السبت، 13 أكتوبر 2012

حديث ذات.. 12




السبت..
أول يوم في الأسبوع يسير بطيئًا للغاية، كل شيء يبدو بطيئًا، السيارات والناس والوقت وركوة القهوة التي تغلي بلا انقطاع على الموقد في المطبخ، فكل المحيطين بي في المكاتب المجاورة نصف نائمين، ولا أعرف كيف قادوا كل تلك المسافة من بيوتهم إلى موقع هذا المشروع في قلب الصحراء وهم يكادون لا يفتحون عيونهم إلا بالقدر الذي يقيهم الاصطدام بالآخرين في ممرات المكاتب.
بالأمس كنت أتفقد بريدي الإليكتروني ثم قررت أن أقوم بعملية فرز سريعة وأرشفة للرسائل التي وردتني خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فانتبهت إلى نسخة إليكترونية من كتاب أرسلته إليّ إحدى صديقاتي لأنها ظنت أن عليّ أن أقرأه، ظللت أنظر إلى الكتاب ذو الغلاف الملون، ولم أرد حتى أن أتصفحه، الكتاب يتحدث عن كيفية التعامل مع الرجل وكيفية الاحتفاظ به.
منذ سنوات كثيرة، كانت الناس أكثر استقرارًا وهي بمعزل عن مثل هذه الكتب، التي تضع عوائق وقواعد وقوانين ومعادلات للتعامل مع شخص هو في الأصل جزء منك، تستند عليه روحك، وبالمناسبة فإن كتب العلاقات هذه تبيع مبيعات خيالية، وهي تجارية الغرض جدًا، ولم أقرأ منها سوى كتابًا واحدًا منذ أكثر من سبعة سنوات، كان ذلك الكتاب الذي يقول أن الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة وكليهما يتحدثان لغتين مختلفتين، وقد بلغ الأمر من التعقيد مداه عندما وصلت إلى منتصف الكتاب ولم أستطع أن أكمله، الحب لا يكون بالحسابات، كل هذه الكتب خاطئة، كل هذه القوانين فاشلة، والعاشق لا حاجة له بمثل هذه التعقيدات الكثيرة.
لا أفهم إلى الآن ما هو الشيء الذي يجعلك تصدق شخصًا غريبًا، لا تعرفه ولا يعرفك ولا يعرف معشوقك الذي تسعى إليه بقلبك، مع إن الأمر كله أسهل من ذلك-وأتفهم أن سيكولوجية المجتمعات العربية معقدة إلى حدٍ ما- لأنك لا تحتاج سوى أن تكون نفسك، أن تقبل الآخر فتكون لينًا وصبورًا وصادقًا، ولك مثل الذي عليك من الصبر والتقبل والتفهم، ولا حاجة لك بالكثير من الحسابات التي تفسد الأمر على الشريكين وتجعله أكثر تعقيدًا في مجتمعات تعاني من تخلف في ثقافة المشاعر بشكل عام يدعو إلى الخزي. نحن نعيش في مجتمعات لا تفرق بين الحب والإعجاب والشهوة وتخلط بينهم بشكل سافر ومقيت.
الكتاب يفترض نمطًا شخصيًا واحدًا للفرد محل الدراسة، والله لم يخلقنا لنصير نسخًا متشابهة، نقول نفس الكلام ونشعر بنفس الأشياء ونتحدث بنفس الطريقة ونحب بنفس الطريقة، وهذه فرضية سخيفة مثالية وليست صحيحة، أنت لا تحتاج إلى كتيب إرشادات أو «كتالوج» لتحب شريكك، هو لا يحتاج منك سوى الرحمة والود والتفهم والصدق.
انتبهت الآن إلى أن كوب القهوة فارغ، ويجب علي أن أقوم بإعداد قهوتي وسأرجئ ذلك إلى أن أنتهي من الكتابة، أنا أشتاق إلى الكتابة وأحبها، وأكره أن أكتب في مكتبي لكن لا شيء لدي لأفعله يوم السبت الذي يمر هادئًا خاليًا من المنغصات العملية البغيضة.
و في مثل هذا الوقت حين أكون وحدي أستحضر ضحكاته، أقول له دائمًا.. «ضحكتك أجمل ما خلق الله من ظواهر طبيعية..!» لأنه إن ضحك أشرق عالمي بنور خفيف مطمئن لا يشبه البرق ولا الشمس، لكنه نور مختلف، يضيئ قناديل خفيفة في سراديب القلب الذي هو نجمه المغروس كاليقين، وانطلقت بداخلي فراشات لها أجنحة زرقاء ووردية لتحط فوق زهور صغيرة أينعت كياسمينات فجائية في جانب ما من نفسي!!
يجب علي الآن أن أقوم لملء كوب القهوة، ثم سأواصل قراءة كتاب أحضرته معي لأنني أمضي الوقت يوم السبت عادة أقرأ، أعرف أن من يتابعون صفحتي منكم يعرفون الكثير «عنه» ويرونه مشعًا بجلال وهَيْبة وسط الكلمات، ربما سأحكي لكم عنه لاحقًا، حين تسعفني الأبجدية القاصرة والكلمات المحدودة التي أصفها في سطور فلا تكفي ولا تفي.