الثلاثاء، 29 يوليو 2008

علبـــة زرقـــــاء




قامت من سجدتها ، سلمت و ختمت صلاتها ، رفعت يديها بالدعاء لدقائق ثم مسحت وجهها بكفيها ، تخلع ثوب الصلاة ، تبدأ في لملمة خصلات شعرها السوداء المبعثرة بشريط أبيض ، تنظر في ندم إلى المرآة لأنها قصته منذ سنتين و نصف و لازال قصيراً ، الضوء الخافت المتسلل من مصباحها الصغير ينعكس على بشرتها القمحية فيضيء نصف وجهها المستدير في المرآة .

تمشي بخطوات هادئة كسولة إلى مكتبها الصغير حيث تكتب مذكراتها ، هذا المكتب تسكن أدراجه كل الأسرار ، كل الهدايا القديمة ، الذكريات و قبور أصحابها ، كلما غادروها دفنتهم في الورق ، صار لديها الكثير من القصص لتحكي ، و لكنها دائماً صامتة ، لم تفضل الكلام على الكتابة يوماً ، دائماً يسكنها هاجس بأن المكتب قد يتكلم ، أو ربما ينطق القلم الأسود الأنيق بما ضمت الدفاتر ، تقف أمام كرسيها و تجلس ، تمتد يدها إلى المفتاح المعلق بسلسلة فضية في عنقها ، تخلعه منها برفق ، تدخل المفتاح إلى قفل درج المكتب الأخير ، تمد يدها إلى علبة مستطيلة زرقاء ، تفتح العلبة ، تحصر محتوياتها ، حزمة سوداء لأوراق وردية من دفترها القديم ، قلادة تحمل الحرف الأول من اسمها بالانجليزية ، سوار فضي ، ثلاثة قصائد ، قلم أحمر ، قلم أزرق ، وردة حمراء ذابلة و قرنفلة بيضاء ميتة ، بحثت عن وشاحها الأبيض المطرز لم تجده ، تذكرت أنها اهدت الدموع لشخص آخر ، نعم .. لقد فعلت .

تعتدل في جلستها ، تنظر بجوارها فتنقذ كوب القهوة من السقوط على الورقات التي احتفظت بها سراً فتفك الحزمة السوداء ، تتذكر و كأنها نست ذلك أو حاولت أن تنساه ، ترى لون السماء من النافذة يتغير ، بدأت الشمس في إعلان وجودها بندائها الأبيض الذي يحيل لون السماوات البالغة الظلمة إلى لون أزرق خفيف ،تكاد السماوات تفتح أجفانها ، فتسدل الستائر الثقيلة في محاولة منها لتحاشي ضوء النهار ، تتكوم على فراشها ، تنظر إلى الرزنامة المعلقة على الجدار المقابل ، لم تنس ذاك التاريخ أبداً ، كل مواسم الحزن واحدة ، مورقة و حارة و جافة و ميتة ، ذابت الفصول في ذلك التاريخ ، و لبس الجنون كل الأشياء حتى قميصها الأسود ذي الورود الحمراء ، و حذائها ، و حجابها ، و دفترها ، هذا التاريخ هو الذي اكتشفت فيه أن العالم له ألوان أخرى ، و أن الكاذبين صاروا يجولون في الشوارع دون أقفاص و زنازين .
كانت تقول لنفسها بأنه يجب عليها أن تضيء شمعة احتفالاً بالموت ، من الذي حرم الاحتفال بالموت و الانتقال إلى حياة اخرى تكون فيها ميتاً من الداخل و لكنك تتنفس و تأكل و تخرج و يراك الآخرون ، تباً لهم و لقوانينهم التي يضعونها من أبراجهم العالية ، و تباً لكل الأنانيين ، لماذا لا يجوز أن نحاكم الذين يعبثون بنا من الداخل ، و يغيرون شفرات الدخول و الخروج ، فحتى نحن لا نصير نعرفنا !!

