السبت، 31 ديسمبر 2016

هكذا انتهت 2016.. ❤



مُدخَل:
لم أكن بخير لفترة طويلة، لكن بطريقة ما صارت الأمور أفضل.. ويعلم الله وحده أن كل هذا لم يكن سهلًا، ولكنه كان ملهمًا ورائعًا.

فصل أول- الألم:
معنى أن تجلس بجوار جثة حبك الكبير.. وأن تقتنع تمامًا أنه ما كنت تستطيع أن تفعل ما هو أفضل، تقتنع وتؤمن بأنه ما عاد هناك شيء يستحق أن تبقى، لا شيء يستحق العودة، ولا شيء يستحق أن يستمر الحزن لوقتٍ أطول.. أن تكون لديك القوة لتقيم جنازة كبيرة تتناسب وهذا الحب الكبير وأن يكون لديك سرادق عزاء في منتصف صدرك وبجوار ما تبقى من قلبك المحترق دون أن يعرف أحد، أن تستطيع أن تصلي  بجوار جثة هذا الحب وهي مغطاة بما تبقى منك، أن تدفنه كاملًا.. وأن تظل تصارع الفقد المقيت المؤذي لشهور طويلة، أيام لا تعرف متى بدأت ومتى انتهت، ساعات من الانتظار في غرفة حوائطها زرقاء للقاء شخص يخبرك أنك ستكون بخير، علب كاملة من الحبوب الملونة الغالية الثمن مسكوبة في جسدك والكثير من السوائل المحقونة وريديًا دون أن تعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك، أنت تسير في طريق طويل مظلم، تتعثر أحيانًا فتقع في آبار أكثر ظلمة، تشعر بالثعابين تلتف حولك ولا تستطيع حراكًا، ولكنك تجد طريقك إلى الأعلى مرة أخرى لتعاود السير في الطريق الأقل ظلمة، هكذا لشهور طويلة دون أن تدري ماذا تفعل، لكنك تستمر، وتبحث في كل يوم عن سبب يجعل اليوم يستحق الحياة حتى وقت النوم، وكانت تلك مهمة صعبة جدًا.. جدًا.

فصل ثانٍ- النجاح:
لا أفهم كيف استطعت أن أحقق كل هذه المعدلات العالية في الماجستير، لا أعرف.. لكنني كنت أنغمس في الكتب والأبحاث حتى تمضي ساعات طويلة دون أن أشعر، أستعمل ستائر داكنة حتى لا أعرف كم مضى أو بقي من الوقت، لكنني كنت أنجح، وقاربت على الانتهاء، أقل من عام واحد وسأنتهي من الماجستير، لم أعرف أنني سأستطيع أن أحقق كل هذا النجاح وأنا أحمل كل هذا الألم، تخيلتُ في وقت ما أنني يجب أن أقوم بتأجيل دراستي لأتفرغ للاهتمام بنفسي قليلًا، أو-بمعنى أدق- لأتفرغ للبكاء لوقت أطول، لكن كان هناك عدد من الملائكة التي تحرسني كل يوم، إنهم أصدقائي، تلك المعجزات الصغيرة، كما أن الله كان لطيفًا بي فلم يخذلني أبدًا، وتجلت رحمته في كل مرة شعرت فيها بالتعب وتأجل موعد التقديم النهائي لبحث أو لورقة عمل دون أدنى جهد مني، لقد كان الله يعلم كل شيء، كان يعلم.. ولم يتركني وحدي أبدًا، أرسل لي أشخاصًا يقومون بأدوار خرافية في كل الأوقات الصعبة حتى وإن لم أكن أعرفهم أو يعرفونني، يسر لي كل ما اعتقدته مستحيلًا، رزقني الكثير من الحب، وأعاد لي قلبي المحترق في أوقات الصلاة، حتى استرددته كاملًا غير منقوص، فالحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.

فصل ثالث- الطيبون:
الطيبون.. لولاهم لما اجتزت كل ذلك، ولما شعرت بأنني قادرة على التعافي، التعافي يأخذ وقتًا طويلاً جدًا.. ولكنه يحدث، وأشهد أنني لم أدرك مقدار قوتي إلا بعد التعافي، عندما نظرت اليوم إلى دفتر يومياتي وإلى ما كتبته خلال العام الماضي، عرفت أنني مررت بوقت صعبٍ جدًا.. لكنني نجوت في النهاية، أتذكر أن هؤلاء الذين مدوا قلوبهم وأيديهم كانت لهم أفضال كبيرة، أتذكر المكالمات الطويلة، الكلمات المحبة، الموسيقى الحلوة، المشاركة، أتذكر كل ذلك وأعرف أن لولا الله أنعم علي بهؤلاء الطيبين لكان وقت التعافي أطول، كانت تصلني رسائل الحب طوال الوقت، لم أكن وحدي، كانوا هنا دائمًا، وأنتم تعرفون أنفسكم وأعرف أنكم قد لا تحبون أن أكتب أسماءكم، لكن لولاكم لكان الوقت أطول وأصعب.. فشكرًا.

