الجمعة، 27 سبتمبر 2013

مساومة.. عزيزي السيد «....»




سئمت من لعبة الصبر والاحتمالات والاختباء والاختفاء والتخفي..!
تعالَ لنضع الأمور في نصابها.. تعالَ لأعرفك على حقيقة الأمر كلها كما هي، دون أن تتبادل الأفكار القفز بداخل رأسك..!
أنا متعبة ولا أستطيع أن أحبك.
لا أستطيع أن أدور في نفس الحلقة الدرامية للعلاقات حيث الكذب والخيانة والادعاءات والوعود التي لن تنفذها غالبًا، لا أستطيع أن أفعل ذلك.. أنا فاشلة ولا أستطيع أن أرضي أحدًا.. أريدك أن تتجاوز العطر والأناقة والابتسامة وكل هذه الأشياء التي تراها مني وتعجبك، أريدك أن تنظر إلى الداخل.
أرشدتك إلى قراءة هذا المقال لأني أريدك أن تفهم وأن تعيد التفكير.. لا تخترني.. لا تفعل.
كل ما أستطيع تقديمه لك أو لغيرك هو الصداقة، لأن الأمر إن تحول إلى شيء أكبر حتى ولو قليلاً، فإن جيناتك الشرقية ستظهر وستبدأ في حثك على الكذب والتعقيد وتضخيم الأمور وجعل حياتي أصعب.

أنا لا أحب رسائل الحب أو القصائد، عندي الكثير منها وهي مجرد أوراق مصفرة ملقاة في ملف في مكان ما من حجرتي أنساه دائمًا، ولا أريدك أن تكتب لي أي شيء، أصدقائي لا يكتبون أي شيء وأنا أحبهم..!
بإمكاني أن أقتطع لك وقتًا كالذي أخصصه لمقابلة أصدقائي، بإمكاننا أن نتناول الشاي أو القهوة وأن نتحدث عن علم النفس والفلسفة، بإمكاني أن أعيرك مجموعتي من الأفلام الكلاسيكية أو الموسيقى، بإمكاني أن أعيرك كتابًا رائعًا يتحدث عن السياسة أو الرأسمالية أو هجرة اليهود من مصر في الستينات.
أستطيع أن أسير معك على الشاطئ لأخبرك بعدة أشياء أريد أن أفعلها ولا أفعلها أبدًا، يمكنني أن أحدثك عن أحلامي البلهاء وعن عدم ثقتي في العالم، يمكنني أن أشكو إليك المجتمع والناس والتقاليد والأشخاص.

يمكن أيضًا أن نعمل معًا لوقتٍ متأخر، فأقتسم الساندويتش الأخير معك ونحن نكافح لإنهاء أعمال عاجلة لا تنتهي أبدًا، ونعد القهوة ثم نضحك لأننا لا نجد كريمة القهوة لأنك لا تحب القهوة السوداء، ثم تشربها سوداء كما أحب أنا.. لأنك مضطر إلى ذلك.
يمكن أن أسافر ثم أعود إليك بساعة يد تقف عقاربها أكثر مما تعمل، أو بكوفية ملونة لا تناسب ملابسك أو قميص ربما لا يناسب مقاسك، لكنك ستضحك وستأخذه وتشكرني على ذلك.

بإمكاننا أيضًا أن نذهب لتجربة الطعام الكوري أو التايلاندي أو الياباني أو أي طعام لم نأكله قبل ذلك مع مجموعة من أصدقائي، ثم نسعد باكتشافنا أو نحبط به، ولكننا سنضحك جميعًا لأن الأمر مضحك، وبإمكاننا أن نذهب سويًا برفقة أصدقائي إلى السينما لمشاهدة فيلم بلغة المالايالم التي لا يفهمها سوى اثنان من الذين أعرفهم، ونجبرهم على ترجمة الفيلم الذي سيعرض من دون ترجمة، ثم نُطرد من السينما لأننا نسبب الضوضاء ونمنع الآخرين من مشاهدة الفيلم.. وسنضحك أيضًا..!!


ويمكنني أن أقف بجانبك عندما تسوء الأمور، سأقوم بعمل الشوكولاتة الساخنة وسأضع فوقها عدة قطع من المارشمالو الملون الصغير من أجلك، وسأبهجك بنكتة تضحكك من فرط سخافتها، ثم أستمع إليك وأجعلك تشعر أن مشكلتك الصغيرة أهم عندي من مآسي الكون كله، وستكون بخير بعدها.