يسقط بصرها على أول ورقة في الحزمة ، فتقرأ :
"أحبكِ مرتين .. "
تعيد القراءة ..
" أحبكِ .. مرتين .. "
بداية رسالة نصية قصيرة ، وصلت على جوالها منذ سنتين و شهرين ، همست في هدوء مع ابتسامة ساخرة " كاذب " تلتقط الورقة بيدها اليمنى و تمسك كوب القهوة بيدها الأخرى ، لو أحبها حقاً ، لاختلفت النهاية ، يشبه فارس على حصان خشبي و يمسك بيد مقطوعة سيف من ورق ، ثم يتهمها بانها اقتحمت أحلامه ، هكذا قال ، مضحك و كاذب و مثير للشفقة ، لمَ صنع لها العيد ؟؟ ما هذا العالم الغريب الذي يصنع لك أحدهم العيد فيه ، ثم يأخذ هدايا العيد منك و يرحل فيخلق لك غربة فوق غربة !!

ليلة ذاك التاريخ ، سقطت أرضاً أثناء صلاة الليل ، ضاق صدرها ، تحشرجت أنفاسها و اختلط الأنين بالدمع ، بلغ دعاؤها عنان السماء ، يقل الهواء ينسحب من رئتيها ، يطل عليها وجه أبيها المنزعج ، ثم فتحت بصرها على ضوء أبيض في مكان أبيض على سرير أبيض ، في ذراعها إبرة مؤلمة معلقة بشيء لا تراه ، بجوراها امراة تبتسم ، ترى الجدران تقترب منها ، الغرفة تضيق ، السقف ينطبق على بصرها ، فشعرت بعجز الحركة ، و أشواك تجتاز جسدها مروراً به ، من أصابع أقدامها و حتى عينيها .

قال لها أنه سيصنع منها امراة تشبه النساء في الأساطير القديمة ، سيلف ليلها بالحرير ، و سيقطر العطر على جسدها ، سيعطيها بيتاً كبيراً وعدها بزراعة النخيل في باحته ، سينسج لها قصيدة ربيعية ، و ستضيء فيروز الهمسات و الكلمات و الأمنيات ، سيتقاسم معها كوب قهوتها ، سيقضيان ليلة على جبل ليجعلها سيدة العالم الأولى ، سيأخذها إلى حيث لا أحد ليبث فيها الحياة ، سينقش على خطوط كفيها أيامها الباقية ، ستنصهر فيه و لن تجد نفسها ، سيعطيها وظيفة أخرى ، سيعلمها لغة أجمل ، صدقت ، قنعت ، آمنت ، اتكأت أحلامها على كتفيه ، تكونت لديها عقيدته ، كان نبياً بعث من أجلها ، فوجدت نفسها أضحوكة مذبوحة تعبث بها الوحدة ملقاة على سرير في مشفى .

تغمض عينيها في ألم ، لازال الوجع ينبض في روحها ، تسقط دمعتين هربا ًمن دموعها الساكنة ، تتحسس خديها لتلحق بهما ، لكنهما تسبقانها إلى الأوراق ، ينفتح باب غرفتها ، تدخل أمها ، لماذا لم تطرق باب الغرفة ، تناديها : " أمي .. " لا ترد عليها و يبدو انها لم تسمعها أصلاً ، أمها في عباءة سوداء ، و شقيقتها ، تبكيان ، تقتربان من فراشها ، لا يرونها ، تراهم .. تصرخ " ما بكم ".. تمتد يد شقيقتها إلى ورقة في العلبة الزرقاء ، تلمح على الورقة اسماً و تاريخاً و عنواناً .. تلك ورقتها الأخيرة ، شهادة وفاتها في ذاك التاريخ .

الأربعاء، 23 يوليو 2008

قبل أن يعرف أحد..





أذكر اسم من طلب منك حل هذا الواجب

طلبت مني الغالية
د. أسماء علي أن أحل هذا الواجب ..


أذكر القوانين المتعلقة بهذا الواجب


القانون الأول .. ألايغضب أحد مني .. فلست قديسة !!


القانون الثاني .. الاجابة هنا اعتمدت على انني أنا .. فقط !!


القانون الثالث ..




تحدث عن ستة أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك للمرة الأولى


السر الأول : حساسة و رومانسية و سريعة البكاء جداً .. ممكن أي حاجة صغيرة أوي تخليني أفضل أعيط أعيط أعيط ..!! ممكن اشوف مشهد في فيلم أعيط .. كل ما اشوف فيلم Legend of Falls أقعد أعيط برضه .. و لما باشوف الافلام الكلاسيكية القديمة .. لما شوفت فيلم Dying Young و كل ما باشوفه .. يعني ..:) !!

