سمعت منذ أول ديسمبر أن العالم سينتهي في 12 ديسمبر 2012 حسب نبوءة قبيلة في مكان ما منذ آلاف السنين، وباعتبار أنني صرت أميل إلى السطحية والاستسهال نتيجة اكتئابي الشتوي، لم أبحث عن مصدر المعلومة أو دقتها، لكنني أردته أن ينتهي بالفعل، قررت في الحادي عشر من ديسمبر أن أكتب شيئًا على المدونة، لربما تأتي أمة أفضل منا تبحث في آثارنا ثم يقولون أنه كان هناك دخلاء على هذا الكوكب، لا يشبهون الآخرين وكانوا يعبئون أوجاعهم في صفحات وهمية في أشكال مرسومة على سطور متوازية يسمونها بـ«الكلمات».
ثم قررتُ ألا أمنح الأمم التالية فرصة اكتشاف كم أنني متعبة ومنزعجة من هذا العالم، لا أريد أن يبكي أحد وهو يعدد خيباتي الكثيرة، ويلتقط أشلاء أحلام بعثرتها عن عمد وسط كل صفحة كتبتها وقرأها الناس أو لم يقرأوها، مع إنني كنت أستطيع أن أكتب عن أشياء جميلة، كالموسيقى وقهوة الصباح وصوت رجل أحلم به ولا تطاله يداي، أو ربما أكتب عن المشي تحت المطر كحلم مضى ثم اختفى في الخط الواصل بين السماء والأرض، او أكتب عن صديقاتي الرائعات، أو عن أختي العزيزة وطفليها الجميلين، وكان من الممكن أن أتحدث عن الأطباق التي أجيد طهوها بسعرات حرارية منخفضة وبدسم قليل جدًا، أو أن أفاجئهم مثلاً بأنني أستطيع أن أطهو «الملوخية» بطريقتين مختلفتين، أو ربما أخبرهم بأنني صرتُ مهووسة أعد السعرات الحرارية التي أتناولها في الطعام وأسجلها كل يوم، وأحتفظ بجهاز صغير «بيدومتر» ليعد السعرات الحرارية التي أستهلكها طوال اليوم..!
أشفقت على هذه الأمة التي ربما تأتي بعدنا وتسمع ما كنا نقوله، أو تسمع كيف كنا نختلف، وكيف كنا نخسر أصدقاءنا، سيرون كم كانت أخلاقنا ومبادئنا مطاطة، كم كنا نضيع الحلال من بين أيدينا لأننا نتلذذ بالحرام أكثر ثم نشعر بالذنب ونعود إلى الحلال لنشتاق إلى الحرام وهكذا، سترى تلك الأمة الحروب الكلامية والكذب والتوجهات السياسية عديمة القيمة التي لم تفعل أي شيء سوى أن تزيد الضحايا والقلوب المحترقة، سيقرأون لـ«جلال عامر» رحمه الله و«جمال حمدان» رحمه الله ثم ستعجبهم رواية «العمى» لـ«ساراماجو»، وقد تعجبهم رواية «خفة الكائن التي لا تحتمل» لـ«ميلان كونديرا»، ولكنني أشك في أنهم سيفهمون جرائدنا اليومية، لا أحد يفهم كل هذا الكم من السخافة والكذب والتضليل، ولن تعجبهم الكتب البلهاء التي تصدرها دور النشر كـ«سبوبة»، لأن أي عاقل لن تعجبه كتبٌ بهذه البلاهة والجهل والتكرار.
جلست في الحادي عشر من هذا الشهر أنتظر أن ينتهي العالم، فوجدت أنني لم أفعل أي شيء مختلف؛ استيقظت في الصباح، ذهبتُ إلى العمل، تنقلت بين اجتماعات كثيرة، ثم عدتُ إلى المنزل منهكة القوى، أبحث عن حمام دافئ وزيت البنفسج لترطيب البشرة، واستمعت إلى الموسيقى، ولم أفعل أي شيء، حاولت أن أحاسب نفسي فوجدت أنه لا داعي لذلك، ومادام أنه لا وقت للمحاسبة لأن نهاية العالم بعد ساعات، فإنه لا شيء سيتغير، حتى وإن تغير أي شيء؛ فما الجدوى بالأساس.. ؟؟ لا شيء..!
لو كان العالم انتهى لوفر علي ذلك الكثير من الاحتمالات، ما كنت سأقلق بشأن أشياء كثيرة، وما كنت سأشعر بالضيق من اجل استفتاء الدستور، وما كنت سأدخر مالاً لأشتري هدايا أعياد ميلاد أصدقائي الذين ولدوا في شهر يناير وفبراير وهم كثر، كنت سآخذ المال وأشتري حقيبة يد بنفسجية لأنني اشتريت الحمراء ثم أعجبتني البنفسجية في دكان آخر، وكنت قد أنفقت ميزانية التسوق الشتوية كلها، فلم أقدر على شرائها.
أخبرني شخصٌ آخر الآن أن هناك نبوءة أخرى تقول أن العالم سينتهي في الواحد والعشرين من هذا الشهر، ولو استمر هذا العالم بعد الحادي والعشرين من ديسمبر فسأشتري حقيبة يد بنفسجية وأخرى زرقاء، وسأكتب حصاد 2012 قبل نهاية العام.. وسأضع قبلة على جبين كل فتاة تتحمل هذا العالم وتحاول أن تقتنص لنفسها فرصاً للسعادة كـ«ريهام سعيد».