لا أريد أن يخترق وحدتي أحد، لا أريدك أن ترهق نفسك كثيرًا في المحاولة والبحث والتلميح والتصريح، لا أريدك أن تتلف أعصابك في الغضب والغيرة والخوف والحيرة.. لا تعاملني كتحدٍ لأنني لا أشكل لك تحديًا، أنا مجرد شخص آخر، شاء الله أن يكون «أنثى» في هذا المجتمع السخيف.. ليس أكثر.

بإمكاننا أن نفعل أشياء كثيرة تندرج تحت بند الصداقة اللطيفة، ولي أصدقاء آخرون يستمتعون بصداقتي ولا يشكون مني أبدًا، أنا صديقة رائعة وكريمة جدًا، لكنني لا أريد الحب.

لا أريد الليل والنشوة والاشتياق والجنون والشهوة والانبهار والنجوم التي تسقط من السماء إلى عينيك، ولا أريد ذراعين تلتفان حولي لشل حركتي، ولا أريد غيرة وضرر وامتلاك في غير محله، لا أريد قصائد ولا موسيقى ولا أغنيات حب، لا أريد سهرات على ضوء القمر، لا أريد قبلات ولا أريد آثارًا على جسدي، لا أريد أن يوقع رجل بأنامله على صدري، لا أريد أن يقترب مني أحد.
لا أريد أكاذيب الشغف، لا أريد ادعاءات المرونة والتحضر، لا أريد الطيبة المصطنعة والحنان المزيف، لا أريد اللطف الفجائي الذي يخيفني، لا أريد ارتعاشات الحب.. لا أريد ابتسامة لها معنى غير انها ابتسامة فقط، لا أريد أن يكدر حياتي أحد.. ولا أريد أن يتابع تفاصيلي أحد، ولا أريدك أن تنتبه إلي كثيرًا.. لا تفعل.

أنا لا أريد الحب ولا أستطيع أن أمنحه لأحد، أستطيع أن أمنحك صداقة كاللتي أمنحها لأصدقائي الطيبين، هكذا فقط.. صداقة طيبة وجيدة وقوية وممتعة، دون تساؤلات أو احتمالات أو خوف أو قلق.. وسأعجبك أكثر كصديقة أو زميلة عمل مجتهدة، لكني لن أعجبك كامرأة تحبها، لن أعجبك.. لأنني لا أعجب أحدًا.. وأنا لن أتغير.. هذا فقط.

ولك أن تقبل الأمر كما هو، أو أن تحيل الحكاية إلى مستوى آخر من الدراما.. ستتحمله وحدك ولن أشارك فيه.. وكل هذا شأنك.

إنتهى.
شيماء.



الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

إلى لبنى.. عن عزلة الأرواح المفردة


لا أعرف كيف أشرح الأمور أو كيف أوضح المواقف التي أمر بها يا لبنى، لكنني سأحاول.. انا دائمًا أحاول كأنني أسير فوق خيط رفيع بين قمتي جبلين كبيرين لا أرى تحت الخط أي أرض ، فقط الفراغ.. ليس أكثر وليس أقل.

كنت أقول لكِ أن هناك أرواحًا خلقت مفردة، لم تخلق من روح اخرى أو من نفس أخرى، لكنها خلقت وحدها من فرط تفردها، وحدها تماماً بلا رفيق لأنها لا تحتاج إلى آخر ليس لأنها لا تستحقه كما يظن الناس والمجتمع والآخرون.. 
هذه الأرواح تجد في العزلة أمانًا كبيرًا، لأنهم غير مطالبين بشرح أي شيء أو تبرير أي شيء لأي أحد، ولا أحد يستطيع الاقتراب منها كثيرًا، لأن لها طلاسم معقدة متفردة يصعب فكها وفهمها وتحليلها، وهؤلاء يعانون مع الآخرين لأنهم لا يفهمون أنهم مختلفون.
لا يعرفون أن راحة أرواحهم في البعد والتفرد والعزلة والانفراد.

