السبت، 26 مارس 2011

عاصفة التراب و الدم

 
 
 
لا أريد أن أبدأ في الشكوى من العاصفة الترابية التي تهز أعمدة الإضاءة خارج النافذة ورائي ، و لكن حساسيتي للغبار تجعل تقبل مثل هذا الجو صعباً للغاية ، أضف إلى هذا أنني مصابة بالتهاب حلقٍ منعني النوم ليلة كاملة ، و صعوبة الحركة بقدمي التي أجريت فيها عمليتين إلى الآن و لازال الطريق طويلاً لمداعبة رمال الشواطيء المبللة ، أو لقراءة جريدة بمقهى أحب الجلوس فيه وحدي .

لن أبث اكتئابي عبر مدونتي ، و ليس لهذاالغرض أكتب ، لكنني لا أستطيع أن أفصل بين ما أشعر به حقًا و ما أرغب في كتابته ، كنت أود ان أكتب لكم عن أي شيء يدعو إلى الفرح ، و كنت أود أن أحدثكم عن قصة حب وهمية أخرى رائعة ، تجعل الناس تأمل في غدٍ أكثر جمالاً و إشراقاً ، و كنت أود أن أكتب عن زهور الحرية التي صارت تتفتح في نفوس المصريين ، أبناء أرضي الطيبة ، و لكن هناك مانع لا أستطيع أن أكسره ، و حاجز لا أقوى على القفز فوقه ، ألا و هو الحزن ..!!

في الصباح أقوم بهلع إلى محطات التلفاز ، لأحصي الفارق بين شهداء الأمس و اليوم ، و لا أفهم ، كيف يستطيع القتلة و القناصون أن يذهبوا بعد انتهاء مهامهم إلى منازلهم ، فيلتقون صغارهم و يتناولون وجباتهم الساخنة مع أفراد أسرتهم ، ثم يغازلون نساءهم دون أن يشعروا بطعم الدم و رائحته بحلوقهم ، و دون أن يروا أثره على ملابسهم ..!!

ما هذه العقلية التي تستطيع أن تقتل بهدوء ، ثم تغرق في الغرام بسهولة ، و كأن القتل لا يمثل سوى دورة جولف للمحترفين ، ألا تنتابه كوابيس ؟؟ ، ألا يحلم بصغار يبكون في خوف في خنادق مظلمة ككابوسي الأخير ، الذي صرت أبحث فيه عن أطفال لا أعرفهم و لا يعرفونني - بالرغم من انني لم أقتل احدًا - و لكنني أعرف أنهم مدفونون تحت الأرض ، و الناس يقولون أنهم موتى ، و لكنني أسمعهم يصرخون ، و ركضت مسافات طويلة حافية القدمين ، في أرضٍ غريبة مظلمة لا يسكنها سوى أناس بلا أذرع و بلا رؤوس لأنني أريد ان أحرر الصغار الذين تخرق صرخاتهم أذنيَّ .. !!

في كل مرة رأيت جثة محترقةً ، او ملفوفة و مرقمة في صندوق خشبي بال ، كنت أسأل نفسي إن كان هذا المسكين يعرف أنه لن يعيش ليرى الغد الذي أراد أن يحققه ، و إن كان يعرف أنه سيترك وراءه ربما صغار جائعين معوزين و خائفين من بطش الدنيا و الآخرين ، و إن كان يعرف أن أحلامه ستنتهي مدفونة بداخله مقتولة مثله تماماً بلا حول و لا قوة ..!!

و أتساءل إن كانت له حبيبة تجلس بعد صلاتها متكورة على الأرض  الآن و دموعها تملأ وشاحاتها ، و وسائدها ، و دفاترها ، في محاولة فاشلة لرثاء رجل تحول حبه إلى نكبة وجدانية من الذكرى و الغضب الشديد ..!!

كنت أرغب في أن أكتب شيئاً ملوناً لأرضي صديقتي التي قالت لي أن الأدب الذي أسرف في ترجمة مشاعره توقف تماماً بعدما حمل ذاك الأخير أسماله و أكذوباته في حقائبه المذنبة الفاخرة و غادر ، ربما تكون على حق ، فأنا عادةً لا يبلغ الإسراف في المشاعر مني حده إلا بعد أكذوبة قلبية شديدة البراعة ، و لكن هذا لم يمنعني من التحضير لرواية ستأخذ وقتاً طويلاً في الكتابة .

لا أستطيع أن أجلس وسط كل هذه الجثث ، و أبدأ في الكتابة عن الحب ، أو عن غضبي من باقات الورود سيئة الذوق ، و كأن أحداً لم يفقد أباه أو أمه ، أو صديقه الأقرب ، أو أن فتاةً جميلة لم تفقد حبيباً ، أو أن أمًا صغيرة لم تفقد زوجاً و لا أستطيع أن أشاهد أنهار الدم هذه تجري حول خارطة وطن كامل ، تدفع ثمن الحرية ، ثم أتناول قهوتي العربية ، و أكتب قصيدة غزلٍ في رجلٍ ليس موجودًا ..!!