الجمعة، 25 فبراير 2011

قراءة في سقف الكفاية

هذه الرواية قرأت عنها في كل مكان ، و التقيت معجبين كثر بها ، و لأن كل الناس كانت تتحدث بمبالغة عن كميات الألم المدفونة بين سطورها خفت أن أقرأها ، إلى أن ناولني أحدهم نسخته في تبرع محمود ، و قادني الفضول إلى قراءتها.

في البداية ، خفت أن تشكل كميات الألم التي سمعت عنها تلك دبابيس صغيرة ، تغرس نفسها في ذاكرتي القديمة ، و خفت أن تحيي بي أشياءً إعتقدتها ماتت ، و صدقت ذلك بكل ما أوتيت من إيمان ، فخفت ان أكفر بنفسي ، إذ أن كثيرين خبروني أنها أوقظت فيهم أشباحاً لمشاعر قديمة ، لعشاق قابلوهم في طريق ضللوا وجهتهم ، و أنا لا أختلف عن غيري أبدًا ، إذ أنني أيضًا قابلت من حول طريقي و مساري و ضللني و رميت أحياناً فوق جسر مقطوع النهايتين سقط في هاوية رمادية مظلمة .

الرواية تتحدث في بدايتها عن كاتب شاب ، يؤلف رواية و يحاول من خلال الكتابة الخروج من وعكته العاطفية المؤلمة التي ألمت به أدواء الدنيا ، و استمرت بداخله تصنع حربًا ضروسًا ما بين ذكرياته و نصائح أصدقائه ، حتى أنه غادر بلده إعتقادًا منه أنه بذلك يترك البلد الذي دفن فيه ماضيه ، و سافر إلى فانكوفر حيث البرد و الوحدة ليلتقي بديار العراقي و بالسيدة تينغل العجوز القعيدة ، و لكن السفر و الاغتراب لن يقوما سوى بتعذيبه زيادة ، فتتضاعف غربته و تتزايد آلامه بشكل موحش و مفجع ، و ما هربه إلا ليعود إلى موطنه في النهاية ، ليَصُفَ كلماته المدمعة في رواية .

أجمل ما في هذه الرواية صورها و كناياتها الأدبية ، و بدا الأسلوب الأدبي جيداً في العديد من الفقرات ربما لأن محمد حسن علوان شاعر في المقام الأول ، و هذا هو الشيء الوحيد الذي شجعني لإكمالها ، حيث أن خط الدراما بها ضعيفٌ للغاية ، و به الكثير من المشاهد التي أقحمت عمداً – أو هكذا شعرت أثناء قراءتها – ربما بغرض التطويل و الإسهاب الذي كان مملاً في أغلب الوقت أو ربما لإضفاء بعض الحميمية لقصة حبه الصاخبة الكثيرة الألوان و الغرائب .

بطل الرواية ضعيفٌ جدًا ، إلى درجة يصعب تصديقها من الضعف العاطفي إذا قيست على الذكور بفطرتهم الطبيعية التي جبلوا عليها ، فهو منغمس و غارق بالكامل في مشاعره و ذكرياته و لا يعرف كيف يخرج من ماضيه ، يعيش ماضيه فيصعب عليه حاضره ، و يمضي به الوقت و هو مسجون تماماً في عاطفته لا يخرج منها ، و ضايقني ذلك بشكل شخصي ، إذ أنني كنت أود أن أراه ينفض آثار المرض و الضعف عن جسده ، ليقف بقوة أمام نفسه فيتسامح مع تاريخه ، عل هذه الرواية تلهم أحدًا في موقف مشابه أو تخفف عن أحد معاناة ما يلقى من غدر الحبيب إذا علم أن الوقت سيمضي و أن الأمور تتحسن ، إذ أن البطل لم يحاول و لا مرة أن يواجه ذاته بضعفه ، و لم يحاول أن يغير من موقفه ، بل أن مشاعره التهمته بالكامل ، وخيل إلي أن أمله في أن تكتمل أو تستمر قصته قد تحول إلى وحشٍ أجهز عليه و حوله إلى "زومبي" ، و يميل إلى قدرية الحب ، لكن الاستسلام للألم ليس قدرًا ، و التوقف عن الحياة ليس قدرًا ، بل أننا نستعذب التنكيل بأنفسنا أحياناً لأننا نستسهل ذلك عن كي الجروح و المواجهة .