هل تعرفين يا لبنى أنني كنت أشعر بضيق في روحي كلما كان يشاركني فيها أحد؟ وهل تعرفين أنني كنت أشعر بعبء ثقيل على قلبي كلما مر بي شريك عاطفي؟ هل تتخيلين مدى عدم الثقة التي أشعر بها عندما أنزع عن نفسي غطاءها أمام شخص آخر سيتركني ويذهب غالبًا لسبب مجهول أو تافه أو مضحك؟
سئمت نصائح الصديقات اللاتي لا يعرفنني جيدًا، لا أحد قريب مني لدرجة تسمح له بنصحي، خاصة صديقتي التي تدعي الفرح دائمًا بينما هي يائسة وحزينة لأنها لا تعرف نفسها وتعتقد أن بإمكانها إرشادي إلى طريقة للنجاح في الحياة والعلاقات وهكذا أمور بينما هي ضائعة في الواقع.

ربما أخبرك أن العيب في المجتمع والناس وذكورية التفكير، وربما أصرح لك يا لبنى بأنني سئمت من الحمولات العاطفية والنفسية التي يدخل بها الذكر الشرقي إلى العلاقة، ولكنني أنظر حولي وأجد أن هناك أنثيات أخريات يشاركن في الحياة معهم بشكل طبيعي، أقصد أن هناك أنثيات تقبلن الكذب والخيانة والغدر والإهانة ويستطعن الانحناء في كل مرة لتستمر العلاقة ولتستمر الأمور، ولكنني لست هكذا يا لبنى، أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك، ولست مرنة أبدًا فيما يتعلق بالانحناء للآخرين لتسيير المراكب.. هذه ليست أنا.
وبالنظر إلى السنوات السابقة التي عشتها في هذه الحياة، رأيت أنني أكثر راحة عندما أكون وحدي، وهذه المسافة بيني وبين الآخرين تمنحني قدرًا رائعًا وكبيرًا من الأمان، أنا لا أستطيع الاعتماد على أحد لأن بداخلي يقين كبير أن كل الناس سيخذلونني كلما واتتهم الفرصة، وأنا لن أعتمد على أحد في العالم لأعطيه الفرصة ليقوم بأفعال الخذلان معي.. لن أفعل ذلك مهما كلفني الأمر.

وأنا وحدي.. شعرتُ أن روحي مفردة، وبأن بها مساحة كبيرة من «البراح» الذي يخصني وحدي، مساحة واسعة من الحب والأمل والأحلام التي لا يوجد فيها طرف آخر، فيها أنا فقط، وأماكن أريد زيارتها وأهداف أرغب بتحقيقها وأشخاص أريد أن أقابلهم، ولا يوجد فيها مكان لشخص يلقي علي حمولة عاطفية أبذل الجهد الكبير لحملها بينما الحقيقة هي أنني لا يجب علي أن أحملها في الأساس..!
فهمي عن الحب والعلاقات مختلف وبسيط، أؤمن أني لست بحاجة إلى الكذب أو الخيانة لتستمر العلاقة، لكنني أفهم أن الحب هو القدرة على المشاركة، المشاركة باستثمار الذات في العلاقة وليس في أن تحمل ما لا تطيق من طرف مليئ بالعقد والأوجاع والموروثات التي تخبره أنه في سباق ماراثون معكِ وأنه إن لم يسبقك فإنك تسبقينه وتقومين بقيادته، وكل هذه الأفكار المجتمعية الغبية التي لم أر غيرها يملأ عقول كثيرين، وهذا الشكل للعلاقات لا يناسبني بينما هو مناسب لغالبية الأخريات إن لم يكن جميعهن.. ومن هنا تأكدت أنني مختلفة.. أنا لا أستطيع تحمل ذلك أو قبوله.

وهذا أمرٌ لن يتغير، أنا لن أتغير ولن يتغير الآخرون الذين تربوا على أنه عيب البنت تبقى أشطر منك وعيب البنت تبقى أقوى منك، بالرغم من أن الأمور لا تسير بهذا الشكل، ولكن لا أحد يفهم ذلك في هذه المجتمعات التي تحول نساءها من فرط رعبهن من مواجهة الحياة إلى جاريات ليقمن بتربية ذكور يحتقرون النساء بدورهم.

أما عن الصداقة فسأحدثك بلا حرج، لأن الخيانات في الصداقات كثيرة أيضًا، وأفعال الخذلان فيها أكبر، والبقاء على مسافة من الأصدقاء جيد أيضًا، لأنه لن يطعنك أحد ولن يسخر من فشلك أحد، ولن يقوم أحد بعقد مقارنات بينه وبينك لأنه لا يعرفك بشكل يسمح له بذلك، وهذا مريح ورائع.

