الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

حديث ذات.. 15




أشعر باحتقان روحي شديد.. 
منذ شهر تقريبًا وانا أتصرف كأن هذا العالم لا يخصني ولا أنتمي إليه..
أنا غريبة عنه بالفعل، أكره المجتمع ولا أحترم شرائح كبيرة منه، أكره العقليات المتحجرة، وأكره الرجل الجالس بالغرفة المواجهة الذي كلما تحدثنا بسبب العمل لا يرى في إلا صدري، هو لا ينظر إلا إلى صدري فقط.. كأنني تم اختزالي إلى عضو أنثوي بحت!
هذا المجتمع، يمقتني ويكرهني ولا يحترم إنسانيتي، وهناك دائمًا «آخرون» و«أخريات» وأشياء كثيرة سخيفة بلا معنى تحيط بي من كل جانب، أتمنى أن يتحول هذا العالم إلى فراغ وأعيش فيه وحدي مع عشرة أشخاص أحبهم وكفى.
بالدور الثاني من هذا المبنى يقع مكتب الاستشاري المصمم للمشروع الذي أعمل به، وبالأعلى عدد كبير من النسوة، اللاتي يتسلين طوال النهار بالحكايات الزوجية والجنسية والعائلية، ويتشاجرن فيما بينهن على توافه كثيرة، ثم يأتين إلي لأحكم بينهن؛ ولكن من قال أنني أكترث لهن؟ أنا لا أهتم حتى إن أحرقن بعضهن بعضًا لأنهن نتاج هذا المجتمع الذي جعل الناس لا يعرفون كيف يعيشون ولا كيف يستمتعون وأنا أكره المجتمع الذي يجبر أفراده على أن يكونوا جاهلين ليتمكنوا من العيش.
واحدة منهن تشك في أن زوجها متزوج عرفيًا من صديقة لها تعمل بالمكتب ذاته، وأخرى تحاول الإيقاع بأعزب وسيم يعمل كنائب كبير مهندسين وتجتهد في ذلك اجتهادًا مريرًا مثيرًا للشفقة حد الغثيان، وأخرى تخون زوجها مع شخص آخر لأنها لم تذق الحب وأرادت أن تحب فأحبت وجنت وفجرت أيضًا، وامرأة مطلقة تزوجت عرفيًا بشخص يرغب في تركها لأنه يريد أن يتزوج رسميًا بأخرى وهي تشعر بالتعب وتريد أن تستبقيه بأي ثمن، وهناك أيضًا من كُسَر قلبها حديثًا وتحاول أن تجد عندي كلمات لتصطبر بها على الألم والوجع وتحتاج إلى الكثير من الطاقة بينما أنا لا شيء عندي لأقدمه لأحد، وهناك هذه البيضاء الجميلة التي تحب رجل أكبر منها بنحو عشرين عامًا لأنها فوق الثلاثين وتعتقد أنها لن تجد من يتزوجها سواه بالرغم من أنه متزوج بالفعل.

كل هؤلاء النساء يأتين إلي لأنهن يحتجن إلى الدعم، وأنا لا أكترث، هذه نتاجات المجتمع فلماذا تقع مصائبه فوق رأسي؟ أنا لا أحتاج إلى ذلك لأنني أعاني من المجتمع بالفعل فلا داعي لأن يصب قذاراته عندي، وكنت منذ البداية اخترت ألا أختلط بأحد في العمل لأنني لا أريد أن أعرف شيئًا عن الآخرين.. لا أريد.. الآخرين لا يثيرون رغبتي في المساعدة، لكنهم يجعلونني أكره المجتمع أكثر وأكثر.. وأكثر.

قالت لي إحدى اللاتي أعرفهن مرة أنني أكره الأخطاء الكثيرة وأمثالي يعيشون بعذاب نادر، لا يشفيه شيء إلا أن يموتوا.. فينتقلون إلى عوالمهم الحقيقية حيث النور والخفة والهدوء الذي لا يلوثه الناس بأمراضهم، وإلى أن أنتقل إلى هذا العالم الملون الجميل الذي لا يشبه هذا المجتمع المشوه الحقير، سأظل أكتب هنا.

وفي خلال هذه الفترة من الكآبة التي تصيبني عند بداية الشتاء-بالرغم من إنني أحب الشتاء- لفت انتباهي استطلاع رأي تقوم به التايم الأمريكية لاختيار شخصية العام، وقائمة الاختيارات هذا العام مليئة بالسفاحين السياسيين والديكتاتوريين والرأسماليين، وبين كل هؤلاء المذنبين توجد فتاة واحدة صغيرة بريئة تستحق التصويت لتكون شخصية العام وهي «ملالا يوسفزاي» التي حاولت طالبان قتلها لأنها تدافع عن حقها الإنساني في التعليم والاختيار، والمثير للضحك أن هناك تصويتات جماعية تتجه نحو السياسيين والديكتاتوريين بأرقام كبيرة، بينما أن لا أحد يصوت لملالا حبًا في الإنسانية وفي حق الفتاة في الاختيار والتعليم، كل التصويتات تتجه للعصبية والقبلية والطائفية والرأسمالية السياسية الحقيرة.

وأنا اطلب منكم ان تصوتوا لملالا على هذا الرابط.. لأن ملالا فقط وأمثالها هم من يمنحون أمثالي سببًا للحياة هنا في هذا العالم، الذي ربما يكفر بالسلطة والمال ويعتنق الإنسانية.. في يوم ما..!