ديار عراقي للغاية ، و هو شخص محوري في الرواية لأنه صديق البطل في فانكوفر و كان من الممكن أن يشكل ديارٌ دوراً أكبر من كونه رمز عراقي فقط ، و قد أقحم مؤلف الرواية عدة حقائق تاريخية عن العراق بشكل صارم في صفحات ، حتى أنني ظننتني خرجت من خط الرواية إلى كتاب تاريخ مكتوب بطريقة لا أحبها ، خاصةً طريقة كتابة هذه الحقائق التاريخية لا تشبه الطريقة الأدبية الرومانسية جدًا التي صيغت بها عبارات الرواية .

بطلة الرواية عابثة جميلة ، تصف قلوب الرجال و تسير عليها بخيلاء و طفولة في امتزاج ، و قد برع في رسم شخصيتها بالكامل فهي مستقلة جريئة يراقب البطل علاقاتها الخفية بآخرين بالمراسلة و الهاتف و يتألم دون أن يسأل حتى لا يجرح ما بينهما ، ترضخ في تناقض للعادات و التقاليد فتتزوج برجل آخر ، و تنقلب قوتها إلى ضعف غريب ، في مجتمع شرقي مغلق نقل الحب إلى لائحة الخطايا و الفضائح دون ذنب ، و أجبر الحب على أن يسير متنكرًا أو هاربًا أو خائفًا لئلا يقتله أحد ، فصار الحب – نصاً حسب الرواية - منبوذًا قبل أن يُفهم ، مرفوضًا قبل أن يتكلم ، و منفيًا خارج حدود الوطن حتى قبل أن يفكر في التمرد .. !!

في النهاية ، الرواية يؤخذ عليها الإسهاب و التطويل و إقحام الكثير من الفقرات التي بدت مقحمة بالفعل في جسد الرواية ، و لا أنصح شخصاً مجروحاً أو مذبوحاً – بمعنى أدق - بسكين الحب حديثاً أن يقرأها ، لأنها ستزيده حزناً فوق حزن خاصةً و أن البطل يدور في دائرة ألمه بيأس ، و غالبية مواقف القصة هي مواقف عشاق عشناها كلها أو عشنا البعض منها ، تشبهنا جميعاً ، و شعرت أن الكاتب يلكزني بعصاه في بعض الفقرات ، أو يلكز قلبي تحديداً ، كما في قوله :

" أنا الذي ظننتُ أن لاشيء في الدنيا أقرب لك مني ، كما هو لاشيء في الدنيا أقرب لي منك ، اكتشفتُ أخيرًا ، أن الكلمات التي يقولها عاشقان في لحظة عناق ، و الوعود التي يقطعانها في غمرة بكاء ، لا يجب أن تؤخذَ بجدية ..!! "

المفاجأة أنني أيضاً ، ظننت مثله ، و اكتشفت نفس الاكتشاف ..!!

الأربعاء، 9 فبراير 2011

تعليقٌ على ما حدث ..



لست ُ من العالمين ببواطن الأمور أو مدعي الحكمة أو العلم السياسي ، كما صار يقفز كثيرون إلى منصاتهم الإلكترونية الافتراضية ليعلنوا أنهم علماء فقه في السياسة ، حتى صار الأمر أشبه بالدراما التي تملأ الفراغات في عقول السطحيين و غير المدركين .

نعم ، استطاع شبابنا المحبَط جداً أن يتحول منذ يوم 25 يناير إلى بطل إعلامي و سياسي ، بشكل يدعو للفخر ، و إنني مثلي كمثل كثيرين ، وقفوا وقفة احترام و إجلال لهؤلاء الذين كانوا أفضل و أكثر شجاعة من غيرهم ، الذين يطالبون بـ " عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية "

و نظرًا لحالة البطء المميت و التطنيش التي مارسها النظام القديم العجوز و ارتفاع كمية الدماء المسالة على أرض البلد ، قام الشعب الجسور برفع سقف مطالبه إلى ما هو أشجع .. إسقاط النظام بأكمله .. !

كنت أقول ، أننا لن نتغير ، و كنت أقول ، أن شعبنا هذا سيظل أسيرًا للقمة العيش و لخوفه من العسكر و أمناء الشرطة الذين يمدون أيديهم دونما خجل في جيبه ، و كنت أقول أن هناك شبابًا لن يستطيعوا أبدًا أن يحملوا سلاحًا ليتوجهوا إلى ساحات المعارك إن قدر الله لنا أن نخوض إحداها .