السر الثاني : طيبة و حنونة جداً .. ببذل كتير عشان اللي حوليا.. هو دة مش دايما صح و مش دايما بينجح لأني باتفانى احياناً في مواضع لا تستحق التفاني يعني .. !! و كريمة جدا جدا .. بحب الهدايا .. بحب اشتريها .. مش لازم اخد .. بس لازم ادي :)

السر الثالث : ذكية .. !! أذكى مما قد يظن الآخرون بكثيـــــــــر ... !! و دقيقة اوي اوي اوي.. يعني دة ممكن يكون ناتج عن طبيعة شغلي.. باهتم بالتفاصيل و الدقائق جدا.. و ماحبش حاجة تبقى مش متخططة او مش مترتبة بشكل صح.. مابحبش الاهمال و لا الفوضى .

السر الرابع : باكره اللون الأخضر .. باكرهه جدا جدا جدا جدا.. اللون الاخضر دة عشان الزرع مش عشان نلبسه !! و بحب اللون الأسود و الأزرق ..جداً.

السر الخامس : عنصرية بعض الشيء لاعتبارات شخصية .. ربما لها وزن بطريقة ما .. لأن المواقف السيئة بتخليني أفقد العدل أحياناً لاحساسي بالظلم و دة مش صح .. و عارفة ان دةعيب من عيوبي .. دة ناتج برضه عن استخدام العاطفة عن العقل .. دة مش كويس .

السر السادس : باحب الايس كريم الايطالي جدا جدا .. بحب القهوة بالفانيليا .. بحب الشمس و السما الصافية .. بحب البيانو .. بحب الكتابة بحب الشعر .. مش بحب الكذب مش بحب النفاق مش بحب مداراة الحقايق .. باحترم الصدق جدا .. بحب الليل على البحر .. عصبية جدا جدا لو حاجة طلعت كذب او غلط او مش حقيقية .

أرسل الواجب إلى ستة مدونين مع ذكر أسمائهم و روابط مدوناتهم في الموضوع .

سيتم إرسال الواجب إلى :

أحمد علي .. صاحب مدونة Days of My Life

http://7amo2a.blogspot.com/

سمر .. صاحبة مدونة واحدة شبهي ..

http://abrokentoy.blogspot.com/

ميرو .. صاحبة مدونة كراكيب ..

http://krakeeb-miro.blogspot.com/

يوما .. جارة النجوم ..

http://youma-youma.blogspot.com/

الجميلة إليساندرا ..

http://lyssandra-lyssandra.blogspot.com/

الرقيقة جدا .. رحيــــل

http://mo7awalat-ra7eel.blogspot.com/

و سأذهب لوضع تعليقات في مدوناتهم لإعلامهم بالواجب .

إنتهى ..!










الأربعاء، 16 يوليو 2008

خمس مراحــل في الفــراق






إنكـــار ..




هل حقاً ، ستفرض حظر تجول على روحك في روحي ؟؟ و هل ستفصل قطرات دمك .. عن دمي ؟؟


هل حقاً ، لملمت الأحلام حقائبها و فواتيرها ، و ثيابها المهلهلة القديمة ، ثم صفقت الباب وراءها و رحلت ؟؟


هل حقاً . ستداعبني أشباح الوحدة لتصيبني بالوجع بعدك ؟؟ و هل غادرت حقاً ؟؟ كيف ؟؟


كيف غادرت و أنا أراك في كل يوم على سطح مرآتي ، على كتبي القديمة ، و أشم رائحة جسدك تخرج من أنفاسي !!


لمَ نصبتني قصيدة لن تحترق ؟؟!!
________





غضــب ..



أشعل سيجارتي الأولى ، النعنع فيها لاذع ، التبغ حارق، جدران المقهى باردة ، أكرهك لأنك رفعت التاج من فوق رأسي ، أكرهك لأنك أنزلتني من قلعتي ، أكره هذا النوع من الأسر ، أكرهك كما أكره فنجان القهوة التركية المر الصامت فوق طاولتي و دخان سيجارتي الذي يكتب اسمك في الهواء أمامي ، و أكره أكذوباتك الملونة التي جعلت زهور الشوق تثمر في داخلي أحلاماً مبتورة و أمالاً مكسورة ، أكره صوتك الذي يملأ جنبات روحي المعلقة على طرف البقاء ، و أنت تعبئ الهواء في كلمات فارغة لتشتريها حمقاء مثلي ، و تقتات على بضعة أحلام ميتة ، أنت لا شيء ، كعادم ملوث لسيارة قديمة مرت من امامي .
________



مســاومـة ..


