الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الفاتورة الشخصية .. 2011




على الهامش : 
هذه مقتطفات من دفتر المذكرات البنفسجي الموجود في الدرج الثالث في دولابي  :) 


يناير .. 
الألم يتغلب على برد الشتاء في تفتيت عظامي .. 
المستشفى .. 
أسرة بيضاء ، ستائر وردية مخططة بالأبيض أو بيضاء مخططة باللون الوردي  ، رائحة المطهرات ..
و كانت أول جراحة أجريها في حياتي ..!!
كنت أقول دائمًا أنني أخاف الجراحات ، و لا أعتقد أنني سأتحمل أن يشق جسدي مشرط ، لكن المفاجأة هي أنني استطعت أن أفعل ذلك !!
و تحملت إبر الكانيولا التي كان يتغير مكانها كل ثلاثة أيام .
لولا أصدقائي الذين كانوا يسرفون في إهدائي الورود و الشيكولاتة و الكعك بحنان بالغ لما استطعت أن أتغلب على كل هذا الألم  ، فالحمدلله الذي منحني ما يعينني على الصبر .

فبراير .. 
لازالت زيارات أصدقائي مستمرة ..
لا أستطيع الحركة ، الكرسي المتحرك كان مشكلة أخرى ، أشعر بالعجز  بالرغم من أن الجراحة في ساق واحدة ، أشعر بالملل الشديد و لا أعرف ماذا أفعل سوى القراءة ، ماعدتُ أستطيع حتى الكتابة ، مزاجي سيء .
لم أتخيل أنني سأتعلم أن أحقن نفسي بالإبر أبدًا ، لقد تعلمتُ أن أحقن نفسي بالإبر التي تمنع تجلط الدم في ساقي المصابة نتيجة لقلة الحركة ، أحقن نفسي مرتين يوميًا ، لم أكن أحب الإبر أبدًا ، لكنني الآن إن لم أحبها ، فربما يتجلط الدم بساقي في كتلة صغيرة  ، و ربما تتحرك الجلطة إلى قلبي .. و أموت !!
كل الأحداث و الأشياء تشبه بعضها ، أنا أقف على الحياد من الحياة نفسها ، ربما لأنني استطعت غربلة الذين أعرفهم طوال يناير ، لأن الألم يفتح العينين ، الألم يجعلنا أكثر قدرة على رؤية الناس من داخلهم .

مارس ..
أول يوم في مارس ، جراحة أخرى .. 
إزالة هذا المسمار الكبير الذي يمنع حركة الكاحل ، شقٌ صغيرٌ بمخدر موضعي ، ثم خرجتُ و أنا على الكرسي المتحرك أيضًا ، أنا متعبة للغاية ، و لا أستطيع أن أتغلب على الألم .
عدتُ إلى المنزل ، ممارسة التمارين الجديدة كانت تشكل نوعًا من المشقة ، فلا أنا أستطيع أن أحرك مفصل قدمي ، و لا أستطيع أن أتحرك أيضاً ، و لكنني حاولت ، لتقليل الورم الذي تكون بعد الجراحة .
لازال فقدان الذين أعرفهم مستمرًا ، يبدو أنني لم أكن أعرف أحدًا أصلًا .. !!
الدائرة ضاقت .. و تقلص عدد الواقفين حولي .. و لازلت أقرأ .. !!
رواية رائحة القرفة .. هذه الرواية تتحدث عن حالة فريدة من الاستغلال الجسدي .. مكتوبة ببراعة ..!!

إبريل .. 
قرأت ثلاثية أحلام مستغانمي للمرة الرابعة تقريباً ..
أنا واقعة في حب خالد بن طوبال .. لا رجل يعشق بهذه الطريقة ، و أراهن أن خالد بن طوبال هذا عاشق لأنه كائنٌ حبري صنعته امرأة ، فالمرأة الكاتبة تستطيع رسم الرجال المثاليين ببراعة بالأحبار ، كأننا حين نكتب عن هؤلاء المثاليين ندفن فيهم إحباطاتنا المتتالية ، و نخلط فيهم الصور التي أحببناها في خيالاتنا المتقدة ، حين نمتلئ بالرغبة و الجنون و الحاجة إلى بطل عاشق .
صرتُ أخاطب خيالي كثيرًا ، حتى قفز هو من بين ذكريات الماضي الكثيرة ، و من بين فترة كانت براءتي فيها أقل بكثير من خبراتي ، كأنني أحاول استعادة نفسي فيه ، أحاول أن أتشبث بجزء أخير مني خفت أن أفقده ، جزءٌ اعتقدتُ أنه يخصه ، و لن يكون بمأمنٍ إلا معه ، بدأت مشاعري في استرداد حياتها ، بدأت صحتي تتحسن ، و أنا أتغذى على الأمل .. !!

مايو .. 
قارب علاجي على الانتهاء، صرتُ أمشي بمساعدة عكازات ، صارت الحركة أكثر سهولة من ذي قبل .
عرفتُ أن أحد أصدقائي سيذهب إلى بلده الآسيوي للزواج بفتاة أحبها عمره كله و لكن أهله لا يوافقون عليها لأنها ليست مثلهم ، لا تنتمي إلى طبقتهم لأن أهلها فقراء عاملين ، بينما أهله أصحاب الأرض و المال . 
و قد ذهب إحسان - اسم صديقي هو إحسان - إلى بلده تاركًا عمله و حياته كلها و راتبه الكبير لأنه يرغب في إنقاذ فتاته الضعيفة الجميلة البسيطة للغاية ، و استطاع بعد كل هذه السنوات أن يتزوج بها ، فقد كان حبه للفتاة كبيرًا ، كان إحسان يبدو عاشقًا مثاليًا  أيضًا ، يشبه أبطال الأفلام الرومانسية ، و أجمل ما فيه ابتسامته ، لأنه ربما لا يبتسم إلا في طفولة من قلبه الذي كان حزيناً للغاية .
شجعته على اتخاذ قراره ، شجعته على أن يذهب ، لأنني أردته أن يلحق بحلمه ، و المال و الوظيفة و كل تلك الأشياء سيسهل تعويضها فيما بعد ، أما الحب الذي عاش فيه نصف سنواته الثمانية و العشرين فلا أعتقد أنه سيستطيع أن يعوضه !!

لازال مجتمعنا لا يفهم ذلك ، مجتمعنا يلحد بالحب و يسمي الرغبة و الغريزة حبًا ، مجتمع يخلط و يشوه المفاهيم الجميلة ، و يمجد الجهل و الدونية .

يونيو .. 
عدنـــا إلى العمل .. 
صرتُ أمشي ببطء دون الحاجة إلى العكازات .. 
تم نقلي إلى قسم المناقصات ، حيث الفجوة كبيرة للغاية بيني و بينهم ..!!
حاولت أن أغير أشياء كثيرة ، حاولت أن أحسن أشياء كثيرة .. لكنهم مختلفون .
و فجوة الاختلاف بيني و بينهم كبيرة ، ففي هذا المكان الجديد ، يتحدث الجميع عن الجميع ، و يحقد الجميع على الجميع ، أشخاص تملأهم طاقات سلبية ، لدرجة أنك إن دخلت المكان  ، شعرتَ بانقباض صدرٍ و ضيق !!
الكراهية تملأ الجو بموجات سلبية ، تؤثر على كل شيء يحيط حولنا ، و هذا شيء لن يتغير ، و القبح الداخلي الغريب الذي يتمتعون به لم أره في مكان واحد بداخل كل شخص بهذا الشكل من قبل !!

أشعر بالإحباط .. و لكنني أكرر محاولاتي للاندماج معهم  .. لا أريد أن أشعر باليأس الآن .. نعم .. سأحاول !!

يوليو .. 
أنا في الحادية و الثلاثين الآن .. 
لقد كبرتُ بسرعة .. !!
لا أعرف لماذا لا أصدق أنني كبرت فعلاً .. !!
لم أحصل على أية هدايا هذا العام باستثناء هدية شقيقتي التي تمثلت في حقيبة ثمينة من القماش و جلد الثعبان  بالإضافة إلى قيام والدي بإجراء صيانة لسيارتي في الوكالة .
لم أعتقد في حياتي كلها أنني سأصل إلى الحادية و الثلاثين و أنا وحدي .. 
أعرف أن هذه فكرة كئيبة لا تتناسب و يوم ميلادي ، لكنها تميل إلى الحقيقة ، أنا وحدي تمامًا ، تحتاج روحي إلى ملجأ عاطفي ، و تحتاج نفسي إلى سكن حقيقي ، أحتاج أشياء كثيرة ، و أعرف أنني سأنغمس في الحزن إن بدأت في إحصائها ، و لأنني أكره الحزن و لا أراه ثقافة مناسبة ، اخترت أن أحصي كل النعم الجميلة التي تحيط بي من كل جانب ، أنا لا أريد أن ألتصق بالحزن ، و أكره أن أصير حزينة ، فالحزن خانق للغاية , و لكنني أغضب لأن الغضب صحي و مفيد .