فصل رابع- التعافي:
كان هذا تدريجيًا..
في يوم ما صرت أقل غضبًا من اليوم الذي سبقه، ثم صار غضبي يتناقص حتى انتهى تمامًا، ثم شعرت بدفء بارد في صدري يدعونه سلامًا، لقد انتهت كل الحرائق وعاد كل شيء إلى موضعه، وفي يوم آخر، صرت أستيقظ صباحًا لأفتح النافذة وأبتسم إلى العالم ثم وجدت أنني أفعل هذا كل يوم، أقفز من فوق سريري حافية القدمين وأركض نحو نافذة غرفتي لأزيل الستائر الداكنة، ثم أنظر إلى السماء وأبتسم، وصرت أجد صدري في الصلاة يصفو تدريجيًا، ومن ثم، بدأت ألاحظ النور، وألاحظ الأشياء الصغيرة، ثم بدأ الكون يهديني الشوكولاتة والقهوة وحفلات الموسيقى من كل جانب، وانتشرت العلامات على طريق التعافي الذي ظهر فجأة بضوء ساطع، ورأيت الأرض ممهدة الزوايا ظليلة وملونة. استيقظت في يوم ما وأنا بخير، نظرت إلى كل ما مررت به خلال هذا العام وضحكت، ضحكت كثيرًا لأنني قوية، أنا قوية جدًا، وأقسم أنني لم أعرف ذلك إلا عندما صارت القوة هي خياري الوحيد، ولم أتخيل أنني سأنجو، لكنني نجوت، لم أتخيل أنني سأستطيع أن أفعل كل هذا لنفسي، لقد اجتزت النهر والجبل والبحر العميق والبركان.. وأنا الآن في المكان الذي أحبه.. والذي لم أتخيل أنني قادرة على الوصول إليه في البداية.

رسالة:
أبها المتألمون هنا وهناك، هذه الكلمات من أجلكم.. ستكونون بخير.. فقط خذوا الألم إلى نهايته، ابحثوا عن المساعدة الطبية المتخصصة إذا كنتم غير قادرين على ممارسة حياتكم، اصبروا، لا تلقوا بأنفسكم إلى علاقات بديلة إذا كانت المشاعر هي سبب كسر قلوبكم، فقط انتظروا حتى يمضي الألم، انتظروا حتى تكونوا بخير، لا تصدقوا المرضى الذين يخبرونكم أن علاج ألم الحب هو حب آخر لأن الناس ليسوا مسكنات للألم، الحل الوحيد هو أن تجتاز الألم وحدك وبمعاونة الآخرين، سوف يرسل الله إليك من يقف بجوارك، سوف يرزقك الله بالدعم والأمل والجمال، أقسم أن النور سيظهر في نهاية الألم، أؤكد لك أنك ستكون سعيدًا.. ستصير سعيدًا، فقط اصبر حتى انتهاء الألم، وانشغل بعمل أو دراسة تنغمس فيها بالساعات حتى يمضي الوقت الصعب، وسيأتي صباحٌ ما تفتح النوافذ وتبتسم إلى السماء وتشعر بالعرفان لأن كل شيء انتهى في وقته المناسب تمامًا، ولأنك بخير، بالرغم من كل هذا الأذى والألم، أنت بخير.
عامكم سعيد.






الأحد، 13 نوفمبر 2016

لأن لا أحد يفهم..


