إنها الإجازة السنوية إذن!!
حاربت حروبًا ضروس من أجل هذه الإجازة التي حصلت عليها ولا أعرف ماذا سأفعل بها حتى الآن، مضى منها أسبوع كامل وأنا ألعب ألعاب المغامرات الإليكترونية فأبحث عن مفاتيح وجثث وجماجم وما إلى ذلك طول الوقت، ومعي رواية البصيرة لساراماجو التي لم أنتهي منها بعد واليوم خرجت لأمشي مع والدي قليلاً على «الكورنيش» حيث الأطفال وبائعي البطاطا والحلبسة والترمس، ثم عدت إلى المنزل لأشاهد فيلمًا كوميديًا مكررًا مع أسرتي، ثم انسحبت لمحادثة إليكترونية مع صديقة، ثم قررت الآن فجأة أن أكتب شيئًا لا أعرف ما هو، لكنني أخذت علبة «كوكاكولا» من الثلاجة وفتحتها ثم جلست أكتب، ولمن لا يعرفني جيدًا أقول إنني لا أتناول المشروبات الغازية أبدًا ولا أحبها، وهذا خطبٌ جلل أن أشربها بنفسي دون ضغط من أحد.
لا أريد أن يرتبط القدوم إلى الوطن بالخذلان عندي، ولا أريد أن يرتبط العيد بالألم، لكن الأحداث المؤلمة عادة تختار أوقاتًا مميزة لتخريبها ولا أفهم ما هي ميكانيكية حدوث ذلك، لكن هذا يحدث معي باستمرار، فاقترحت إحداهن علي أنني ربما مسحورة أو معمول لي «عمل» بخراب الأشياء التي أحبها، وأنني ربما أحتاج إلى معالج أو ما شابه لفك السحر، ثم قالت أنني ربما بي «عين» لأن الخراب الذي يلم بالناس والعلاقات والأشياء التي أهتم بها وأحبها غير طبيعي..!!
والله ما تخيلت أن يقترح علي أحد مثل هذا الاقتراح، أعرف أنني ملعونة فيما يتعلق بأشياء كثيرة، وسيئة الحظ عادة فيمن أقابل لدرجة إنني صرت أشك في وجود البشر الأسوياء أصلاً، وأنني أرى السيكوباتيين يتجولون على البسيطة طوال الوقت وأرى النرجسيين يمشون بالشوارع بشكل عادي جدًا، وتذكرت حينها الطفل في فيلم الحاسة السادسة إذ يقول: «أنا أرى أمواتاً.. طوال الوقت ولا يعرفون أنهم أموات » وأنا أيضًا أرى سيكوباتيين ونرجسيين طوال الوقت؛ وهم لا يعرفون أنهم مرضى.
للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا يضايقني البدر الذي يعكس نوره على شرفة غرفتي، اكتشفت اليوم أنني لا أحب القمر ولا أطيقه، بل أنني أهرب من رفع رأسي إلى السماء لئلا أراه، لكنه موجود بالأعلى والناس يحبونه، ولأن كل الناس يحبونه أعتقد أنه لن تضره كراهيتي..
فأيها القمر البدر السخيف المستدير المنير الذي يعكس نوره على شرفتي.. أنا أكرهك..!
من أكثر الأشياء التي كنت أحب رؤيتها في الكورنيش هو الحب المتجول على الأرصفة، هذا الحب المجاني وكل العشاق والمخطوبين والمتزوجين حديثًا حين يسيرون بأيدٍ متشابكة خشية أن تتسرب منها أحلامهم، كنت أحب أن أرى ذلك ولكنه ساهم اليوم في زيادة شعوري بالخذلان والفراغ، ولا أفهم لماذا يمعن الوطن في تعذيبي بالرغم من أني مواطنة صالحة أدفع الضرائب ورسوم التصاريح كلها بانتظام ولا أكسر القوانين ولا أرتكب المخالفات وأدعم الصناعات المحلية الرديئة!!
فـ ليه كده يا وطن؟؟
لدي مواعيد مقابلات مؤجلة مع أصدقاء عديدين، ومواعيد للقهوة والحكي مع كثيرات، لكنني أخشى أنني لن أستطيع الوفاء بالتزامي هذا، أنا أحتاج إلى طاقة للتغلب على الخذلان والفراغ، والسيكوباتيين والنرجسيين.
أعتقد أني يجب أن أغلق هذه الشرفة التي تسمح لنور القمر بالدخول إلى هنا، لا أريده أن ينعكس على مرآتي، ويجب أن أذهب للنوم..
تصبحوا على خير..
P.S : اللهم عليك بالسايكوباتيين ومن والاهم!!