أغسطس .. 
سبحان ذي الجبروت و الملكوت و الكبرياء و العظمة .. 
نحن في رمضان ..
رمضان .. الشهر الوحيد من العام الذي أشعر بالرحمات تتدفق فيه من السماء إلى الأرض ، و أشعر فيه بالكثير من الإيجابية ، فالخير الذي يغسل الناس من الداخل يملأ العالم بالموجات الإيجابية ، و هذه الموجات الإيجابية تجعل العالم مكاناً أفضل.
أصلي و أبكي .. 
أدعو أكثر .. 
اللهم إنك تعلم .. !!

سبتمبر .. 
لازالت الحرب الباردة في العمل مستمرة .. 
أنا أتيت من بيئة مختلفة ، حيث يعمل الفريق كله على تحقيق هدفٍ واحد ، أما في قسم المناقصات فالأمور تختلف .. 
فلا أحد يخبر أحدًا بأي شيء .. 
كل شخصٍ يحاول أن يستأثر لنفسه بأي نصر بسيط - إن وجد - و من أجل هذا  ، يفشلون في أشياء كثيرة ، الأنانية الشديدة و الكراهية المطلقة ، و هذا الجو المشحون بالسلبية لن يثمر إلا عن المزيد و المزيد من الفشل ، و المزيد و المزيد من الإخفاقات و الاختناقات و الصراعات الفردية الخفية .

الاختلاط بهم مؤلم .. 
و لا أفهم حتى الآن كيف استطاعت إدارة الشركة تجميع هذا العدد من الأشرار - و هذا وصف بسيط لطريقة تفكيرهم - في مكان واحد و في قسم هام كقسم المناقصات ..!!

أكتوبر .. 
أجازتي السنوية .. 
لم تكن الأشياء كلها جميلة ، و لكنني اشتريت عددًا لا بأس به من الكتب ، أنا أحب الكتب .. 
غلب إحساسي بالبرودة أية أحاسيس أخرى .
بقي جزءٌ دافئٌ وحيدٌ في أكتوبر .. 
و هو أنني استطعت أن أقضي مع صديقتي منى أربعة ساعات .. كنا نضحك و نتكلم  ، كانت أول مرة أقابل فيها منى ، منى بالمناسبة شخصية بشوشة و جميلة و مرحة ، و لن أنسى أنها كانت من أهم مزيلات الألم في بداية السنة ، و لولاها لما استطعت أن أتعدى فترة من أحرج فترات حياتي و أكثرها خشونة .
جزءٌ آخر .. متعلق بأكثر النساء رقة على الإطلاق .. لقد شربت القهوة المثلجة مع غادة خليفة !!
لقاء غادة خليفة الفنانة متعددة المواهب كان من أجمل أوقات حياتي ، غادة مليئة بالفرح ، أنثى وردية للغاية ، ابتسامتها جميلة ، شخصية دافئة ، تفكر بسرعة و تتحدث بترتيب و تلقائية ، غير أنها حنونة للغاية ، فكل ما تفعله تفعله بحنان و أمومة ، لم أرَ في حياتي من هي أكثر رقة و دفئًا من غادة .
سيبقى الأناناس الذي أكلناه في الشارع شيئاً مميزًا .. و ستبقى هي من أجمل اللاتي عرفتهن على الإطلاق .

نوفمبر .. 
لقد عاد قلبي إلى الاضطراب .. 
حلمٌ آخر في طريقة إلى التشكل .. شخصٌ ما بدأ ينثر ورودًا في طريقي ، مرة أخرى .. أحلام و أشياء جميلة لم أكن قادرةٌ على امتلاكها يومًا .. لا أعرف ..!!
أخاف أن أسرف في الحلم فلا يختلف عن كونه عابر ليس أكثر ، و أخاف ألا أبدأ في الحلم فأفقده .. !!
نوفمبر لونه رمادي ، و كأنه يقف على الحياة مثلي محايدًا ، فلا هو شتوي و لا خريفي و لا صيفي و لا يمت إلى الربيع بأية صلة ، لهذا أحبه ، أحب نوفمبر لأنه مثلي .. ربما أنه تائه و مشوش و فاقد للكثير من المظاهر ، لا تستطيع أن تحدد إن كان ممطرًا أو حاراً أو باردًا أو معتدلًا !!

و بالنظر إلى نوفمبر ، فأنا أحب مواليد برج العقرب .. لا أؤمن بالأبراج عادةً  ، لكن مواليد نوفمبر لهم معزة خاصة في داخلي ، فهم عادةً مهتمين بالثقافة و القراءة و الفن و مثيرين للاهتمام .. و عدد كبير من الذين أحبهم ينتمون إلى برج العقرب ، كابن اختي الصغير .. "أحمد" .
فكأن نوفمبر خلق ليولد فيه كل هؤلاء الدافئين الطيبين الذين أحبهم .. :)  .. (هذه إبتسامة لن يفهمها سوى قلائل ) .

ديسمبر .. 
اكتشفت في هذا الشهر الأخير .. 
أنني طفلة !!
أنا أحتاج إلى الاهتمام من المحيطين بي بصورة دائمة ، و أريد أن أصير دائمًا  في بقعة الضوء ، و أريد أن أصير الطفلة المدللة دائماً .. 
و أحتاج إلى الكثير من الجهد للحفاظ على مزاجي من التغيير .. و هذا يجعل الناس يكرهونني عادةً !!
في أحيانٍ كثيرة أشعر بأنني بغيضة ، و أنني أشجع الناس على كراهيتي أكثر  ..!!
قلائل يتفهمون طبيعتي تلك و يستطيعون التعامل معها بمرونة ، و يستطيعون احتواء مزاجاتي المختلفة دون جهد .. !!
و أخي "أحمد" أفضل من يقوم بذلك ، تليه صديقاتي سماء و سارة و منى  ...!
من أجمل الأخبار التي سمعتها هو أن الجميلة نهى محمود صاحبة الانتاجات الأدبية الرائعة و الجوائز الأدبية البراقة تمت خطبتها منذ ساعات قليلة إلى شخصٍ رائع ، مثلها تمامًا و نهى تستحق كميات كبيرة مركزة من السعادة و الحب ، أسأل الله أن يهب نهى المزيد و المزيد من الفرح .


إليه : 
و أحاول أيها الغريب .. 
أن أصنع لنفسي قلبًا ..
لم يرتد عن مفهوم الحب ..
لم يضِق بجراحه المزدحمة .. 
و لم يذبح فوق مقاصل الوعد ..
لم يفقد ذراعيه في المعارك .. 
فقط .. 
ليحتضن ابتسامتك .. !!





الجمعة، 23 ديسمبر 2011

حَديثُ ذاتْ .. 3





استرخاء .. استرخاء .. استرخاء . .
صرتُ أسمع هذه الكلمة بشكل يومي منذ شهر و زيادة .. 
كلهم يقولون :
" أنتِ تحتاجين للاسترخاء .. "
" حاولي أن تحصلي على استرخاء مكثف .. "
"أنتِ متعبة .. لماذا لا تفكرين في الاسترخاء قليلًا .. "
و قد كان .. 
حاولت أن أسترخي قليلًا ..
لكن كيف ؟؟
أنا أرى الجثث و الدماء و النعوش في أحلامي كل ليلة ، و أشعر بأنفاس ثقيلة لأجساد تموت ، أشم رائحة دماءٍ طازجة و دخان أجساد تحترق و أركض في شوارعٍ لا أعرفها ، و أهرب من رصاصات تكاد تخترق جسدي ، و أبكي مختبئة في أزقة ضيقة مظلمة ، و أناس لا أعرفهم يتساقطون حولي ، و أنا أناديهم  و أصرخ بأسمائهم كأنني أعرفهم .. " حسام .. محمد .. مصطفى .. " 
أفيق من نومي مجهدةً كل يوم ، و أشعر بصداع كل يوم ، و أذهب إلى عملي كأنني لم أنم ، و تتردد في رأسي مشاهد الكوابيس طوال ساعات النهار .
في محاولتي للاسترخاء ، لم أذهب إلى العمل منذ الأمس ، مكثتُ بالمنزل ، توقفتُ عن متابعة الأخبار و برامج الحوار ، و حاولت أن أمضي الوقت مع الموسيقى و أن أحاول استكمال رواية بدأت في قراءتها ، لكن عقلي لم يتوقف عن العمل ، فعلقت حسابي على تويتر ، و توقفت عن متابعة الصحفيين و الناشطين .. و لكن لا مفعول .. لا شيء .. فقط المزيد من القلق لأنني لا أعرف شيئًا !!