عقارب ساعتي اللعينة تقترب من منتصف الليل ، هذا موعدنا ، فأين أنت ؟؟

غسلت شعري بالعطر ، و نثرت المسك على جسدي ، ارتديت قميصي الأسود القصير ، و هذه موسيقاك ، و أنت لست بجواري ، لست على فراشي ، و لست بداخلي ، و لم تسكب الخمر على صدري لأصير قديستك الماجنة ، و لم نمارس طقوس العبادة في محرابك و لم ترسم استدارة كتفي و خطوط شفتي ، و لم يعكس اسمك المنقوش على جسدي ضوء القمر ، زجاجات أنوثتي تتكسر بداخي فتصدر ضجيجاً ، و تعلن احتياجاً يصرخ بكل الجنون ليديك القويتين ، لشفتيك الجامحتين ، لقلبي النابض في صدرك ، لرضابك الشهي ، و لرعشتي الأخيرة ، و أنت لست هنا .. يا قدري الجميل المستحيل .

________




اكتئــاب ..



أصرخ و لا يسمعني أحد ، البئر سحيقة و أنا في قاعها ، جماجم الذكرى منثورة على القاع الوعر ، عظام الأيام الأخيرة تشكل هرماً ، و وحش في خندق ضيق يسكن البئر ، يأكل مني ، يخربش على طبقة جلدي التي تحتويك ، أنزف دمعاً و أتوه وجعاً ، قبر عميق ، و لا حبل سوى مشنقة تنبت شوكاً أسود ، و جذور ميتة رمادية لشجيرات أمل معطوبة ، ديدان تأكل أصابع قدمي ، لا مكان أهرب فيه ، الكفر بك إثم لا أنتوي ارتكابه ، أحجار البئر تنهار حولي و ترفض السقوط على رأسي ، اللبلاب الذابل يزداد قسوة ، يلف عنقي و يدي و ساقي ، أتحول إلى تمثال حجري .
________




تقبـــل ..


الآن صار رحمي فارغاً ، قطعت الحبل السري يا جنيني الأنيق ، و انفصلت عني ، أرى سرب طيور مهاجرة كسيرة الجوانح ، تميل للسقوط ، و أنا على شرفتي ، أنت تحترف الغياب ، و دمعي لا يعترف به ، الشمس تستعيد لونها القديم ، شجرة الليمون لا تثمر في حديقتي ، و البادية في داخلي ترقص رقصة حداد أخيرة ، بكورة الوردات الحمراء تغني في صمت أزرق ، الهواء لا يجد مدخلاً إلى روحي التي تركتها هناك تعزف على ناي مكسور ، أرى خطوط الزمن تشكل طريقاً فردياً في بللورة كاهنة عمياء .

الجمعة، 11 يوليو 2008

حدث .. قبل الجسر..

تضيء شمعة أخرى .. الطريق يطول .. إلى الجسر الخشبي العتيق فوق البحر ، صوت الموج ليلاً مخيف ، و هي وحدها ، تسير ، الرمال الدافئة تداعب قدميها و تلتصق بعباءتها الحريرية ، تمسك الشمعة بحذر حتى لا تطفئها النسمات ، تقرب يدها من النار ، و تسير بحذر و ثبات ، على الطريق هناك .. قبل الجسر ، تقابل غجرية عجوز لها ظهر محدب ، خصلات شعرها البيضاء تتطاير من تحت غطاء رأسها ، تسير بثقل ، بيدها عصا و صرة كبيرة ، المرأة تنادي : " هنا صرة الأسرار ، هنا المستقبل ، هنا الحل ، هنا كل ما أردت أن تعرفه و كل ما لم تعرفه بعد "

الغجرية العجوز ، صوت أساورها و خلخالها يخترق الهدوء في الليل ، تقترب منها ، تجذبها للجلوس على الأرض ، و تخبرها أن هذا بالمجان ، تمد يدها إلى الصرة ، فتضع منها صحناً صغيراً على الأرض ، تأخذ منها العجوز الشمعة ، تلامس يدها الناعمة يد العجوز الخشنة ، تتساقط دموع الشمعة على الصحن الخزفي القديم ، تضغط العجوز بها على الصحن ، تبدأ العجوز في فتح صرتها القديمة ، تخرج منها منديلا قديماً متهالك و مرقع ، تلمح الشك في عينيها العسليتين ، فتخبرها أن هذا المنديل إرثُ عائلي ، و يساوي من الذهب الكثير ، فهو منديل باركه الجد الكبير في قبيلتها ، و هذا المنديل هو السر في أن الأصداف داخلها أرواح قديمة ، لفتيات صغيرات ، تم أسر أرواحهن بالأصداف ، حتى يأتين بالأخبار ، و يعرفن الأسرار .

