الثلاثاء، 11 مايو 2010

مقهى الكراسي الوحيدة

cafe

هذا هو المكان الأفضل على الإطلاق لممارسة الوحدة .. !!



كل الجالسين هنا وحيدون .. او هكذا يبدو عليهم ..!!


كل شخص .. يجلس بصحبة حاسوبه على الطاولات الفردية ، أو على كرسي مفرد بصحبة كتاب ما ، و لم أرَ أي اثنين يجلسان سوياً أبداً ، حتى ان مقاعد هذا المقهى و أرائكه تبدو في حالة انتظار دائمة لشيء مجهول ، الأرض البنية الخشبية اللامعة دائماً ، و الكراسي الوثيرة الشجرية اللون ، لا أعرف لماذا يبدو اللون الأخضر حزيناً في هذا المكان .. لكن كل شيء هنا يبدو حزيناً للغاية و وحيداً ، المكان و رواده و الموسيقى و الأضوية الجانبية ، و الطاولات المرتفعة ، و الأكواب حتى !!


كانت هناك فتاة تأتي كل سبت ترتدي دائماً قلادة فضية معلق بها قلب ممزق الأطراف ، كنت أراها تبكي على الطاولة رقم 6 ، حتى و إن كان المقهى فارغاً إلا كلتانا ، فإنها تذهب إلى تلك الطاولة لتشرب شاياً مثلجاً ثم تبدأ في البكاء ، و كنت اراقبها تستهلك كميات بشعة من المحارم الورقية ، ثم انقطعت عن المجيء إلى المقهى فجأة ، لم أجرؤ على قطع انهماكها الشديد في البكاء الموجع و الألم في أي مرة رأيتها فيها ، بل أظن أنها ربما ماتت من فرط الألم ، لا أعرف لماذا يحترف بعض الناس الحزن إلى هذه الدرجة ، إلى درجة الموت حزناً ، و لا أفهم أي نوع من الظلم نظلمه لأنفسنا حين نقيم عزاءات ضخمة طويلة المدى تضيع من العمر أوقاتاً لو تم استغلالها بشكل أفضل لحققنا فيها أشياء كثيرة ، حتى و إن كانت محاولاتنا للسعي وراء أحلامنا فاشلة ، فإنه يكفينا أننا حاولنا و لم نقتل الحلم جنيناً ، إنما ألقى بنفسه من فوق صخرة الحقائق طوعاً .


كانت كاثرين نادلتي المفضلة ، و منذ ذهبت و انا أعاني من سوء فهم النادلات الجديدات لما أطلب ، غير أن ذوقها في الموسيقى كان رائعاً ، فلا تسمع إلا ما أفضله ، فالمعزوفات كانت دائماً لروب كوستلو و موتسارت و راؤول دي بلاسيو أحياناً ، و لم أبكِ في هذا المكان و لا مرة .. لكنني آتي إلى هنا لأنه مكان بعيد يصعب على أحبائي المتطفلين توقع وجودي فيه فأكتب قليلاً و أراقب الناس في فضول مهذب قليلاً و أتناول قهوتي في هدوء .


الشيء الرائع ، هو انني حين أتجول في عقلي ، لا أجد هذا الرجل الشهم الشاب الذي كنت أذوب بين يديه في اليوم ألف مرة ، أشك بعقلي كثيراً ، حيث أنني أؤمن أنني لم أحب سوى صورة حلوة ، ركبتها و صنعتها و أوصيت نحاتاً مجهولاً بصنع تمثال رائع ، أقدم له القرابين في جهل بين ، عل الحياة تدب فيه ذات عيد ما !!


في أحيانٍ كثيرة ألعن غبائي الشديد ، و سوء تصرفي و ضعف تفكيري ، حين يتغلب علي هذا الضعيف الماكث في منتصف صدري ، و أود ان أطرده خارجاً بحرارته هذه ، ثم أركب بدلاً منه قطعة من الرخام الثمين البارد صيفاً و الدافيء شتاءً ، فلا أحمل هم وجعه ، أو نزفه ، أو تمزقه ، و لن يساومني احد على وحدتي ، أو على أنوثتي المختبئة اختياراً عن الصيادين و المحتالين و راغبي الأشياء المجانية .


لا زلت أسافر في أفكاري و الزمن يداعب عقارب تلك الساعة الوحيدة جداً أيضاً الموجودة بركن هذا المقهى ، لا أعرف لماذا أهوى الكتابة في المقاهي !!