استيقظت اليوم بنفس الصداع ، و نفس الكوابيس و نفس الأفكار .. 
حاولت إخراج نفسي من هذه الدائرة .. فشربت القهوة ، تناولت الإفطار مع والدتي ، و جلسنا نتحدث قليلًا .. 
فتحت بريدي الإلكتروني لأرد على بعض الرسائل اتي أجلت الرد عليها ، أعرف أنني كسولة فيما يتعلق بالرد هلى الرسائل الإلكترونية ، و أشكر أصدقائي على احتمالهم لتأخيري في الرد على رسائلهم ، فأنا مزاجية سخيفة و طفولية حساسة يصعب علي كثيرًا دفع نفسي إلى الرد على الرسائل .. !!
وجدت في بريدي الإلكتروني إعلانًا عن عرضٍ أول لفيلم في الرابعة عصرًا من مساء اليوم ، و قررتُ أن أذهب فحجزت تذكرة ، أردتُ أن أذهب لأنني أرغب في أن تفرغ رأسي من صورة الموت المتكرر و رائحة الدماء و البارود ، أردت أن أنغمس في أي شيء مختلف ، و كنت قد اتفقت مع أصدقائي على أن نذهب معًا يوم السبت ، لكنني أردتُ أن أكون وحدي ، أحتاج إلى الجلوس في الظلام ، و احتجتُ أن أنغمس في في أحداثٍ ليست حقيقية و أناس ليسوا حقيقيين ، و موسيقى صاخبة ، أردتُ أن أنفعل و أن أندمج و أن يخطف أنفاسي حدثٌ مفاجيء ، أن أذوب تمامًا في عالم افتراضي .. 
اتصلت بي إحدى صديقاتي و سألتني : ماذا ستفعلين اليوم ؟؟
قلت لها : سأذهب لأشاهد فيلمًا .. 
فجاء صوتها ضاحكًا : أي فيلم ؟؟
فقلت : دون .. الجزء الثاني ..!!
فأجابت بسرعة : ستذهبين لرؤية فيلمٍ عنيف لأنك مللتِ أحداث العنف !! أي منطقٍ هذا !!
انتهت المكالمة سريعًا لأنني لا أريد أن أجيب عن نوع المنطق الذي أفكر به ، أنا غير منطقية عادةً ، أفكر بطريقة غريبة ، و أعرف ذلك ، و لا أحتاج إلى أن يخبرني بذلك أحد !!






ذهبتُ و شاهدت الفيلم ، و الحق يقال ، كان الفيلم رائعًا ، أحداثٌ جيدة ، سيناريو قوي ، مؤثرات صوتية و بصرية في غاية البراعة ، تمثيل و أداء جيدين للغاية ، كل الأشياء تبدو جميلة ، كان اختيار الألوان و زوايا التصوير شديد الحرفية و الجمال .
مشهدٌ واحدٌ فقط لم يعجبني .. لم يراعِ فيه المخرج اختلاف المقاييس الجسمية و البنية الهيكلية للوجه و الجسد لكل من البطل الرئيسي شاه رُخ خان و بديله النجم ريثيك روشان .. فالفرق واضح .. و هذا جعلني أشعر أن الفيلم يستحق أربعة نجومٍ فقط من خمسة نجوم  .
انتهى الفيلم في السادسة و النصف مساءً .. 
طوال فترة العرض ، و أنا أشاهد بعيني ألوانًا كثيرة ، بينما تدور برأسي ألوان الدم على قمصان الشهداء ، و أسمع كلمات كثيرة ، يسجلها عقلي سريعًا ، في محاولة للتغلب على صوت أم ثُكلى في خلفية صورة داخلية حزينة .. كان عذابًا من نوعٍ آخر !!
خرجت من العالم الافتراضي الملون إلى عالمي الأحادي اللون مرة أخرى .. 






مشيت بضعة خطواتٍ إلى مقهى يقدم لفائف القرفة و القهوة ، تناولت القهوة الثقيلة ، لكنني لم أشعر بمرارتها ككل مرة ، بالرغم من أنه نفس المقهى و نفس الكرسي الأحمر و نفس الطاولة البنية المستديرة و نفس النادل النحيل المبتسم دائماً ، ربما لأن المرارة بداخلي تفوقت على مرارة القهوة ، لم تفلح لفائف القرفة القليلة السكر في إضافة أي طعم إلى أي شيء .. !!
مشيتُ في خطواتٍ بطيئة نحو باب المجمع التجاري ، و حاولت أن أتذكر أين أوقفت سيارتي .. !!
مشيتُ بين الأرصفة بموقف السيارات و أنا أبحث حتى وجدتها .. 
عدتُ إلى المنزل .. لأستمع إلى الأخبار مرةً أخرى ، و فتحت حسابي على تويتر لأتابع الآخرين ، و تصفحتُ عدة مقالات في جرائد مختلفة ، و شاهدتُ عدة فيديوهات .. 
ثم جلست لأكتب .. و أحسبني انتهيت !!
تصبحون على خير .. أو على أي شيء جميل .. يستحق الحياة من أجله !!





الاثنين، 19 ديسمبر 2011

عندما يصيرُ الحُزْنُ واجِبًا .. إليهِنَ





أخواتي الحبيبات .. 

إن لم أكْتُبْ بَعْدَ أن انتُهِكَت الحرمات .. و اخترقت كل العادات و القيم و الأخلاقيات ، فما حاجتي إلى الكتابةِ إذن ؟!
و إن لم أحزن من أجلكن .. فما حاجتي إلى الحزن ؟؟ 
ما حاجتي إلى الكرامة ؟؟ 
ما حاجتي إلى الإنسانية و ما حاجة الإنسانية إلى أمثالي ..!!
أشعر بحجم المهانة  التي تعرضتن لها تحت عصي الجنود ، و تحت أقدامهم .. و أعرف حجم الألم الذي سببته أحذيتهم الثقيلة و ضرباتهم شديدة الغل على أجسادكن الرقيقة .. أستشعر الألم في صدوركن و ظهوركن و جوانبكن .. 
أعرف أن هذا النوع من الإهانة يصعب التعايش معه ، و أعرف أنكن على قدر كبيرٍ من الشجاعة سيمكنكن من الوقوف مرة أخرى و من المطالبة بحقوقكن مرة أخرى .. و سترفعن رؤسكن .. لأنكن حرائر .. و لسن جاريات .. في سوق رق !!

يا حبيباتي ..
شجاعتكن هذه ستكون سلاحاً ، ضد النخاسين و الساسة  ..  و مبتغي تحويلكن إلى سلع و عورات و جوارٍ منزلية !!

أعرف رجالًا و نساءً من ثقافات و بلاد أخرى ، غلت الدماء في عروقهم جميعاً بعد الصور و الفيديوهات التي انتشرت عبر وكالات الأنباء بلغاتٍ عدة ، و أقابل أعدادًا منهم كل يوم في عملي ، و كلهم يسألون سؤالًا واحدًا  .. 
( كيف حالهن .. ؟؟ )
و إجابتي واحدة : سيكُنَّ بخير .. !!
نعم .. ستصرن بخير .. أنا أعرف ذلك .. و أكاد أوقن به حد يقيني بالعقيدة .

لم يشمتَ بكن أحد .. 
و لم يركن أحدٌ عاريات ..  لكن حقيقة من اعتدوا عليكن كانت عارية .. عارية حد الذل و الفحش و العهر و الدناءة و البدائية .
لم يلاحظ أحدٌ انتزاع حجاباتكن و سقوطها من فوق رؤوسكن .. لكنهم لاحظوا شجاعتكن و قوتكن و إقدامكن ..
لقد سترتكن عيون العالم كله ، كل هذا العالم تعاطف ، و انفعل ، و أعجب كثيراً بكن يا حرائر مصر الحبيبة .

لا تلتفتن للعانين و السبابين و قاذفي المحصنات ، لا تلتفتن إليهم ، أنتن طاهرات و غاليات و جميلات و عفيفات .
و هؤلاء من فرط الضعف و الجهل و الطمع يسبونكن و يلعنونكن .. لأنكن تفعلن ما لا يجرؤون على فعله .. إنهم الجبن و الخوف و قلة الحيلة !!
أنتن أقوى بكثير مما تعتقدن .