تقلب العجوز الصدفات ، تأخذهن في يدها الخشنة ، ترش عليهن بعض الرمال ، تنفث فيهن ، تلملم الصدفات ، تغمض عينيها ، تحرك إصبعها عليهن ، حتى تخبر ها أن تلك الصدفة هي البيضاء الصغيرة ذات الخطوط الرمادية المتعرجة التي ستحمل السر ، تفتح العجوز عينيها ، تناولها الصدفة ، و تطلب منها أن تمسها بشفتيها ، فتتناول الصدفة في وجل ، تأخذها في يدها ، تقربها من شفتيها المكتنزتين المرتعشتين ، تسحب منها العجوز الصدفة الصغيرة ، ثم تضعها على أذنها ، تنظر إليها العجوز و تبتسم ثم تقول :

" تخافين ألا يحمل رحمك أطفاله ، و كل امرأة لامسها مباركة ، تخافين من ارتعاشة امراة أخرى بين ذراعيه ، تخافين من اختلاط أنفاسه بها ، تغارين ، تخافين أن تلامش شفتاه شفتيها بعد شفتيك ، تخافين فراقه ،تخافين أن يطير عطره من تحت جلدك ، أن تتسلل بصماته عن جسدك ، تزهر بداخلك حدائق الشوق الملونة في كل ليلة ليقطفها هو ، و تضعين قطرات من دمك في كأسه الذي لا يشربه ، تتألمين لأنك لا تتقلبين أمام عينيه ، ترقصين حوله ، و هو يراقبك ، تتعبدين له أنتِ ، تحجين إليه ، الطريق طويل ، و زادك لا يكفي ، الثمرات الذابلة لن ترويك ، يا صبية ، كفي ، ارجعي عن الجسر ، فالبحر لن يرحم ، و قدماكِ حافيتان ، و البرد يدب في روحك ، و الضعف يسري فيكِ ، و الشيطان يترصد ، و الجسر سيتمدد ، و إن ذهبت ، فلا عودة لكِ ، و لا وطن ، الشمعة ستذوب ، و ستنتهي الشمعات ، لن تبددي الظلمة ، و الشمس لا تصل إلى هناك ، إن لم يأمرها هو لتشرق على وجنتيكِ ، لا تصدقي الطيور ، و لا تسمعي نغمات الماء المتساقط هناك من الشلال الكبير ، بعد الجسر لا طريق ، لا طريق و لا مكان ، ستفقدين الجسر إذا أنهيتيه ، أو اجتزتيه ، أو طالك ضوء القمر فيه ، إن الأمر أكبر .. أكبر بكثير من الخارطة ، و الخرج ، الحب أكبر ، احفظيه و ارجعي ، و سيعرف هو الطريق ، لا ترسلي له بمكانك ، سيعرف وحده من يمامة رمادية ، سيسمع ترنيمها ، سيفهمه ، إرجعي "

تختفي العرافة من أمام ناظريها ، تترك لها الشمعة فوق الطبق الخزفي ، ذهبت العرافة ، و هي لا تعرف الطريق ، اختفت خارطتها من خرجها ، صارت وحدها ، الجسر يبعد أكثر ، البحر موجه يعلو أكثر ، المد أتى ، تجري بعيداً عن البحر ، نست الشمعة ، الظلام شديد ، تحاول أن تذكر طريق الرجوع فلا تستطيع ، تنزعج ، تفتح عينيها ، غافية على صدره هي ، يداعب خصلات شعرها ، يبتسم ، يحرك أنامله على شفتيها ، يهمس .." أحبك .. لا تخافي.. سيزول الحلم .. و سأبقى "



