الخميس، 8 نوفمبر 2012

حديث ذات.. 14




أنا عالقة في هذه الدنيا.. ولا أعرف ما أفعل بها..!!
لا أريد أن أرى أحدًا، أجلس بمعزلي هذا لأحاول اكتشاف أنواع جديدة من الموسيقى، أنواع لم تتلوث ببشاعة أحد.. ولم تقترن في ذاكرتي بالخيبة والألم والكسر.
لا أشعر برغبة في الاندماج في أفراح الآخرين، لا أريد أن أرى أفراحاً ولا أريد أن أرى أي شخص آخر غير نفسي..
صديقتي التي تختار ثوب زفافها في الغد لن أستطيع أن أذهب معها، وهربت من صديقتي التي طلبت مني أن أسمح لها بترتيب وليمة كبيرة لمجموعتنا القديمة في محافظتهم الساحلية، أنا لا أستطيع أن أمنح دفئًا لأحد.. أنا فارغة من الداخل مسحوبة الروح ولا أرى في العالم غيري.
بإمكان أي شخص أن يصفني بالذاتية؛ ولكن ما الذي سيغيره ذلك؟ حتى وإن كنت متمحورة حول ذاتي أو متكورة حول نفسي المتألمة، ما الذي سيجنيه الآخرون من الحكم المبكر أو المتأخر أو الحكم عمومًا عليّ؟ -لا شيء..! 
كل الناس لا يرون إلا أنفسهم واحتياجاتهم فما الذي سيضر هذا العالم الغارق في البشاعة والقاذورات أن أتوقف عن النظر إليه؟ – لا شيء.. لا شيء!

لأول مرة أشعر أن عدم وجود بيانو في المنزل يسبب لي أزمة، أنا عادة عندما أزور مصر في الإجازات لا ألتفت إلى عدم وجود بيانو، بل أن هذا الأمر لا يكاد يمر بخاطري، لكنني الآن أفتقد وجود البيانو.. أفتقد النوتات التي كنت أعزفها وحدي لأنني أخاف أن يخبرني أحد أنني لا أستطيع إتقانها كفاية.
لا أعرف ما الذي أستطيع إتقانه كفاية، فأنا دائمًا أول ما يلقيه الناس من سفينة حياتهم إن أرادوا تخفيف حمولتها، ولا أحد يعبأ أصلاً إن غرقت أو نجوت وكلهم يذهبون.

كنت في مجمع تجاري كبير منذ ثلاثة أيام بالقاهرة، كنت وحدي تماماً، اخترت طاولة هادئة وبعيدة في مقهى تابع لفندق ضخم وكبير، طلبت القهوة السوداء وأخذت أكتب، أتت النادلة وابتسمت ثم قالت: "لمَ أنتِ حزينة؟ الجو رائع والطقس مبهج للغاية وبإمكانك الاستمتاع بأشعة الشمس في الشرفة الواسعة المطلة على حمام السباحة.. الحياة قصيرة ، استمتعي!"
ويا ليت هذه الحياة قصيرة بالقدر الذي يجعلها تنتهي عندما نريد، ألا إنها تسهب في الطول وتمعن في العذاب أكثر، وأنا أكابد الكثير في هذا العالم، وأعاني من الآخرين الذين ينتظرون مني دائمًا أن أحقق شيئًا أو أن أخطو خطوة تستحق المراقبة أو التعنيف أو التصفيق.

وعندما تمشيت قليلاً بين المحلات الواسعة، قررت أن أدخل الحمام لأنني أريد أن أبكي، فمن غير اللائق أن تبكي امرأة في كامل أناقتها وزينتها دون سبب أمام الناس، وعندما دخلت إلى الحمام بدأت في البكاء، لم أبكِ منذ زمن.. منذ كان يجب علي أن أبكي..!
لا أعرف كيف اختزنت كل هذه الدموع طوال هذه الفترة، وعندما انتهيت من البكاء، وقفت أمام المرآة لأصلح زينتي، فعلقت إحداهن على ثوبي وقالت: " ثوبك رائع.. من الذي طرزه؟" قلت لها: "اشتريته هكذا.." قالت: "أنا أحب اللون الأسود وهذه التطريزات الدقيقة.. أنيق" قلت لها:" نعم أنا حتى عندما أحزن أحزن بأناقة.." ثم تركتها وذهبت..!
لا أريد ان أتماسك أمام أحد، أنا ضعيفة ولا أريد أن أبدو قوية، لقد سئمت ما يظنه الناس عني، وما عدت أهتم.. ما عاد يهمني أي شيء، أنا عالقة في هذا العالم، بين كل هذه الأشياء وكل هؤلاء الناس.. لقد علقت بالفعل هنا!
عالقة بين العطر والموسيقى والثوب الأسود الحريري الذي اشتريته دونما داع، عالقة بين الألم والفراغ ولا شيء يحدث، عالقة بين البقاء والسفر، عالقة بين كل الأشياء كروح لم يفتح لها ممر النور لأن لها مهمة غير منجزة..!

كلمة أخيرة:
أشكر لكم صبركم الذي ساقكم إلى القراءة حتى النهاية، ولي عندكم رجاء.. أنا لا أطيق النصح.. فلا تجعلوا حالي أسوأ بالنصح.