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

الشق الهوسي .. من حبك




في وسط كل الزحمة دي .. انت لسة موجود .. !!
و لسة بحاول اطلعك من راسي .. بأي شكل ..  لدرجة اني فكرت أكسرها عشان أطلعك منها و اللي يحصل يحصل ..
عامل لي صداع رهيب .. و مضايقني أوي .. 
مش عشان انت مش كويس .. و مش عشان تعبتني .. لأ .. السبب مختلف ..
إنت الشق الهوسي الوحيد في شخصيتي .. !!
عاوزة أتخلص من الهوس دة .. عاوزة أبطل أعد كلامك اللي قلته و اللي هتقوله و اللي بتقوله في راسي طول الوقت ..
عاوزة أنسى .. 
أنا مش قادرة افتكر حياتي كانت ازاي اصلا من غيرك .. 
تعبت اوي .. 
باشوف خيالك في كل حتة بالرغم من اني مش حافظة شكلك كويس .. 
و بحاول أتغلب عليك بقوتي كلها .. مش عاوزة أحلم بيك أكتر من كدة .. انت زي السراب .. و انا لسة متخيلة اني هاقدر امسكك !!
تعرف .. 
النهاردة حصلت معايا حاجة غريبة اوي .. 
و اتاكدت منها بمقولة بتقول :
ان الناس اللي انت بتقرر تنساهم .. بيحاولوا يوصلوا لك و يفكروك بنفسهم في نفس اللحطة اللي انت قررت تنساهم فيها ..
دة حصل معايا النهاردة .. !!
افتكرتك .. بالرغم من اني مش فاكرة اني نسيتك .. 
انت في بالي على طول ..
في الاول كنت بتجنب اي حد يقطع عليا وحدتي عشان بابقى عاوزة اسمع صوتك جوايا بهدوء .. 
لكن دلوقتي .. بحاول اقعد مع اي حد و اتكلم مع اي حد في اي حاجة حتى لو انا مش مهتمة بيها عشان ماتبقاش موجود وسط الكلام ..
و فجأة باسكت لما بسمعك بتنادي عليا من جوايا تاني .. و مابقدرش اركز تاني في اي كلام كنت باقوله ..
طول مانا ماشية في الشارع باشوف علامات كتيرة اوي .. 
باسمع اغنية انت بتحبها بالرغم من انها قديمة في كوفي شوب المفروض انه مابيشغلش الا مزيكا لاتينية !!
باسمع اسامي البنات اللي انت بتحبها .. طول الوقت في بنات معدية .. اسمهم منة و منات و سهى .. !!
الشيكولاتة اللي بالنعناع .. مزاجك المفضل .. بتتباع طول الوقت في كل المحلات بتاعت هدايا الكريسماس .. بالرغم من انها كانت بتبقى نادرة اوي قبل كدة !!
الاسكارفات اللي انت بتحبها .. بالألوان اللي انت بتحبها .. موجودة في دبنهامز اللي عمره ما عرض اسكارفات رجالي قبل كدة !!
تتبع أثرك محاولة فاشلة اوي .. و في أمل ضعيف جداً .. 
ان انت كمان .. تكون بتفكر فيا بنفس الطريقة .. بس مهما وصلت  .. عمرها هتكون بنفس الهوس ..!!
__________

ملحوظة و منعًا للخلط .. 
اللي مكتوب عشانه الكلام دة .. عمره ما هيعرف يقراه بالعربي .. من غير ترجمة .


الاثنين، 5 ديسمبر 2011

حَدَثَ .. في عَاَلَمٍ مُوازٍ




بينما الحوريات تحمل قرابين الدم للصب في لون العلم الأول ، كانت الحمامات تجمع نفسها في منتصف الراية , فوق بياضهن نسرٌ ينظر في إتجاه آخر، و لم تستطع الحمامات إزاحة اللون الأسود الذي ترتديه أمهات الشهداء عن الثلث الأخير  .. من نفس الراية !!
قالت أنها تشم رائحة المسك في ثلاجات المشرحة بينما كانت تتحدث في هاتفها تطالب الآخرين بشراء نعوشٍ و أكفان ، ترددت في أذنيها جملة أخيرة لجسد تغادر روحه .. جملة تقول : " قولوا لماما إني آسف إني مارحتش المدرسة النهاردة و جيت التحرير .. "
و كانت حال أمه أسوأ كثيرًا من أن تقبل اعتذاره ..!!

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

زفت .. زفت جداً




أرق ..
مش قادرة أنام .. 
حالة من الإحساس بالعبثية .. كل حاجة عبث .. 
غالبية الناس اللي بتعدي في حياتي مجرد أوهام ..  ناس مش حقيقيين .. كلهم بيحاولوا ياخدوا أي حاجة ببلاش و يمشوا ..
المصيبة .. إن البني آدم الطفيلي التافه اللي مفكر إن اللي بياخده دة ببلاش بيطلع مش ببلاش و لا حاجة ..!!
دة بيضيع أغلى حاجة عندي .. بيضيع وقت من عمري .. في شوية كلام فارغ .. 
 كله حاشر مناخيره في حياتي .. و كله عاوزني أعمل حاجات أنا مش مقتنعة بيها ..
أعمل إيه طيب أرمي نفسي في البحر ؟؟

التركيز القوي كله على نقط ضعفي و الحاجات اللي ناقصاني .. اللي أنا عمري ما هعرف أكملها لانتفاء الصدق أصلا في الزمن دة ..
كله بيكذب و كله بيمثل على كله .. كل واحد عاوز حاجات من غير ما يدفع تمنها ..
اعرف ناس ممكن تقعد تحلف لك كذب طول الوقت .. عشان مكسب تافه أوي .. ممكن يكون موقف مؤقت أو أي حاجة من متاع الدنيا التافه ..
و أعرف ناس كذابة أوي .. 
كذابة فعلًا .. كذابة باحتراف .. 
معرفش دة مرض و لا ايه ..
و اظرف حاجة .. الناس بتلومني على اني بطلت أدخل في علاقات .. أدخل في علاقات مع مين ؟؟
مع ناس كانت تنتظر السينما ابداعهم في الكذب ؟؟
و لا ناس لو كانوا سيناريستات كان زمان هوليوود لقطتهم ؟؟
و لا اللي محتاجين سلالم ترفعهم لفوق ؟؟ 
و لا اللي عندهم مشاكل في ذكورتهم و رجولتهم أو جاذبيتهم و مستنيين حد يثبت لهم العكس و دة مستحيل ؟؟
و في وسط كل الزحمة دي .. 
بيبقى المطلوب مني إني أفرق بين الكويس و الوحش .. طيب إزاي بقى !!
و احساسي بأن القادم أسوأ في كل حاجة مابيتغيرش ..
خصوصا لما حد يوصفك بالبشاعة لأنك مش على نفس خط التفكير .. مش هتعرفي تبقي بقرة للأسف .. مش هينفع تمسحي خبرات حياتك كلها عشان تمشي على خط خبرات حد تاني غيرك اصلاً!!

إحساسي بالبرد الداخلي بيتضاعف .. و محدش بيحاول يعمل حاجة غير إنه يفرح بإني بردانه يمكن أتجمد و أموت .. !!
لو مت من جوايا هابقى أبشع من اللي الناس شايفاه بشع .. هابقى شبههم .. مسخ .. زيهم .. مادة و غريزة و استنفاع و اهو كله ببلاش ..!!
انا ما بحاولش اني الوم حد على حاجة هو ماعملهاش .. بس انا قرفت اوي اوي من الناس .. 
من اللي بيتدخلوا في خصوصياتي  .. من اللي بيحسدوني .. من اللي عمرهم ما هيفهموا أنا حياتي مرة قد إيه و بتزداد مرارة كل مرة باكتشف فيها ان الدنيا وضيعة اوي و ماتستاهلش ..!!
قرفت من الغباء ..
قرفت من السطحية و الهمجية و الانتهازية .. لدرجة ان الناس فقدت تعاطفي معاها بشكل كامل ..
بقيت حاسة ان اي حد بتحصل له حاجة مش كويسة عادة بيكون هو اللي جرها على نفسه بطمعه او همجيته او سوء تفكيره و غباوته .
مش باتعاطف .. خالص .

حاجة كمان .. عادة الناس بتبقى حياتها زفت لأنها اختياراتها كانت زفت برضه في الماضي .. 
فطبيعي ان مادام اختيارك زفت انك تبقى عايش حياة زفت و مش مقتنع بيها .. لأنك ماكنتش مقتنع باختياراتك الزفت الماضية اصلاً ..!!
يعني اخترت الزفت اللي انت عايش فيه دة عشان انت كنت عاوز الزفت اصلًا .. او استخسار .. ربما الزفت كان فيه ميزة مجانية .. زي ناس أعرفهم .. لما خلصت الميزة بقي الزفت زفتًا زي ما هو .. و بدأوا يبوظوا حياة ناس تانية .. بزفت برضه أزفت من الزفت اللي همة متزفتين فيه !!

مجتمعنا مريض أوي  .. و مصاب في عقله .. مخه معاق .. مجتمع سيء سيء سيء لأسوأ درجات السوء السيئة !!
اظرف حاجة انك تكلمني عن الأخلاق و انا جعان .. عمري ما هافهمك .. أخلاق ايه و مباديء ايه ؟؟ أنا عايز ساندوتش يا أخي ..!!

و المجتمعات اللي احنا بنسخر منها أنضف مننا على فكرة .. على الاقل بيسيبوا البني آدم في حاله ..!!
مابيقعدوش يبصوا عليه و يستنوا يقاسموه في حياته بغرض الاستخسار او تكسير المجاديف او الفرجة .. و يخلوهاله زفت .. زي ماحنا بنزفت حياة بعض في المجتمعات الشرقية الزفت .