الأحد، 6 يوليو 2008

في يوم .. لم يقرأه أحد








حرارة الشمس تطل من زجاج سيارته ، يمسح قطرات العرق السائلة من جبينه الشاب ، يخلع نظارته الشمسية ، يلقي نظرة خاطفة على ساعته السويسرية الأنيقة ، لازالت الثامنة صباحاً ، الطريق لا زال مزدحماً ، صوت الموسيقى الأمريكية ينطلق من سماعات الصوت الموزعة على جوانب سيارته الأربعة ، الإشارة طويلة ، السيارات المتراصة أمامه و خلفه تصيبه بالاختناق ،فيشعر بثقل الهواء بالرغم من المكيف الذي صار يبذل جهداً كبيراً لتبريد السيارة من الداخل .



رائع هو ، في كل يوم يضيف سطرين إلى أحلامه ، تتقاذف الأفكار في رأسه بعض الاتهامات ، الفكرة تليها فكر ، اختبارات نهاية العام ، المهام الغير منجزة ، صديقه الذي أخلف موعده منذ يومين ، الآخرون ، هؤلاء الذين يرغبون في الأشياء بالمجان ، و هو يؤمن ، بأن الأحلام ليست مجانية ، و أن هناك ثمناً لكل شيء في هذا العالم ، عرف مبكراً حسابات الربح و الخسارة ، آمن بأن الخسارة قد تصنع ربحاً فيما بعد و أدرك و هو لازال في الواحدة و العشرين أن الفشل هو الذي يصنع النجاح ، و كان بمفاهيمه العميقة تلك ، قد اجتاز الكثير من سنوات الخبرة ، التي قد يحتاجها الآخرون ليكتشفوا ما اكتشفه هو .



تصير الإشاراة خضراء ، يضغط بقدمه على مزود البنزين ، ينطلق ، و يبدأ في ترتيب يومه ، يلمح مكاناً ليصف سيارته بجوار بوابة جامعته ، ينظر بثقة ، يحرك سيارته بدقة و سرعة ، يصفها، يفك حزام الأمان ، يطفيء محرك السيارة ، يتناول مفاتيحه في هدوء ، و يتناول كشاكيله ذات المربعات الصغيرة .



في كل يوم تنتظره هي هناك ، تحاول ان تبيعه بعض المحارم الورقية لسيارته ، أو ربما مصحف صغير ليعلقه بالمرآة ، كان يدفع دائماً بزيادة مع ابتسامة و دعاء ، و لم ترغب في أن تبادل منطقتها تلك مع أي فتاة أخرى ، فهي تحب منطقتها لأجله ، امام الجامعة الخاصة التي يرتادها هو ، تذكر أول مرة رأته فيها منذ سنتين ، باعته كتيب أّذكار صغير ، دقت زجاج سيارته و صوت محركها يهم بالرحيل ، فتح الزجاج مبتسماً في رقة ، فتعجز عن الحكي ، أخذ الكتيب ، سألها عن الثمن ، أجابته في ارتباك جنيه و نصف ، امتدت يده بخمسة جنيهات ، ثم ابتسامة ساحرة أخرى ، أغلق زجاج سيارته ، و ذهب مسرعاً ، رسم ابتسامة على شغاف قلبها .