لن أعتذر عن الألم الشديد الذي سيقرأه المارون من هنا، لأن لا حيلة لدي سوى الكتابة، أنا أريد أن أكون شجاعة وأريد أن أواجه الألم بالكتابة، لذا؛ فعلى الذين يرجون شيئًا أكثر تلونًا من حزني المعتق السخيف أن يغادروا حالاً، لأن لا شيء هنا سيبهجهم.
هل يجب أن أعتذر حقًا لأنني لا أستطيع أن أفرح؟ هل يجب أن أدين لأحد باعتذار لأنني لا أرى أي شيء سوى السواد المطبق حتى في ضوء الشمس، ولا أسمع سوى صلواتي الداخلية راجية التخلص من الألم وسط نغمات الموسيقى وزقزقة العصافير وخرير الماء من النبع الخزفي الذي يصلني من النافذة المثبتة على الحائط خلفي؟ أنا لا أعتذر لأحد، ولن أعتذر لأحد، أنا حزينة.
كم شخص في هذا العالم قضى عيد مولده السادس والثلاثين في غرفة انتظار عيادة طبيب؟ وكم شخص تسلم الرسائل المهنئة له بعيد مولده وهو لا يعرف كيف يرد عليها ولا يشعر بها، لا يشعر بأي شيء سوى أن هذا اليوم يجب أن ينتهي، ككل الأيام التي يجب أن تنتهي لأنه لا يشعر بشيء يختلف عن الحزن، فقط الحزن، الذي لا يبدده أي شيء، لا زهور ولا هدايا ولا حب الأصدقاء، وبجوار هذا الحزن توجد الوحدة، التي تمكث بداخلي كامرأة طاعنة في السن، شديدة البشاعة، تضع أثقالاً شديدة على صدري كل ليلة، وتجرجرني  بسلاسل صدئة خلال اليوم حيثما ذهبت، وتخرج من داخلي لتمكث في ركن مكتبي، وبجوار مرآتي بغرفة النوم، وعلى أريكتي.
أحاول أن أضحك، يقولون إن ضحكتي رائعة، فأمنحهم ما يريدون من قهقهات كلما شعرت أنهم يرغبون في ذلك، وأنا أشعر بفراغ، فراغ عظيم لا يملأه أي شيء، لا الصلوات ولا الحكايات ولا أكواب القهوة ولا اللقاءات العاطفية، أخبرني شخص ما أنني لوح ثلج وانتظر مني أن أغضب كأنني لا أعرف ذلك، انا أعرف أنني لوح ثلج منذ فترة طويلة، أعرف ان كل شيء غادرني وذهب، ولم يتبق سوى هذا السواد وهذه العجوز الشريرة التي تجرجرني طول اليوم بسلاسلها الثقيلة، قام هذا الشخص بإهدائي أغنية وقصيدة في يوم آخر، حاولت أن أستجمع مشاعري لكنني استحلت إلى لوح ثلج مرة أخرى، وطلبت منه أن يتركني لأنني لا أريد أحدًا.
يعتقد الطبيب انني يجب أن انضم إلى مجموعات الدعم الجماعية، حتى أستطيع ان أتخلص من مشاكل الثقة، لم أعد أستطيع أن أثق بأحد او أن أصدق أحد، حتى الطبيب نفسه في أحيان كثيرة لا أصدقه، لكنني اتناول الدواء حتى لا أفعل شيئًا أكثر مأساوية من الوجود في هذا العالم عديم الجدوى والرحمة والصدق، هناك شيء ما آخر فقدته منذ أشهر قليلة، وهو التعاطف، أنا ما عدت قادرة على التعاطف مع أحد، بل أنني أسأل نفسي إلى أي درجة يتألم هو مقارنة بألمي، وإلى أي درجة يشعر هو بالسوء مقارنة بالثقل والعجز اللذين أشعر بهما منذ أشهر طويلة؟ هل يشعر أنه محتجز وعالق في هذا العالم مثلي؟ لا أعتقد، إذن فانا أولى منه بالتعاطف.
يجب أن تبدأ مجموعات الدعم الجماعية في العام القادم، لكنني لا أعرف ماذا أخبرهم، ماذا أخبر حفنة أخرى من الأشقياء التعساء على هذا الكوكب؟، هل أخبرهم بأنني لم يحبني أحد ثم أبكي؟ ومن ثم يناولني أحدهم المحارم الورقية وكوب ماء بلاستيكي لأهدأ قليلاً؟ أو ربما أحظى بإبرة مجانية من الكلورديازيبوكسايد حتى أستطيع ان أقود إلى بيتي بعد أن أبكي امام أناس لا أعرفهم؟ أم أخبرهم أنني شخص تعرض للاستغلال العاطفي لفترات طويلة من حياته ثم صار لوح ثلج؟ أم أخبرهم انني أشعر بمرارة مستمرة لا تختفي، أو أنني أشعر أن العالم عديم القيمة وأن الناس أشرار وأنني فارغة من الداخل؟ هل أخبرهم أنني أشاهد الرجال الذين أحببتهم ولم يحبوني وهم سعداء مع نساء أخريات ثم أشعر بالفشل أكثر؟ هل أخبرهم بالخيانات المتتالية المتعددة في كل مرة؟ ماذا أخبر الآخرين في مجموعات العلاج؟ لا أعرف.
لا أعرف كيف أشرح أن جزءًا مني غادر إلى الأبد ولن يعود مرة أخرى، لا أعرف كيف أشرح أن بقائي المجرد هنا هو تصرف شجاع للغاية وأنا أعرف ذلك، لا أعرف كيف أخبر الناس أنني لا أنتمي إليهم، وأنني تم تمزيق قلبي لآخر مرة ممكنة، وأن ما تبقى منه احترق بالكامل، وأنني فارغة تماماً، كيف يمكن لأحد أن يتفهم كل هذا الألم؟ لا أحد يفهم.. لا أحد