الأحد، 13 نوفمبر 2011

حديث ذات .. 2




كانت الرحلة طويلة جدًا ، ما أسوأ أن تجلس في المطار الممل و في القاعة الكئيبة للغاية بانتظار رحلة تأخرت أربعة ساعات و نصف عن موعدها إقلاعها الإعتيادي لأسباب غير مفهومة  ، فحاولت عبثاً أن أقتل الوقت بالمحادثات الإلكترونية مع أصدقائي ، و بتصفح الجرائد على الإنترنت ، و تجاهلت دعوات الحديث من الآخرين ، لأنني لا أحب أن أتحدث مع الغرباء في مثل هذه الظروف ، فأنا غاضبة ، متعبة ، أصارع الساعات البطيئة في ملل ، و لم أرغب في أن أضايق أحدًا بتعليق أو رد لاذع ربما لن يعجبه ، فقررت أن أصمت و كفى .

كنت قد عرفت من أحد أصدقائي أن صديقي الذي يوبخني ليل نهار لأهتم بصحتي تم احتجازه بالمستشفى منذ يومين ، و هذا شيء لم أكن أعرفه ، لكنني عرفت حينها لماذا توقف عن توبيخي مؤقتًا ، و يجدر بي الآن أن أبدأ في توبيخه فور وصولي إلى الكويت لأنه هو الذي لا يهتم بصحته ، أعرف أنه كان يشعر بصداع شديد و متكرر ، و خبرني أحدهم أن الطبيب احتجزه لإجراء بضعة فحوصات لمعرفة سبب هذا الصداع ، لم أشعر بالقلق عليه لأنني أعرف أنه قوي ، و أنه سيستطيع حتى أن يتغلب على الألم ، ففكرته أن الإنسان يستطيع أن يتغلب على أي نوع من الألم بقوة العقل فقط ، إلا إن كان الألم من جرح في القلب ، فإن هذا يحتاج إلى قوة العقل و الروح أيضًا ، و الصلاة و التأمل هما السلاحان الوحيدان لقوة الروح للتغلب على هذه الجروح القلبية التي ربما تفسد المعتقد و الحياة .

اشتريت لصديقي قميصًا من القطن الخالص ، و سأخصه ببعض الرموز تاريخية ، لأنه من هؤلاء الذين يؤمنون بأن المعجزات تحدث لمستحقيها ، و يرى ان طفلة عنيدة مثلي أيضًا تستحق معجزة ، لكنه لم يعرف أن بقاء هذا العدد  من الأصدقاء معي طول هذه الفترة هو المعجزة في حد ذاتها ، و أنا حاليًا لا أحتاج إلى معجزة أخرى .

بعد أن مشطت السوق الحرة ذهابًا و جيئة ، و تسوقت مرارًا ، و شربت ثلاثة أكواب من القهوة ، لازالت هناك ساعة و نصف على الإقلاع ، فبدأت في استكمال قراءة كتاب لوسيت لنيادو "الرجل ذو البدلة الشركسكين البيضاء " و الذي يحكي وقائع خروج اليهود من مصر في الستينات ، و يصف نمط حياتهم الصاخبة و الفخمة ، و لكنني أعتقد أن الكتاب فيه بضعة أحداثٍ ملفقة ، تمت إضافتها لكسب بعض التعاطف مع اليهود الذين تم تهجيرهم من مصر ، و لوسيت لنيادو تحكي كل هذا من خلال سيرة أسرتها اليهودية التي تنحدر من يهود حلب القدامى من ناحية والدها الذي هو الشخصية المحورية في هذا الكتاب لأنه هو صاحب البدلة الشركسكين البيضاء ، و يعيب الكتاب المبالغة في الأحداث مما يجعل بعضها يبدو ملفقًا ، لكنه يتحدث عن تغير تاريخي سياسي هام ، و يناقش تداعيات ذلك على المجتمع اليهودي الذي كان ممسكًا بجانب لا يستهان به من الاقتصاد المصري .

عندما حان موعد الطائرة ، كان التعب قد بلغ مني مداه ، و حين صعدت على متنها تناولت مجلة صباح الخير ، و وجدت فيها تقريرًا رائعًا عن أحمد حجازي ، أستاذي و صديقي من طرف واحد رحمه الله ، كان قد كتبه ابن شقيقته ، و كنت أتمنى لو كان هذا التقرير أطول ، و كنت أتمنى لو أن هناك مطبوعات أخرى أكثر انتشارًا كتبت عن حجازي لتعريف الناس به ، حيث أنه صدمني أن عددًا كبيرًا من الناس لا يعرفون حجازي ، الذي ساهم في تربية كل طفل قرأ مجلة للصغار .

وصلت في الرابعة صباحًا إلى الكويت ، و كنت قد صرت منهكة القوى لدرجة أنني لا أذكر كيف صعدت إلى فراشي  !!
و منعني الكسل من الذهاب إلى العمل اليوم  ..  ففضلت الكتابة .. و القهوة .. و الموسيقى الهندية :)


السبت، 5 نوفمبر 2011

عيدك سعيد .. ♥



مســــافة ..
إن السفر ما بين قلبي و قلبك مسافة ..
تجتازها أنتَ ليلًا بسرعة ... ، خبرتني صديقتي أن الأرواح تسافر .. و تلتقي وقت النوم و في الأحلام  ..
فهل حقًا التقينا ؟
أم أن ذاك مجرد لقاء مجازي مستور بطبقة من الوهم ؟
هل العالمان قريبان بهذا الشكل ؟
هل بيني و بينك فقط غفوة مجردة ، جفنان يطبقان على أمل ، و استدعاء لك بشفتين ساكنتين ، تسمع ما يدور بينهما دون أن أقول شيئاً ؟
و هل انتفاضات روحي التي استجابت لك تصل إليك ؟
كل هذه الأسئلة تدور بذهني الآن و أنا أحضر طبق اللازانيا الذي أعرف انه سيكون طبقك المفضل .
أعرف أنك ستحب كل ما أمزجه لك بالحب و أقدمه لك على الأطباق الجديدة .. الكاروهات .. أنت تحب اللون الأزرق .. و أنا أيضًا أحبه ..
أعرف أنك تحب التوابل ، فأزيد الفلفل الأحمر و الأسود .. و الزعتر الأخضر ، هل ستحبه إن أضفت إلى صلصة اللحم بعض قطع الزنجبيل الصغيرة ؟؟ 
أعرف عنك أشياء كثيرة .. 
أعرف وجهك و ابتسامتك .. أعرف لون بشرتك و شكل عينيك .. و أعرف أن يديك قويتين .. و أعرف أنك أفضل و أجمل مما أحلم به .. 
هل ستسمح لي باستعارة ديوانك المفضل .. ؟
وهل ستسمح لي بتعليق قصيدتك المفضلة على الحائط الشرقي لمنزلك بعد ان أدهنه بلون الخزامى ؟
نعم .. سأعلق لك صورًا كثيرة .. كثيرةً جداً .. هذه مع كوب قهوتك الصباحي و نظرتك الكسولة ، و هذه مع  ابتسامتك الساحرة و نظارات القراءة  و كتاب أعرف أنك ستحبه لأنك تحب التاريخ ..  مولعٌ بالقصص و الحكايا .. و مليء بالشغف .. مثلي تماماً .. سأتغزل في عينيك و ابتسامتك طول الوقت .. و سأصنع لك معجزات بحجم السحر الذي سيبعثه وجودك معي .. 
هل ستتجنب الحلوى ؟
أم أنك ستحب كيك الجبن الذي أعده ؟ و ستطلبه مني كطفل يسأل عن حلواه التي يحبها ؟
أعددت اليوم كعكة الجبن ، و زينتها بالقليل من الشيكولاتة .. و أتمنى أن تتذوقها .. أستطيع أن أتنبأ بأنك ستدمنها تمامام ، كما ستدمن تفاصيلي و كلماتي و همساتي الصغيرة العاشقة .

غدًا العيد ، و لا أعرف كيف سيكون عيدك .. لكنني أعرف أنني أستطيع أن أحصل عليك اليوم في الحلم أيضًا ، سأخبرك اليوم أنني أحبك كثيرًا ، أعرف أنك لا تحب هذه الكلمة ، و تقول أن أفعال الحب أكثر وضوحًا و صدقًا من كلامه .. و أنك لا تحتاج إلى الكلام ..
عندما ألتقي بك هذه الليلة .. فقط ذكرني أن أطبع قبلة على جبينك ، و أن أتمنى لك عيدًا سعيدًا .. عل أمنيتي هذه تقصر مسافات الوقت ، و علها تصنع من ليلة العيد شيئًا مميزًا .. يناسب تقديسي لك .. و يناسب أسرارنا  الكبيرة .


الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

حديث ذات .. 1



هذا هو الوضع تقريبًا  .. 
أكواب من القهوة .. و عدد من  الكتب .. 
لازلت هنا بمصر ..  و سأعود إلى عملي بعد العيد إن شاء الله .. 
أنا أؤمن بالمعجزات إلى حد بسيط .. و لا أعرف إن كان إيماني هذا يصنف كحماقة أو تفاهة ، لكنني أنتظر معجزة .. و أعرف أنها ستحدث و أعرف انها اقتربت ، لكنني لا أعرف متى تحديدًا .. 
تمنيت أن يكون هناك بابا نويل بطريقة ما ، علني أصير أكثر إيمانًا باستحقاقي للمعجزات لأنني سأكون دائماً في قائمة الطيبين الذين يحصلون على الهدايا .. مجانًا .. دون أن يضطروا لدفع المزيد من أعمارهم باحتراق طبقات و طبقات من أرواحهم التي صارت رثة بالفعل ، بل قاربت على الاختفاء .. و عبثًا أحاول الاحتفاظ بما تبقى عن طريق الكتابة و القراءة .. 

