، ثم تبكي، تمشي بألم وضعف وحزن، ثم تتخذ عصا من الأرض لتتكئ عليها، وتقرر أن تنتقم من «استفان» الذي صار ملكًا فيما بعد.
وهنا قررت أن تتحول «ماليفسنت» إلى جنية شريرة حتى تستطيع بالانتقام من «استفان» الذي استغل حبها ليصل إلى هدفه وليحقق أطماعه، وبعدما يصير ملكًا فإنه يتزوج ويرزق بإبنة صغيرة «أرورا» ويقيم لها حفل تعميد ضخم يدعو إليه كل رعيته بالإضافة إلى بعض الجنيات الصغيرات من المملكة السحرية التي تحكمها «ماليفسنت» وتقرر «ماليفسنت» الحضور إلى الحفل بزيها الأسود لتلقي لعنة على الصغيرة أمام «استفان» وزوجته وتخبرهم ان هذه الفتاة سوف تجرح اصبعها بمغزل في يوم عيد مولدها السادس عشر، ثم تسقط نائمة إلى الأبد ولن تفيق من نومها إلا بقبلة حب حقيقي.

تستمر أحداث الفيلم بقصة تشبه قصة الجميلة النائمة وهي القصة الأصلية التي استنبطت منها قصة «ماليفسنت» ، ولا أريد أن أحرق أحداثه الرائعة، لكن في النهاية ستنتصر «ماليفسنت» وتوحد المملكتين وتمنحهما لـ «أرورا» وسيموت «استفان» بعد صراع في معركة صعبة خاضها مستغلاً نقطة ضعفها الوحيدة وهي «أن الحديد يحرق الجنيات».

الشيء الذي أود ان اقوله أن كل البنات في الحب يتحولن إلى جنيات، وكل البنات في الحب يخبرن بأسرار ضعفهن، وكل البنات يمنحن العفو والرحمة والبهجة إذا أحببن، وكل بنت تقوم بمعجزة كل يوم من أجل إسعاد رجل تحبه إنما هي جنية طيبة، فلا تقوموا بقص أجنحة الجنيات إذا نمن في أحضانكم، لا تقصوا أجنحتهن لتصيروا ملوكًا، لا تفعلوا ذلك.. وأنا كجنية سابقة فقدت جناحيها في حادث مماثل لحادث «ماليفسنت» أنصحكم بألا تفعلوا ذلك حتى لا تقع لعنتهن عليكم.. كونوا رحماء وصادقين.. ولا تستغلوا نقاط ضعف الجنيات لقتلهن.. لقد حدث هذا معي ولا أرغب في ان أراه يتكرر مع جنية أخرى.. هذا فقط.


الأربعاء، 21 مايو 2014

حديث ذات.. 22



حلمت الليلة الماضية بسيزيف، كان يحمل صخرته في وادٍ شديد الوعورة  في وسطه حفرة من النار، يخبرني هاتف ما لا أرى صاحبه أنني لست ملعونة، سيزيف كان ماكرًا.. جشعًا.. أنا لست هكذا، انا أبحث عن الأشياء القليلة ولا أجدها، أصلي من أجل القليل من الإنسانية ولا أحصل عليها.. وأكرر بداخل نفسي أن الراحمون يرحمهم الله، فأحاول بالرحمة مواصلة الحياة، وأقول لنفسي أن صاحب المعروف لا يقع.. فأحاول بصنع المعروف مرة أخرى.

أفقت في الصباح الباكر وأنا متعبة جدًا، أشعر بالتعب دائمًا، أشعر أنني مرهقة جدًا من التواجد المجرد في الحياة، البقاء على «قيد» الحياة مهلك ومتعب ومضن جدًا، أشعر بصعوبة شديدة وثقل شديد بداخلي كل صباح، كأن هناك حجرًا كبيرًا يربطني إلى الفراش، وأنا أقوم من الفراش كأنني زاحفة.

أخبر نفسي أن هناك شيئًا أفضل سيحدث اليوم، أقول أن هناك أشياء عظيمة تنتظر مني أن أقوم بها، وأن هناك آخرين في هذا العالم يحبون ابتسامتي، ويكترثون لوجودي فيه، لكن هذا لم يكن حقيقيًا أبدًا.. أنا وحدي بالفعل.. وهل اخترت ذلك حقًا؟؟ لا أعرف..!!

سقط قلبي مني في مكان ما ولا أعرف أين سقط، لا أتذكر تحديدًا لكنني أعرف أن هناك تجويفًا كبيرًا في منتصف صدري، تجويف فارغ تماماً مملوء ببعض الكلمات المزيفة التي أضعها فيه كل يوم عله يمتلئ، لكنه لا يمتلئ أبدًا، دائمًا فارغ ودائمًا يبتلع الكلمات فلا يمتلئ.
أذكر قلبي جيدًا، لقد كان خفيفًا وكبيرًا ورائعًا، كان لونه أحمر، كان شابًا جدًا، كان يخرج من منتصف صدري كل صباح، وكنت أربطه على معصمي بشريط جميل، وأسير به في الشوارع والطرقات، يلمسه الناس ويضحكون، يخبرونني أن لدي قلبًا رائعًا، أن لدي شيئًا مميزًا.. كنت أشعر أنني بخير، لكن في وقت ما انقطع الشريط لسبب لا أريد أن أذكره، وسقط قلبي عنه، ثم صار التجويف بداخلي فارغًا.

كان طعم القهوة اليوم بشعًا، لا أعرف لماذا صرت أشعر أن طعمها سيئ، مع إنني أحضر أفضل انواع البن وأغلاها ثمنًا وأشرف على تحضيرها إن لم أحضرها بنفسي، لكني صرت لا أحبها، ولا أعرف لماذا، فاكتفيت بنصف الفنجان.

منذ أيام وجدت وسط أوراقي قائمة بالأشياء التي أريد أن أفعلها قبل أن أصل إلى الثلاثين، وكنت قد كتبت هذه القائمة وأنا في الرابعة عشرة تقريبًا، ووجدت أنني حققت أشياء لم تكن في القائمة، لكنني صار لدي سيارة وتخرجت في كلية الهندسة وأعمل في وظيفة مرموقة، وتلك الأشياء كانت في القائمة بالفعل، ربما سأستعرضها لاحقًا عندما أجد وقتًا كافيًا لذلك.

هذا الحديث محاولة للعودة إلى الكتابة حيث تركتني وتركتها، لكنني أحاول الآن تسوية الأمر معها، أريدها أن تبقى معي لأن لا أحد يبقى، لا أحد يبقى أبدًا.