الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

ماذا الآن..!


كيف يبدأ الإنسان الحديث عن كل هذا الألم وكل هذه الخيبة؟
كيف أستطيع اختزال كل الوقت المؤلم الذي مر فوقي؟ هل تعرف معنى أن يمرالوقت فوقك؟ أن يدهسك الزمن؟ هذا هو ما أحاول أن أجد لغةً تصلح لكتابته تحديدًا، هذا الشعور الذي لا يمكن التحدث عنه، لكن الكتابة تشفي، وأنا مضطرة لممارستها هذه المرة كإبرة علاجية تنتمي إلى صندوق أدويتي ذو اللونين الأخضر والأسود، نعم.. لقد صار لدي صندوق أدوية وأدوية أتناولها بانتظام ولا أجرؤ على إهمال أيها.
بدأ كل هذا في يناير الماضي، مرض أبي الحبيب مرضًا مفاجئًا وثقيلًا، ثم توفي في فبراير وتركني وحيدة هنا، مع كل هؤلاء وبينهم، أشعر أنني طفلة نسي والدها موعد خروجها من المدرسة، فقررت أن تجلس على درج المدرسة في انتظار والدها ليمر لأخذها، أنا أنتظر أن يمر بي أبي ليأخذني أيضًا.. لكنه يمر للزيارة فقط، أراه في أحلام قصيرة، أراه مبتسمًا يتحدث معي، أخبره أنني أحبه في كل مرة فيبتسم، ثم يرحل في ضباب أبيض وأفيق أنا لأبقى هنا، عالقة في هذا العالم وحدي تمامًا.
اضطررت أن أمر بكل هذا وحدي، أنه لم يكن هناك أحد، الناس يملون ويختلقون أسبابًا للرحيل وأنا أتركهم يرحلون ثم أغلق الباب خلفهم، وهكذا صرت أشعر بأنني لا أدين لأي أحد بأي شيء، ولا حتى كلمة شكر واحدة. تأكدت أن ما يقوله الآخرون عادةً لا يجب أن يؤخذ بجدية أبدًا لأن الزمن يمنح كل علاقة وكل شخص اختبارًا والنتيجة هذه المرة هي أنه لم ينجح أحد على الإطلاق وكان هذا مؤلمًا وحقيقيًا تمامًا، كأنني تجرعت كل الألم الذي تم تقديره في حياتي مرة واحدة وبعد هذا تجمدت مشاعري كلها نحو كل شيء وكل أحد، فما عاد يعنيني ألم الآخرين أو وحدتهم أو شقاءهم، فليذهب كل الآخرين إلى الجحيم أو الجنة لم يعد هذا مهمًا أيضًا.
ومن أجل ذلك، ما عدت أهتم بالآخرين، أراهم نكات بذيئة مضحكة، بل أن هناك أشخاصًا بعينهم أتذكرهم في نكات بذيئة فقط لا غير، وهم بالمناسبة لا يستحقون أكثر من هذا، أن يكونوا أجزاء رخيصة من نكات بذيئة لا أكثر ولا أقل، فهم يريدون صداقتك وكرمك ومساعدتك ولكنهم لا يعتقدون أنك تستحق شربة ماء إن كنت تموت عطشًا لأنهم لا يشعرون أنه يجب عليهم سقياك.
كانت خيبتي ضخمة بالإضافة إلى مصابي الجلل في فقد أبي الحبيب رحمه الله، فمرضت وكنت وحدي أيضًا، ولم يكن هناك أحد، كنت وحدي أذهب إلى المواعيد الطبية الكثيرة وأجري التحاليل والاختبارات وأصلي لله تضرعًا ألا تكبر مصيبتي بمرض أحتاج فيه إلى أحد لأنه ليس لدي أحد.
أشاهد الدنيا الآن بسخرية وأضحك أكثر، أضحك لأنني ليس بوسعي أن أفعل شيء آخر، فقط أجلس كالطفلة على درج المدرسة أنتظر أبي وأِشاهد الناس وأضحك، أضحك لأنني وحدي، وأضحك لأن كل شيء كان مزيفًا وأن الأشياء الوحيدة الحقيقية هي الألم والوحدة والفقد والموت، وما عدا ذلك فهو وهم.
وفي النهاية؛ شكرًا لله الذي خلق الحيوانات الأليفة، التي لن تتركني من أجل الآخرين، ولن تطعنني بسكين في وقت ضعفي ولن تتخلى عني وقت احتياجي لها.