اشتريت أطنانًا من الكتب ، لدرجة أنني لا أعرف كيف سأحمل كل هذه الكتب في حقائبي  ، و أنا كطفلة تفتح كل الهدايا عادةً ، صرت أقرأها كلها في وقت واحد .. لدرجة أنني أنهيت فصل من كل رواية و كتاب اشتريته ، و لا أعرف لماذا لا أترك الكتب في أغلفتها البلاستيكية لأقرأ كل كتاب على حدة ، لكنني أحب أن أقرأ و أحب أن أعرف .. القراءة تشبه جولة في عقل أحدهم .. 

كل كاتب يقول أنه لم يعش حياة ما يكتب من روايات يفتقر إلى الصدق ، فكل ما يكتب الإنسان يحمل أجزاء منه ، قصد ذلك أو لم يقصد ، كما أنني لو لم تعجبني روح الكاتب التي تطل من وراء حجاب الكلمات ، ما قرأت له .. و لا كتابة بلا روح ، و هذا هو الفارق الكبير بين الكتاب و بعضهم .. فالذين يتركون بعضًا من أنفسهم في كتبهم ينجحون أكثر من غيرهم و هذا الأمر لا علاقة له بإجادة اللغة و فنونها من عدمه ، و هذا ما اكتشفته بعد قراءاتي الكثيرة .

أصابني البرد منذ يومين ، و درجة حرارتي مرتفعة ، و أحد أصدقائي يوبخني ليل نهار لأنني لا أعتني بنفسي ، و لأنني أسرف في شرب القهوة و لأنني لا أنام جيدًا و لأنني لا أقول له الحقيقة ، لا أكذب و لكنني أجيد التهرب من قول الحقيقة لأنني لا أريد أن أعطيه جوابًا فأفقده إلى الأبد ، و لا أفهم لماذا يشغل نفسه بكل هذه التفاصيل ، بل أنه يكاد يقوم بتفكيكي و كسر رأسي ليعرف فيمَ أفكر ، و ممَ أخاف و كيف أشعر  ..!!

كنت أتصفح الانترنت منذ أيام و تعثرت بموقع مثير للاهتمام ، إنه موقع يبيع التعاويذ و التمائم ، موقع للسحر ، و يقولون أنه بإمكان الإنسان الحصول على أية تعويذة يبتغيها بمقابل مادي و لها نتيجة مضمونة ، و بعد البحث قليلاً ، تبينت أن أكثر التعاويذ بيعاً هي تعاويذ الحب بأشكالها ، ما بين الفقد و الرغبة و الحب من طرف واحد و البحث عن الذين أحبونا ثم ضاعوا في زحام الكون الذي كان يبدو فسيحًا ، تذكرت حينها قول آلي ماكبيل في إحدى حلقات المسلسل التلفزيوني الشهير بنفس الاسم حين قالت :
" إن أكثر ما ينتظره الناس و يبحث عنه في كل يوم و كل وقت هو الحب .. و هو أكثر الأشياء التي يندمون عليها إن ضاعت .. "

لا أعتقد أنني ضيعتُ حبًا حتى و لو لمرة واحدة .. بل أنني كنت أتمسك كل مرة بهذا الحب حتى يمد أحدهم سكينه الحاد ليقطع أصابعي و كان من المستحيل أن أتشبث بشيء و أنا دون أصابع !!


الأحد، 30 أكتوبر 2011

عن الربح و الخسـارة .. ( قصة قصيرة )




لم تكن تعلم أو تتخيل أن الأمور ستؤول بها إلى هذا المآل .. 
عشر سنوات .. حب مستتر ، و مشاعر تحترق .. أمل بني على لمسة واحدة .. همسة واحدة .. و لقاءات خائفة متفرقة ..
و مسافة قصيرة سارتها معه يدًا بيد تحت المطر منذ سنين .. 
نظرت إلى ساعتها قبل لقائهما المرتقب .. لعبت الدنيا بها بقسوة  فالذين يحبونها مغادرون دائماً و الباقون دائمًا هم ذئاب كذئاب ليلى  .. دون رداء أحمر ..!!

وصلها صوته عبر جوالها يقول : "لقد وصلت .. "
نظرت في مرآتها على عجل ، تناولت عطر الورد و رشت القليل  على معصمها الأيمن  ، توجهت إلى المصعد الذي كان مزدحمًا ، هرولت على السلالم إلى الدور الأرضي ، وقفت أمام البوابة .. 
بدا آتيًا من بعيدٍ كحلم ضبابي ، نظرت في شكر إلى السماوات التي ظللتها .. و ترددت في أذنيها دقات قلبها المضطرب .. 
رغبت خطواتها في ملاقاة خطواته فتحركت نحوه ، مشت قليلاً .. و حين اقترب .. مدت له شريانها قبل أن تمد يمناها للمصافحة .. 
صافحها سريعًا حتى أنها لم تشعر بأثر لمسته  .. حتى لمساته القديمة اختفت .. !

بدأ حديثه .. عن النساء .. فقط النساء .. لا شيء سوى النساء و النساء و المزيد من النساء .. 
هذه شقراء .. كاد يحبها  لأنها أوروبية الجمال ، و هذه تركض وراءه منذ زمن بعيد ، و هذه تريد أن تصير حلمه .. و هذه ترسل له قبلات طائرة .. و تلك تفعل .. و تلك ترغب .. و تلك تريد ..!!
كان الحديث عن كل النساء إلا هي ..!!
كيف يتغير الناس بهذا الشكل ؟؟ 
أين ذهب حبيبها و من هذا الجالس الذي يشبهه ؟؟
له نفس العينان و الشفتان و القوام و القامة .. لكنه ليس هو !!
لم ينظر إلى عينيها مرة ، لم يقل أي شيء .. لم يغذِ أشواقها  .. لم يباغتها بتربيتة على كتفها أو ذراعها .. فقط صار يهدم و يهدم و يهدم صروحها القديمة ، و شاهدت املها المتبقي الوحيد معلقاً في مشنقة .. !!
حاولت أن تغير مسارالحديث فسألته : قهوة ؟؟ 
أردف في عدم اهتمام أنه لا يريد أن يشرب القهوة ..  لا يريد أن يشرب أي شيء .. 

لا تعرف لماذا تذكرت وسط الحديث ذاك الأسمر الأنيق .. هذا الذي يرتجف إن صافحها .. و إن اقتربت ارتعد ..!!
و الذي يسترق من وقت عمله ليشرب معها فنجانًا من القهوة لدقائق .. و الذي يخشى عليها أن تسقط إن سارت .. و الذي يتابع تحركاتها و يكتفي بأن تدعوه صديقها .. 
كان قلقًا .. اتصل بها في الصباح الباكر و سألها : " هل ستقابلينه اليوم ؟؟ "
فردت على الأسمر الأنيق : " نعم .. اليوم .. "
نظرت إلى الجالس أمامها تستمع إلى حديثه عن نسائه في عدم اهتمام .. صارت تراقب الطيور المحلقة في المكان .. و الزهور البنفسجية و الوردية التي تستمع إلى نفس الحديث في ملل واضح .. !!

قفزت إلى ذهنها مرة أخرى صورة صديقها الذي منع عمال البوفيه سرًا من تقديم القهوة لها بالعمل عندما ارتفع ضغط دمها و هدد من سيقدم لها القهوة بالفصل و أمرهم باستبدال أكواب قهوتها بأكواب من الشاي الأخضر و الكاموميل و شاي الياسمين ، لقد كان حريصًا أشد الحرص عليها ، يعرف أنها لا تحب طعم السكر  .. يعرف أنها تحب رائحة الفانيللا .. و يلاحظ تغير رائحة عطرها .. و ملابسها الجديدة .. كم صديق يشتري المثلجات الايطالية و الشيكولاتة لصديقته المكتئبة  ؟؟ كم رجل يترك عمله ليكون بجوار امرأة تبكي وحدتها لساعات معرضًا نفسه للعقاب ؟؟ 

عندما أنهى حلمها الضبابي حديثه مد يده إليها برواية لمؤلف تحبه فأخذت الكتاب دون أن تفتحه ، وقفت قبل أن يقف هو ليذهب مرة أخرى إلى حيث لا تعرف هي ، صاحبته حتى البوابة ودعته و عادت خالية من الألم .
صعدت إلى منزلها .. ضحكت قليلاً .. تناولت كوبًا من القهوة وحدها .. و استدعت ذكرياتها الحديثة مع صديقها الأسمر و حائطها الناري كما يدعو نفسه دائمًا ، مدت يدها إلى الكتاب الذي أهداه إليها حبيبها القديم في الصباح ، و ضحكت بصوت عالٍ عندما اكتشفت أن الكتاب لم يكن لها ، و لكن الإهداء حمل اسم امرأة أخرى .. !!