عندما أكون وحدي، أستطيع أن أكتب، أستطيع أن أؤلف مقطوعة على البيانو بالرغم من انها ينقصها الكثير ولكنني فعلت ذلك، عندما أكون وحدي أستطيع مشاهدة أفلام كلاسيكية من ثقافات ولغات أخرى دون أن يحقر أحد من ذلك، عندما أكون وحدي أستطيع أن أفعل أشياء كثيرة دون أن يحكم علي أحد كل حقه هو أنه يرى نفسه قريبًا مني بما يكفي فقط لإصدار حكم ..!
عندما أكون وحدي أستطيع أن أستمع إلى الموسيقى التي أحبها، أستطيع تشغيل أفلامي المفضلة على شاشة ضخمة بالمنزل لأستمتع بتفاصيل المشاهد والأداء، وأستطيع أن أمشي وحدي على البحر حافية القدمين وأنا أغني دون أن يعبأ أحد بما أقول، وأستطيع أن أذهب إلى الغداء في مكان فخم لأكافئ نفسي على شيء حققته دون أن أهتم برأي شخص آخر فيما سآكل أو فيما أرتدي، لأني أرتاد المطاعم بالجينز وأذهب إلى المقاهي بملابسي الرياضية ولا أحد يخبرني أي شيء، لا أحد ينتبه إلي، وحدي أذهب لمشاهدة الأفلام في السينما مع كيس كبير من مقرمشات بالجبنة وعلبة فشار ضخمة.. وأعود إلى المنزل سعيدة وراضية بما فعلت لأنني فعلته من أجلي..!

وحدي أستطيع أن أخبز كعكات الشوكولاتة الصغيرة لتوزيعها على الصغار، وبابتسامات صغيرة أستطيع أن أعيش بسلام، أستطيع أن أقرأ كتبًا كثيرة تبدو تافهة لآخرين لأنهم لا يفهمون عمقها، أستطيع أن أستمع إلى الموسيقى التي أحبها دون أن يخبرني احد أنه يجب علي أن أحب فيروز وأم كلثوم والكلاسيكيات التي أعتبرها مملة وسخيفة، وحدي أستمع إلى «أوديت نارايان» و«سونو نيجام» و«شريا جوشال» دون أن يتدخل أحد ليغير الموسيقى إلى شيء أكرهه لعبد الوهاب أو غيره.

ما أمنحه لنفسي يا لبنى لا يستطيع أن يمنحه لي أحد، وما أشعر به وأنا وحدي لم أشعر به وأنا في صحبة أحد، أشعر بأمان شديد، وأشعر بثقة في لأنني لن أخونني، ولن أتركني أغرق، ولن أحتاج إلى أحد, لأن كل الذي يمنحه لي الآخرون ليس أي شيء، كله بلا قيمة، كله فارغ.. بينما ما أمنحه لنفسي ثري ورائع ويجعلني أشعر بالرضا دائمًا.
ويقول بابلو نيرودا في مكان ما أنه في وقت من الأوقات ودون كلل، سيكتشف كل إنسان حقيقته ولحظة الاكتشاف هذه ستكون أفضل أوقات حياتك أو أسوأها، وأعتقد أني اكتشفت نفسي يا لبنى، انا أعرف ما أستطيع وما لا أستطيع، وأعرف ما اطيق وما لا أطيق، ووجدت كل ما أبحث عنه في الوحدة المحببة التي تسمح لي بالحرية دون قيد المجتمع أو الشريك أو تعقيداتهما.

أنا روح مفردة يا لبنى، ولو كنت اكتشفت ذلك مبكرًا لوفرت على نفسي الكثير من الألم والمرض والعلاجات، ولكنت سافرت إلى أماكن كثيرة وجربت أشياء كثيرة ، واكتشفت العالم بشكل أفضل، لكنني سعيدة بالفعل أنني اكتشفت ذلك، لقد عرفت نفسي يا لبنى، لقد وجدتني..!! 
ولو راجعتِ كل ما كتبته سابقًا.. لوجدتِ أن هذه هي المرة الأولى التي أعترف فيها أنني «سعيدة»..!!
أنا سعيدة.. سعيدة بالفعل.