الجمعة، 6 أبريل 2012

أَلْــــــــــوانْـــــــ : عن الأمنيات البيضاء



استكملت حكايتها قائلة:
«ثم لم تشترِ لي أمي الفستان الأبيض الذي حدثتك عنه، على الرغم من أن لدي حذاء أبيض يناسبه تماماً وله كعب عال، ولدي حقيبة بيضاء مغطاة بالريش وعصابة شعرٍ بيضاء رائعة عليها خمس وردات صغيرة».
ثم رفعت ذراعيها السمراوين الصغيرتين في الهواء لتدور حول نفسها دورة كاملة، راقبت خصلات شعرها الأسود الناعم تتطاير وعيناها مغمضتان، ثم سمعتها تقول:
«هل تعتقدين أن اللون الأبيض لا يناسبني يا عمتي؟».
ابتسمت وأنا ألتقط كوب القهوة الكرتوني، وقلت لها:
«كل الألوان تناسبك، الأبيض والوردي والأحمر.. فأنتِ أجمل الصغيرات على الإطلاق..».
اتجهت نحو النافذة الزجاجية الكبيرة، وقفت على أطراف أصابعها وتشبثت بقضيب معدني لامع لتراقب السيارات الملونة، ثم أخذت تعد السيارات البيضاء بصوت مرتفع.
شيروثي أكبر مشاكلها الفستان الأبيض، والانتقال إلى مدرسة جديدة لا تعرف فيها أحدًا، وتشكو أن شقيقتها الصغرى تشد شعرها الطويل واستولت على دميتها المفضلة، وغضبت عندما فقدت كتابها الأبيض عندما انتقلت مع أسرتها إلى منزلٍ جديد، كتابها الذي كان يتحدث عن أميرة تهبها إحدى الجنيات ثلاثة صناديق.

الأوراق البيضاء ملقاة على الطاولة بينما الصغيرة جالسة على الأرض أمام الجدار الزجاجي، عبثاً أحاول أن أكتب بضع كلمات عن لونٍ أحبه، أو عن لونٍ يذكرني بشيء أحبه، مسكينة هذه الأوراق التي تحمل وزر الكتابة، ضعيفة ولا حيلة لها حين تبدأ الأقلام في اغتصابها إلا أن تستكين لتحمل سفاحاً بعض الأسرار أو الحقائق أو الأكاذيب، وأنا أشارك في ذلك لأنني أحاول أن أجد شيئًا أكتبه ليناسب حدث الكتابة عن الألوان، فأنا أقمت الحدث واستضفته ولم أكتب شيئًا إلى الآن لأن الكتابة صارت صعبة؛ حين أبحث عن كلمات أغسلها في قلبي أولاً لتكون بالطهر المناسب للمرور بعينيه، قبل أن يرفع قلمه الأحمر ليبدأ في تصحيح أخطائي بنصف ابتسامة مغرية، ولا أظن أن موهبتي المتواضعة في الكتابة تسعفني دائماً في هذا الخصوص، ولكنني أحاول!

وقفت شيروثي أمامي ثم استأذنت في أن تسحب ورقة بيضاء وأن تستعير هذا القلم الرصاص الذي أحاول أن أكتب به، أعطيتها ما طلبت ثم جلست.. راقبتها ترسم مزهرية وزهورًا، ثم خبرتني أنها ستقوم بتلوين هذه الرسمة البيضاء بالألوان حين تعود إلى المنزل، أو أنها ستبحث عن حبات قطن ملونة بين أدوات زينة والدتها لتلصقها بدلاً من التلوين، أحب هذه الصغيرة لأنها مبدعة حقًا!!

الآن تأكدت أنني يجب أن أكتب عن اللون الأبيض، ربما أكتب عن قميصه الأبيض الذي ينعكس لونه على بشرته فيصير جبينه وضاءً أكثر وتلمع عيناه أكثر، أو ربما أكتب عن قنينة عطر الفانيليا البيضاء التي تقيم قطراتها على صدري بشكل دائم، أو عن عم أحمد البستاني - رحمه الله - الذي كان يعتني بحديقة الواجهة لإحدى الشركات التي عملت بها وكان يهديني ياسمينة عربية بيضاء كل يوم في موسم الربيع قائلاً :«صباح الياسمين يا وردة..».

وأذكر أن إحدى صديقاتي المقربات تمنت لي مرة أن أكتب قصة بيضاء، وعندما سافرت صديقتي إلى إيطاليا منذ أربع سنوات خبرتني أنها ألقت لأجلي في نبع التريفي ثلاث عملات معدنية، ثم أسهبت في الشرح وقالت إن التقاليد القديمة الإيطالية تقول إن لكل عملة معدنية معنى، فالعملة الأولى من أجل أن يرجع صاحب الأمنية إلى إيطاليا، والعملة الثانية من أجل أن يقع الشخص في الحب، والعملة الثالثة من أجل أن يرتبط بعد الحب إلى الأبد بالزواج. خبرتني أنها فعلت ذلك لأجلي بعد أن أخبرها أحد العجائز الإيطاليين بإمكانية أن تلقي بعملات معدنية لتتحقق أمنياتها لشخص آخر.
صديقتي الحلوة تؤمن بمثل هذه الأشياء، وتحب اللون الأبيض وتعتقد أن القلوب في الأصل بيضاء لكن الدم هو الذي جعلها حمراء، وأن الحب أبيض لأن لا لون يتصف بالنقاء والبراءة مثل الأبيض، وتؤمن بأشياء كثيرة كقوة الألوان.. وتعتقد أن اللون الأبيض أكثر الألوان قوة وتأثيرًا وقوته مثل الأسود تمامًا..

أما أنا فلم أنتبه إلى اللون الأبيض إلا اليوم، عندما قامت تلك الجميلة الجالسة على الأرض بالحديث عن فستان أبيض أعجبها ولم تشتره، وعندما لاحظت أن جزءًا يخفق في صدري وقتما تذكرت صديقتي ذات الأمنيات البيضاء وقصتي التي ربما ستكون بيضاء كهذا الضوء الداخلي الذي تشعه روحي إن لامست روح صاحب القميص الأبيض!

على الهامش :

ملهمة الكلمات بالأعلى هي هذه الطفلة الجميلة : Shruthi Raja