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

في رثائهما .. منصور .. و حجازي



فقدت اليوم اثنين  .. 
أساتذة ..!!
ساهم كلاهما في تربيتي و تشكيلي دون أن يعرف بوجودي في الأساس ..!!
أنيس منصور .. هو صاحب اول كتاب مقالات قرأته في حياتي و انا في الثالثة عشرة .. كان كتاب أرواح و أشباح .. و توالت رغبتي في اقتناء كتبه فيما بعد .. 
فتح أنيس منصور أذنيه و ذراعيه عن آخرهما لترجمة متطلباتي و احتياجاتي النفسية في كتابه مذكرات شابة غاضبة .. كل شخصيات هذا الكتاب فيها قطع مني ، أنا كنت كلهن بطريقة ما ، و كانت كل البنات كلهن بطرق ساحرة أخرى .
ساعدني أنيس منصور على أن أفكر خارج الصندوق .. هذا هو أفضل ما يمكنه أن يعلمك إياه بفلسفته و جنوحه أحيانًا .. أن تفكر بشكلٍ مختلف  .. أن تحاول ان تخلق لحياتك خط يخصك .. وحدك .. و هو مدرب حقيقي بالمناسبة .. و ربما انه هو نفسه لم يدرك أنه يعلم ذلك دون أن يقصد !!
عندما كبرت ، إختلفت كثيرًا مع منصور .. فتلك مفارقة .. أن أختلف مع الذي علمني أن أفكر باختلاف ..!!
قالوا أنه شرح المرأة في عموده مواقف  كل جمعة في جمل قصيرة ، حكيمة و ساخرة و مازحة دائماً ..
رحم الله أنيس منصور .


حجازي .. 
عندما كنت طفلة .. كنت أقرأ مجلة ماجد ، حجازي و اللباد و بهجوري ..  هؤلاء الثلاثة كونوا قدرتي على التخيل ..!!
أذكر أنني كنت أبحث عن صفحات التلوين لألون ما رسم حجازي .. !!
نعم .. كنت أحب حجازي كثيراً .. لأن حجازي خطوطه واضحة و مساحات التلوين كبيرة في كل ما رسمه ، مما كان يسمح لطفلة في السادسة مثلي باللعب و التلوين دون أن تخرج عن الخط الذي رسمه للصورة .. 
و كان من السهل ان أتعلم الرسم منه ، فصرت أحاول أن أرسم مثله ، كانت شخصياته متسقة الاشكال و بسيطة ، يسهل على أي طفل أن يتعلم الرسم منه بتقليده ، أشكال سهلة ، كون بها شخصيات للقصص المصورة في المجلات  .
لقد أنقذني حجازي من توبيخ مدرسة الرسم في الصف الثاني الابتدائي لأنني كطفلة لم أكن اعرف كيف أرسم  كبقية الأطفال .. لكنني تعلمت منه  .. كنت أقلد ما يرسم حتى صرت أرسم وحدي ..!!
و عندما كبرت قليلًا .. صرت أتابع ما يرسم من كاريكاتيرات .. و أحترم أفكاره الملخصة الموضوعة في خطوط بسيطة .. و جملة واحدة او اثنتين .. و أحيانًا .. كلمتين .

و أراقب توقيعه المتميز على طرف كاريكاتيراته .. ( حجازي ) !!

و في بحثي عنه عرفت أنه طفل من 11 طفل لأبوين رقيقي الحال ، و أنه لم يحتفظ بأي من رسوماته معه ، و كان يرفض رؤيتها و هي منشورة ، كان متفانياً مخلصًا .. قنوعاً  بسيطاً لا يملك من الدنيا سوى ابتسامات وضعها على وجوه ملايين  .. و حب ناس عرفوا رسوماته و لم يعرفوه ، أنا لا أعرف شكل حجازي ..!!
لم ينشر حجازي لنفسه صورة مرسومة كما يفعل رسامو الكاريكاتير .. و لم أجد له صورة واحدة أرفقها بمقالي هذا .. لكنه ساهم في تربيتي دون أن يعرف ذلك  ..!!
رحل حجازي و بكيته كثيرًا لأنه ارتبط بجزء بريء في ذاكرتي .. أحببت حجازي كثيرًا كما أحببت اللباد ..
كتب عنه الأمير أباظة في مقاله " حجازي سيد درويش الكاريكاتير" :
" لم يكن الكاريكاتير منذ البداية هدفًا في حياة حجازي ، فقد كان هدفه دائماً البحث عن وسيلة للتعبير عن رأيه و موقفه من الحياة و الناس "
انتقد حجازي كل شيء .. !!

شكرًا أنيس منصور .. 
و شكرًا .. لصديقي من طرف واحد .. أحمد إبراهيم حجازي .
رحمهما الله رحمة واسعة .. و غفر لهما و عفا عنهما و ثبتهما .

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

أرض الذكرى .. الوطن ..!!




حوالي ست أيام عدوا من أجازتي  .. 
أول أسبوع  .. 
أجمل و أصعب جزء في الزيارة دي  .. جزء الذكريات .. 
الكمودينو اللي جنب سريري هو أكتر حاجة باتجنب اني افتحها .. لأنه مليان حاجات كتيرة اوي  .. حاجات قديمة جدا .. 
او انا نفسي أحس انها قديمة و بعيدة جدا جدا  ..
بس عشان نواجه نفسنا .. ساعات كتير بنضطر اننا نفتح الدرج المقفول بتاع الكمودينو .. !!
حتى لو اننا ساعات كتير برضه بنتمنى نكون نسينا مكان المفتاح .. !
انا كل مرة بافتكر مكان المفتاح .. و دايما اغير مكانه عشان انساه .. بس مافيش فايدة  .

ماتخيلتش ان الدرج الصغير دة ..  بيلخص حوالي 24 سنة من حياتي .. قبل ما أقرر إني أسافر و أبعد عن مصر  .. 
فعلاً ماتخيلتش ان البني آدم ممكن يتحول تاريخه لكام أجندة و دفتر و شوية كتب عليها اهداءات من أسماء كبيرة دلوقتي .. 
و كام وردة دبلانة .. محطوطين زي ما همة في السولوفان بتاعهم .. 
كام ورقة متصورة  من دواوين شعر  .. عليهم هوامش و ملاحظات .. و شوية جوابات .. دفتر اوتوجراف لونه اسود .. فيه ناس انا تقريبا مش فاكرة اساميها .. و لا أشكالها .. بس حلو اني عمالة أقرأ أمنياتهم الجميلة .. القديمة أوي  .. من ايام ماكنت لسة باقعد في مكتبة المدرسة ادور على حقايق او أشعار ..!!
في وسط دفتر الاتوجراف دة ..  لقيت أسامي ناس ماتت .. و فضل منهم الصفحة دي  .. و كام نقطة الحبر اللي كتبوا بيها الكلام دة .. و بس !!

في شوارع السويس  .. ذكريات برضه .. كل خطوة في شارع ليها حكاية  .. كل كافيه او مطعم قديم برضه له حكاية .. 
ياما الواحد مشي في الشوارع دي و عيونه مليانة أمل  و عزيمة .. و برضه حضنته نفس الشوارع و هو ماشي عيونه كلها دموع و وجع .
و ياما على نواصي الشوارع دي استنيت أحلام تتحقق  .. استنيت كلمة تفتح قلبي او طريقي .. استنيت نقطة مطر تنزل .. عشان اسلم عليها بكفي و انا واقفة تحت مظلة محل الحلواني  .. اللي في نفس الشارع .
بغض النظر عن كمية الصدق أو الكذب الموجودة في كل الورق دة .. و بغض النظر عن العهود المنكوثة .. و الوعود اللي مش حقيقية اللي بين كل الورود الدبلانة و الرسايل القديمة .. أنا فعلاً .. عبارة عن كل الحاجات دي سوا !!
غريبة اوي انك تلاقي مكوناتك في درج .. مجرد درج .. مش قادر ترمي اللي فيه و تتخلص منه لأنه جزء من ذاتك ، الماضي جزء من الذات .. 
لما بفتح الدرج دة باسمع اصوات كتيرة اوي اوي  .. صوت ناس بحبهم و همة بيضحكوا ..  صوت مخنوق بكلمة مش هاقدر افضل معاكي .. و صوت كذاب اوي .. بيقول حبيتك .. 
كل دة بيتردد صداه جوايا .. و بيفضل مدة طويلة مضايقني او مش مضايقني .. بس في مشاعر محايدة ناحية الماضي و الأشياء .. مش قادرة أحدد نوعها ... ممكن كلمة غامضة تكون أكتر وصف مناسب .
انا احب الاماكن الجديدة عشان مافيهاش ذكريات .. 
ايوة بحبها اوي  .. !!
لأني مش مضطرة اني اصارع فيها اشباح و خيالات و ناس بتتكلم جوة دماغي عشان تفكرني بحاجات نفسي أنساها ..!!
أكيد في حاجات حلوة اوي  ..  بس المشكلة ان طعم المرارة عندي مستحيل تزيله الحلاوة .. مهما بلغ مقدارها .
في نفس الوقت .. الدنيا صغيرة !!
موضوع الدنيا صغيرة دة قد ما هو مفرح و مبهج أحياناً ..  قد مابيبقى مدمر و سخيف .. لما تلاقي انك مضطر تواجه اجزاء من الماضي كان نفسك تضيع منها و تضيع منك .. 
و لما تشوفهم للمرة التانية بعد السنين .. همة كمان بيدوروا وشهم و نفسهم و مايفتكروش انك كنت جزء من دنيتهم القديمة .. زيك بالظبط !!
أسيبكم دلوقتي  .. و أرجعلكم بعدين :)