تضع أحلامها الصغيرة فيه ، تود أن يراها يوماً كما تراه ، و أن يكف عن النظر إليها على أنها متسولة فقيرة ، تمنت أن يسألها عن اسمها مرة ، أن يدعوها إلى كوب عصير ، أن يأخذها في سيارته إلى كورنيش النيل ليشتري لها الترمس و الحمص أن يرفعها لتجلس بجواره على السور ، فهي في كل يوم تنفض ملابسها و تمشط شعرها و تغسل وجهها الصغير الذي لم تزل منه أبدا ًعلامات الشقاء ، و ترتدي قبقابها البلاستيكي الجديد ، و تذهب لتراه ، تعد دقات قلبها في كل خطوة يخطوها حتى يغيب عن ناظريها في مجيئه و ذهابه ، لازالت في السابعة عشر ، لقد تعبت من حياة الشارع منذ زمن ، صار لها بالشارع ثمانية سنين ، تذكر زوجة أبيها ، الضرب بالحزام و الحذاء ، و تقطير حمض الكبريتيك -ماء النار- على يديها ان اخطأت أو عبثت ، تذكر الجوع و الألم ، و الليلة الأولى التي باتتها في الشارع بحديقة مسجد ، تتحسر على حالها ، على فقرها و سوء حظها ، و على الأولاد من الشارع و مآربهم الدنيئة ، على الجنيهات القليلة التي ما عادت تكفي ، فصار هو سرها الذي تفرح به ، لا تعرف طريقاً إليه و هو قريب ، تساءلت ما اسمه طويلاً ، إلى أن سمعت مرة احد رفاقه يناديه " أحمد" ، ثم قررت ان تكتب اسمه على ذراعها كما يفعل المحبين ، فتناولت دبوساً ، وضعته على اللهب ، ثم حفرت اسمه .
هل تخبره أنها تحبه أم تلقي له وردة أم ماذا ، تقتتل الأفكار في ذهنها المحدود ، تتساءل في ألم ماذا سيحدث إن انتهت الدراسة كلياً ، أو إن تخرج هو و ذهب بلا عودة ، تنفض عن رأسها الأفكار و تمني نفسها بأن يعرف يوماً ، بان تصير أميرته ليصير أميرها ، تحلم به يراقصها في منزل فسيح ، يطعمها بأصابعه ، لتذوب بين رموشه الكثيفة ، تتذكر الحياة في الأفلام التي تشاهدها في الفتارين الزجاجية لمحلات الأدوات الكهربائية ، تعيش في أحلامها معه و تغيب ، تسقط منها بعض علب المناديل ، تنحني لالتقاطها ، و تجري لتبيع للمارة و للسيارات لعلها تظفر ببضعة جنيهات ، تمر برأسها الكلمات التي سمعتها من الفتيات الأخريات يستهزئن بها ، و بطموحها ، و يخبرنها أنه لن يقبل بها لأنها مغتصبة ، و لن يتزوج بفتاة تبيت في كراج الشاحنات الثقيلة منذ عدة سنين ، تظن بطفولة أنه سيدرك ، سيشعر ، سيحبها ، و لن يحاسبها على ما فقدته غصباً دون إرداة ، يجب أن يقدر أنها تنام في كل ليلة تحتضن آمالها فيه .



تجلس على الرصيف المواجه لموقف السيارات ، تذكر يوم اغتصبها سلطان و حميد ، السكين المسلط على عنقها ، صرخاتها ، الكدمات في مختلف جسدها ، مرت خمس سنوات ، و لازالت آثارهم ، قالوا لها في البداية أن هناك مكاناً أفضل لتبيت فيه فتنكسر برودة الشتاء ، تسير معهم وحيدة بعد منتصف الليل ، يسحبانها إلى حيث لا أحد ، بداية طريق زراعي بعيد ، يستلون سكاكينهم ، يطرحونها أرضاً ، و كلما زاد رجاؤها و علا بكاؤها زاد عنفهم ، فقدت وعيها ، يهربون في خوف و سرعة ، تقوم في الصباح فتلملم فرشتها و ما تبقى منها ، تسير طويلاً إلى المدينة ، ثم تتعرف على صفية و علا المقيمتين تحت الجسر الكبير، تتقاسمان معها الهم و الظروف ، تبدأ في بيع المحارم الورقية ، كانت تشرب لفافات التبغ بالتقاسم معهما ، لكنها منذ رأته قررت ان تتغير و ان تتركها لأجله .



الحادية عشرة صباحاً ، يرفع عينيه عن ساعته ، يتناول قهوته السوداء ، يجلس مع أصدقائه ، يضحكون ، يسألونه متى السفر ، يجيب أنه سيغادر فور انتهاء آخر اختبار دراسي ، يمر اليوم سريعاً ، يعدو في سرعة خارجا ًمن الجامعة ، تراه آتياً ، ينتفض قلبها ، تقرر أن تخبره الآن أنها تحبه ، تهرول في سرعة دون انتباه لتلحق به ، تعبر الشارع ، يسمع المارون صوت مكابح قوية ، ثم ارتطام بالأرض ، هوت على الأرض نازفة ، يلتفت هو ، يراها ، يحوقل في سكون ، يغمض عينيه ، يتناول جواله ، و يرى المارة يسارعون لنجدتها ، فتفتح بصرها نحو السماء ، تدريجياً ، تتباطأ أنفاسها ، و تضعف حتى تختفي ، يتصل برقم الاسعاف ، يعطيهم العنوان في هدوء ، ثم ينصرف .