الجمعة، 22 يونيو 2012

حَــديثُ ذاتْ.. 9







انتبهت إلى أن اليوم الثاني من حملة التدوين انتهى دون أن أكتب شيئًا، فابتسمت!!
أحيانًا ما تمثل الكتابة مقاطعة لأحلامي، على الرغم من أنها أكثر ما يقربني منها، ربما لأنها أكثر واقعية من ذلك الجزء الخفي بنفسي الذي أحاول أن أخفيه حتى عن الكتابة، ولكنني سأتحدث.. ربما سأفعل!!
فنجان صغير من قهوة شقراء تركية بالبندق والحليب يكاد يتحرك من فرط ملله من انتظار فكرتي الملائمة للكتابة، لكنني لا أعيره اهتماماً لأنه صار باردًا، بينما أمارس الحلم بشكل داخلي بحت لا يستطيع أحدٌ ملاحظته لأنه من الصعب أن يتخيل أحد أن تلك الجالسة في ركن المنزل صامتة تماماً تنظر إلى شاشة عليها ورقة بيضاء بوجه خالٍ من التعبيرات تماماً تحلم بشخصٍ/ شيءٍ ما!

أحب أن أكتب صباح الجمعة حيث الأمور كلها هادئة؛ فلا مكالمات هاتفية غير متوقعة ولا زيارات صباحية مبكرة لأن الجميع مشغولون وكلٌ له خطته، أما أنا فلا خطط لدي ولكنني أتوقع أن تأتي ابنة شقيقتي في وقت ما للعب فوق أصابع البيانو، أو ربما ستأتي لتطلب مني أن أطلي لها أظافرها المنمنمة الصغيرة باللون الأحمر أو الوردي.. حسب الفستان الذي سترتديه في «فسحتها» الأسبوعية مساءً.. ولربما تطلب بضع رشات من العطر «البمبي».

وفي هذا الركن الشمال الشرقي من صالة شقتنا؛ حيث تقع ورائي بانوراما زجاجية كبيرة تكشف الشارع، صرت أسترجع صوته، وصرتُ أفكر إن كان بإمكاني تعبئة صوته في كبسولات صغيرة ملونة، تمنح الحنان والدفء والحب طول الساعات التي لا أستطيع الحصول عليه فيها، لا شعور يشبه ما يفعله بي صوته، لا أعرف كيف يتحول صوته إلى «حضن» أرى فيه أحلامًا مجسدة، أحلامًا نحيتها وغطيتها وغالبتها لوقتٍ طويل، أريد أن أفعل ذلك بضحكاته أيضًا وبأنفاسه الهادئة، سأضع كل هذه الكبسولات في علبة كريستال لدي منذ وقت طويل ولم أعرف ماذا أفعل بها.

قمت في الصباح الباكر فحملت السجاد خارج غرفتي، وسكبت الماء على البلاطات الباردة، جربتُ أن أرقص فوقها مغمضة العينين لكنني لم أستطع لأنني كسرت قدماي الاثنتان قبل ذلك، فصرتُ أخاف الانزلاق جدًا، نظفت الغرفة، فتحت الشباك الوحيد بها، شاهدت النور ينعكس فوق البلاطات اللامعة النظيفة، وكانت أنغام تغني حينها: 
«مانت الدنيا وأحلى ما فيها
طيبة قلبك بتحليها
إنت الفرحة اللي باعيش بيها عمري معاك
ياه ياه ياللي عيونك دول حكاياتي
خدني مني يا كل حياتي
خدني أعيشلك أجمل آتي.. عمري معاك»..

مشيت حافية فوق البلاطات السكرية لأتحقق من جفافها، الآن أستطيع أن أقف على أطراف أصابعي وأن أمد يدي إلى الأمام وأن أمشي بضع خطوات هكذا، حرارة ضوء الشمس على صدري، البلاطات الباردة تحت قدمي وعطر الورد يملأ الجو بينما أنغام ما زالت تغني، مشيتُ ثم شعرت بيديه تمتدان إلى يدي ليسحبني نحوه تدريجيًا وأنا أسير على أطراف أصابعي، سمعتُ ضحكة خفيفة من ضحكاته الكثيرة - هو له أكثر من ضحكة - ثم شعرتُ به يأخذني إلى صدره، يضمني إليه سمعت دقات قلبه، شعرت بتربيتاته على ظهري للحظات، ففتحت عينيَّ.. ولم يكن معي!!
ثم خرجت أبحث عن سجادة غرفتي، فرشتها، غيرت ملاءة الفراش الزرقاء إلى أخرى وردية، بها زهور وردية بلون أغمق، غيرت أكياس الوسادات، حملت الدب الأبيض الصغير إلى ركن الفراش، غمزتُ له بعيني اليسرى، وهمست في أذنه: «فقط.. لا تخبره..!!»، بينما ميادة تغني:
«أنا بعشقك أنا بعشق الكلمة اللي بتقولها وبعشق ضحكتك
 أنا بعشقك أنا بعشق الليل اللي في عيونك وبعشق رقتك
 أنا بعشقك أنا بعشق الأرض اللي عَدّت فيها يوم خطوتك».