السبت، 15 أكتوبر 2011

من السويس الباسلة .. نحدثكم :)




بسم الله الرحمن الرحيم 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. 
أولى بي أن أعتذر عن  تأخري في الكتابات .. 
و لأنني دائماً أستطيع التبرير لنفسي فسأبرر لنفسي أيضًا أنني انشغلت بكثرة في الفترة الأخيرة قبل إجازتي السنوية  ..
كان يجب تسليم الكثير من المهام لبديلتي التي ستحل محلي طوال شهر ، و انا بالمناسبة أشفق عليها كثيرًا ، و لا أعرف إن كانت ستستطيع التحكم في ما تركته لها من أعمال ، لكنني أثق بأن هناك دائماً من سيتعاونون معها لإنجاز ما تبقى من عمل ضاق وقتي عن إنجازه قبل سفري .
منذ سنتين لم أحصل على إجازة سنوية ، كان كل المديرين يرفضون التوقيع على طلب إجازتي بالموافقة ، لكنني حصلت على أجازتي هذا العام و انا الآن هنا ، على أرض السويس الباسلة .
هواء مصر مشبع بالحميمية ..!!
عندما هبطت الطائرة من ارتفاعها السماوي الكبير إلى طبقة سماوية أقرب إلى الأرض ، رأيت أرض مصر بوضوح من الشباك الصغير  ،  و لم أفهم لماذا رأيت ظلال سحب تحمل صور سهداء هذي الأرض ، لا أعرف و لا أفهم .. ربما أنني تذكرتهم فعبث خيالي بعقلي المتعب ، و هذا ما يحدث معي عادةً  ..!!
عندما فتح باب الطائرة ، أول دفعة هواء تدخل إلى صدري أشعرتني بالسعادة ، نعم ، أنا سعيدة ، أنا على أرض مصر ، و عندما نزلت قدمي المريضة آخر درجات السلم المعدني ، شعرت بسعادة أكبر .. 
مصر جميلة للغاية .. !!
لا يوجد مكان في هذا العالم أكثر جمالاً ، مهما بلغت فخامته  ، فمصر لها سحر دافيء خاص للغاية ، لا شيء يهزمه ، لا شيء يستطيع أن يتغلب عليه .. لأن الله خلق لها هذا السحر و خصها به ..!!
عندما انتهيت من إجراءات المطار المعتادة من جوازات مرور و أختام و حتى استلام الأمتعة ، خرجت فوجدت أخي ينتظرني  ، لا أعرف لماذا  أشعر انه يزداد وسامة و نشاطاً و تفاؤلاً في مصر ، حتى أن صوته يبدو أكثر عذوبة و فرحًا !!

توالت الاتصالات الهاتفية من صديقاتي الحبيبات .. و أنا سعيدة للغاية بترحيبهن  و دفئهن و جمال أصواتهن الضاحكة .. 
و أنا على موعد لمقابلتهن بإذن الله في خلال الأسبوع المقبل .. :)

عندما وصلت إلى السويس .. أول ما خطر على بالي .. زيارة كورنيش القنال .. حتى قبل الذهاب إلى بيتنا !!
مصر جميلة .. يكسوها جلال و وقار و سحر .. !!
و سأكتب إليكم طوالي الوقت ..
عن رحلتي و عن لقائي بصديقاتي .. :)
دمتم بخير  .

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

عن العلامات و ما شابه .. !!




بداية .. 
اللهم إني أعوذ بك من نفسي .. !!

.......................

لا شيء يتغير .. 
هي نفسها جالسة قبالتي على تفس الطاولة و نفس المطعم .. حتى أنه نفس الطبق الذي تطلبه دائماً .. 
الفارق هو الثوب الجديد .. و كوب العصير .. لم تكن تحب اللون الأزرق .. و انا جعلتها تحبه .. كما هو الحال مع عصير الأناناس الصامت في تجسس .. 
و أنا نفسي جالسة أتصنع الاستماع بمظهر منصت و رأس تتخبط فيه التواريخ و الأرقام .. 
لازالت صديقتي تشكو من الوحدة .. !!
الأخير أيضاً فعل بها ما فعله السابقون .. لم يزد الأمر عن عدة مشاعر مسروقة  .. و لمسات مسروقة و وعد ..
هذا هو مهر خداعها دائماً .. نفس المهر .. نفس الهدايا التي تفرح بها .. نفس الكلام .. نفس كل شيء .. !!
أنظر إليها أتوقع الحرف الخارج من شفتيها في جملتها التالية ، لأنني أعرف ما ستقول و سمعت ما قالته مرارًا ، صار لي معها من السنين  ما يجعلني قادرة على التنبؤ بها .. بها كاملة .. !!
أحرك شوكتي في طبق المقبلات المشكل لأفصل مكوناته .. أنا لا أحب الفاصوليا البيضاء .. و لا أحب الحلبة .. المطاعم الصينية تستخدم الحلبة و انا أكرهها .. لماذا طلبت هذا الطبق ؟؟ لأذكر نفسي بأنني سأسمع نفس الكلام و ستحكي هي نفس القصة فلابد من أن اطلب نفس الطبق استكمالًا للصورة التقليدية ليس أكثر ؟؟ لا أعرف  ..!!
نفس الحكي .. ذاته ..
  " لقد ذهب هو أيضًا كسابقيه ، هم كلاب .. مشوهون و عابثون و مؤلمون .. بل أنهم قتلة .. "
نفس التهم .. نفس الدموع ..
و حين لاحظت ذلك دون أن أتكلم .. قالت لي : " أريد أن أصير أمًا .. أريد طفلًا .. "  و صارت الدموع أكثر غزارة ..!!
لمحتُ بقعة صفراء على طرف الشرشف الأبيض المسجى في ملل على الطاولة .. و تردد سؤال بعقلي : " هل يغسلون هذه الشراشف حقًا ؟؟ "
ثم تساءلت داخليًا : " ماذا كان يأكل صاحب هذه البقعة ؟؟ شيءٌ برتقالي ثم صار أصفر ؟؟ أم طبق أحمر صارت بقعته صفراء ؟؟ "

هذه الجميلة الجالسة تحاول لملمة أشلاء كبريائها المبعثرة ، صارت هناك يضعة تجاعيد صغيرة رقيقة حول فمها الدقيق ، و لم تكبر بعد ، لم تكتسب من الأسلحة ما يكفي  .. لأنها ربما لم تربح و لا مرة أي شيء .. تخرج خاسرة دون دروس أو أسلحة أو حتى دفتر ملاحظات صغير .. تقول فيه لنفسها : " انتبهي للعلامات .. تجنباً للسقوط ..!! " 

أؤمن بالعلامات .. !!
بل أنني أعتقد أن من لا يراها معصوب العينين ..  توجد علامات على دروبنا .. طول الوقت .. و أكثر العلامات ضخامة هي عادة التي لا نراها .. و مكتوب فوقها : " إحترس .. أمامك هاوية " ..
 "إحترس .. الطريق انتهى .. "
 .. " إحترس .. إنهيار أرضي "
كم من الزلازل يا عزيزتي يلزمك لتتقني قراءة العلامات ..!!
كم من الطبقات الروحية ستفقدين .. لتتقني البحث عنها بعينين مفتوحتين ..!!
صرخت فيَ بصوتٍ عالٍ :
" تحدثي .. يا أنتِ .. قولي شيئًا .. خبريني .. قولي أنهم مخطئون .. قولي انهم مخادعون "
نظرت إليها في هدوء ..  ثم قلت : 
" ألم تلاحظي يا صديقتي أبدًا .. أن الذي يتغير في هذه الجلسة و في هذا المطعم شيئان فقط  ؟؟ "
قالت : 
" ما هما ... ؟؟ "
أجبت في سرعة : 
" النادل و التاريخ .. !! "

نعم .. نحن نبدأ من نفس البدايات .. و ننتهي إلى نفس الوضع .. !!
لا أعرف إن كانت قد فهمت ما أقصد .. لكن جملتي هذه جعلتها تمسك بكوب العصير و تمسح عينيها الدامعتين .. و كفى !!