كنت أرانا سلبيين حد فقدان الحياة ، و كنت أرانا فقط "عايشين و السلام" ، و كنت أرى أعداد المحبطين تتزايد يوميًا ، مئات الآلاف يجربون حظوظهم في يناصيب الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، و أدراج مكاتب الهجرة إلى كندا و أستراليا تعج بالآلاف من الطلبات ، لقد صار الناس يبحثون عن وطنٍ آخر أو حياة بالقدر المعقول من الكرامة التي يجب أن تمنح للإنسان بصفته إنساناً بشكل مجرد ، دون واسطات أو توسيطات أو كروت عمل موقعة من علية القوم المفخمين و المعصومين ، ربما لأنهم ظنوا في لحظات إحباط و خيبة أمل أن هذه الأرض "لهم " ، لهؤلاء الآخرين ، أصحاب القصور و السرقات و النهوبات و الأرصدة المتضخمة.

ليلة الخامس و العشرين من يناير كنت لا أزال بالمستشفى ، و كنت أتابع بقلق تطورات أوضاعنا الجديدة ، و خفت أن تقتل السلبية هذه الثورة ، خفت أن لا يتحقق شيء ، خفت أن نفقد المزيد من الكرامة ، خفت ألا ننطق هذه المرة أيضًا ، خفتُ أن أتأكد من ضعفنا إن فشلنا بذلك ، و خفتُ أن يتمكن الخوف من قلوبنا فيقتل هذا الحلم الذي عاش الكثيرون ليشهدوا مولده .

عدت إلى منزلي ظهر الخامس و العشرين من يناير ، صرت أقلب قنوات الأخبار ، و أتابع تحديثات الصفحات التي تبنت شجاعة الثورة ، و استمرت حالي حتى كتابة هذه الكلمات بمثل ذاك ، كأمثال كل المصريين الذين حرموا من الوقوف بوسط المعتصمين ميدان الشجاعة ، رافعين بأيديهم أحلام شعب أكل آماله ظلم سرطاني موجع .

لقد تغيرت مصر ، كأن دماء الشهداء و الجرحى التي تشربتها أرصفتها و شوارعها امتصت إلى قلب أرض الوطن ، فبثت فيه الحياة و بعثت الشجاعة و الجسارة في نفوس من يطأون فوقها من شرقها إلى غربها و من شمالها إلى جنوبها ، و هاجمت السلبية فأردتها قتيلة ذابت و تبخرت من داخلهم ، و فكت تميمة السحر الأسود التي حولتهم من مغاوير قدامى إلى خائفين مرتعشين من العصا و البندقية .

كأن رائحة دماءهم انتشرت في الهواء فصنعت رائحة الحرية ، فصار الهواء عاملاً آخر يدخل إلى أجساد المصريين و أوردتهم ليمحو ما ترسب من ألم و ذل طوال عقود طويلة ، ليصيروا أحراراً ، فيقفون في البرد و يتحملون المطر و الغبار و الجمال أيضاً من أجل إزالة المرارة من قاع هذا الوطن .

يا شباب هذا البلد ..

إن أي مزايد على وطنيتكم فاسد ، و أي مساوم على شرفكم لا شرف له ، و كل من يتهمكم بالعمالة مزعزع فاقد الثقة ، و كل سلبي اعذروه .. فالنفس تتوق للصورة الأقرب من الاستقرار الذي ظنته استقرارًا في ظل الكثير و الكثير من الظلم و الذل لأن هذا ما ألفته ، وكل هؤلاء سيتغيرون ، عندما تشرق شموسكم أكثر ، و عندما تسمع أصواتكم في جنبات الغد الصادح ببطولة هذا الشعب .

و لا تسمحوا لأحد بأن يحقق أحلامه الفردية عبر دماء شهدائنا ، و لا تسمحوا للمتسلقين بأن يجدوا أدوارًا للبطولة دون استحقاق .. فقط .. لا تسمحوا بذلك .

يا شهداءنا ..

دماءكم النبيلة هي التي صنعت منا شجعاناً و أبطال و مطالبين بحق قديم كنت حسبتنا نسيناه ، رحمكم الله يا من نلتم شرف الشهادة .

إن مصر الآن تحتضن في أرضها أجساد ثلاثمئة شهيد أو يزيد ، و أحسب أنه من العار أن نتخلى عن دمائهم ..!!

أكرموا الشهداء .. لا تنسوا قضيتهم .. و ارفعوا أيديكم بالدعاء من أجل مصر الحبيبة.