الأحد، 13 نوفمبر 2016

لأن لا أحد يفهم..


لن أعتذر عن الألم الشديد الذي سيقرأه المارون من هنا، لأن لا حيلة لدي سوى الكتابة، أنا أريد أن أكون شجاعة وأريد أن أواجه الألم بالكتابة، لذا؛ فعلى الذين يرجون شيئًا أكثر تلونًا من حزني المعتق السخيف أن يغادروا حالاً، لأن لا شيء هنا سيبهجهم.
هل يجب أن أعتذر حقًا لأنني لا أستطيع أن أفرح؟ هل يجب أن أدين لأحد باعتذار لأنني لا أرى أي شيء سوى السواد المطبق حتى في ضوء الشمس، ولا أسمع سوى صلواتي الداخلية راجية التخلص من الألم وسط نغمات الموسيقى وزقزقة العصافير وخرير الماء من النبع الخزفي الذي يصلني من النافذة المثبتة على الحائط خلفي؟ أنا لا أعتذر لأحد، ولن أعتذر لأحد، أنا حزينة.
كم شخص في هذا العالم قضى عيد مولده السادس والثلاثين في غرفة انتظار عيادة طبيب؟ وكم شخص تسلم الرسائل المهنئة له بعيد مولده وهو لا يعرف كيف يرد عليها ولا يشعر بها، لا يشعر بأي شيء سوى أن هذا اليوم يجب أن ينتهي، ككل الأيام التي يجب أن تنتهي لأنه لا يشعر بشيء يختلف عن الحزن، فقط الحزن، الذي لا يبدده أي شيء، لا زهور ولا هدايا ولا حب الأصدقاء، وبجوار هذا الحزن توجد الوحدة، التي تمكث بداخلي كامرأة طاعنة في السن، شديدة البشاعة، تضع أثقالاً شديدة على صدري كل ليلة، وتجرجرني  بسلاسل صدئة خلال اليوم حيثما ذهبت، وتخرج من داخلي لتمكث في ركن مكتبي، وبجوار مرآتي بغرفة النوم، وعلى أريكتي.
أحاول أن أضحك، يقولون إن ضحكتي رائعة، فأمنحهم ما يريدون من قهقهات كلما شعرت أنهم يرغبون في ذلك، وأنا أشعر بفراغ، فراغ عظيم لا يملأه أي شيء، لا الصلوات ولا الحكايات ولا أكواب القهوة ولا اللقاءات العاطفية، أخبرني شخص ما أنني لوح ثلج وانتظر مني أن أغضب كأنني لا أعرف ذلك، انا أعرف أنني لوح ثلج منذ فترة طويلة، أعرف ان كل شيء غادرني وذهب، ولم يتبق سوى هذا السواد وهذه العجوز الشريرة التي تجرجرني طول اليوم بسلاسلها الثقيلة، قام هذا الشخص بإهدائي أغنية وقصيدة في يوم آخر، حاولت أن أستجمع مشاعري لكنني استحلت إلى لوح ثلج مرة أخرى، وطلبت منه أن يتركني لأنني لا أريد أحدًا.
يعتقد الطبيب انني يجب أن انضم إلى مجموعات الدعم الجماعية، حتى أستطيع ان أتخلص من مشاكل الثقة، لم أعد أستطيع أن أثق بأحد او أن أصدق أحد، حتى الطبيب نفسه في أحيان كثيرة لا أصدقه، لكنني اتناول الدواء حتى لا أفعل شيئًا أكثر مأساوية من الوجود في هذا العالم عديم الجدوى والرحمة والصدق، هناك شيء ما آخر فقدته منذ أشهر قليلة، وهو التعاطف، أنا ما عدت قادرة على التعاطف مع أحد، بل أنني أسأل نفسي إلى أي درجة يتألم هو مقارنة بألمي، وإلى أي درجة يشعر هو بالسوء مقارنة بالثقل والعجز اللذين أشعر بهما منذ أشهر طويلة؟ هل يشعر أنه محتجز وعالق في هذا العالم مثلي؟ لا أعتقد، إذن فانا أولى منه بالتعاطف.
يجب أن تبدأ مجموعات الدعم الجماعية في العام القادم، لكنني لا أعرف ماذا أخبرهم، ماذا أخبر حفنة أخرى من الأشقياء التعساء على هذا الكوكب؟، هل أخبرهم بأنني لم يحبني أحد ثم أبكي؟ ومن ثم يناولني أحدهم المحارم الورقية وكوب ماء بلاستيكي لأهدأ قليلاً؟ أو ربما أحظى بإبرة مجانية من الكلورديازيبوكسايد حتى أستطيع ان أقود إلى بيتي بعد أن أبكي امام أناس لا أعرفهم؟ أم أخبرهم أنني شخص تعرض للاستغلال العاطفي لفترات طويلة من حياته ثم صار لوح ثلج؟ أم أخبرهم انني أشعر بمرارة مستمرة لا تختفي، أو أنني أشعر أن العالم عديم القيمة وأن الناس أشرار وأنني فارغة من الداخل؟ هل أخبرهم أنني أشاهد الرجال الذين أحببتهم ولم يحبوني وهم سعداء مع نساء أخريات ثم أشعر بالفشل أكثر؟ هل أخبرهم بالخيانات المتتالية المتعددة في كل مرة؟ ماذا أخبر الآخرين في مجموعات العلاج؟ لا أعرف.
لا أعرف كيف أشرح أن جزءًا مني غادر إلى الأبد ولن يعود مرة أخرى، لا أعرف كيف أشرح أن بقائي المجرد هنا هو تصرف شجاع للغاية وأنا أعرف ذلك، لا أعرف كيف أخبر الناس أنني لا أنتمي إليهم، وأنني تم تمزيق قلبي لآخر مرة ممكنة، وأن ما تبقى منه احترق بالكامل، وأنني فارغة تماماً، كيف يمكن لأحد أن يتفهم كل هذا الألم؟ لا أحد يفهم.. لا أحد