قبل أن تمد عينيك لقراءة هذا الحديث؛ يجب أن تعلم أنه ليس جميلاً وليس سعيدًا ولا يتحدث عن الحب أو الشوق، ولا علاقة له بالأمل والغد وكل هذه الأشياء الملونة، ولا يمثل ابتزازًا عاطفيًا من أي نوع كما سيخطر على بال البعض، وليس شحاذة عاطفية كما سيظن آخرون، إنما هو حديث ذات أردت أن أكتب فيقرأ عابر يشعر بالقتامة مثلي فيعرف أنه ليس وحيدًا، لذلك فإنني أحذرك يا من ستقرأ هذا الكلام، إن كنت عاشقًا أو متفائلاً أو سعيدًا لأي سبب حتى لو مؤقت وأطلب منك أن تغلق هذه الصفحة وأن تفعل شيئًا أكثر إبهاجًا من قراءة ما في السطور التالية.
وإن كنت تنوي أن تنصحني، أنا كبرتُ على النُصح، فاجعل نصحك لنفسك يا صديقي، وإن كنت تظنني شديدة التشاؤم فأنا أقول لك: تعال وعش قليلًا مما أكابد وبعدها ستعرف السر كله!!
أما إن كنت في مثل حالي فمرحبًا بك، ولعلنا في مرحلة ما سنبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة لتأسيس نقابة تمثلنا، لنطالب بحقوقنا التي تبدو بديهية عند هؤلاء السعداء المبتسمين.
في أول أيام رمضان المبارك بلغت الثانية والثلاثين، لا أعرف لماذا انزعجت من الرقم، أنا في الثانية و الثلاثين، كبيرة بما يكفي لأعرف إلى أين سأذهب، لم أحصل على قصيدة في يوم ميلادي ومضت ليلة ميلادي كأسوأ ما يمكن أن تكونه ليلة ميلاد، ولكنني حصلت على علاقة مفاتيح من الفضة والكريستال والذهب الأبيض من أمي، وزجاجة عطر فضية من أخي ، ومبلغ من المال يكفي لشراء الكثير من الكتب من أبي، أما أختي، فلازالت تبحث عن شيء ليس عندي منه!!
واكتشفت ماهيتي، اكتشفت نفسي ، أنا لست سوى بلدة صغيرة مهملة وحزينة، ليس فيها أي شيء سوى أنها محطة قطارات، تنظر كل ليلة إلى أرصفتها اليتيمة التي لا يغمرها نور قمر، ولا يصلها من الشمس إلا الحرارة والجفاف والعطش، وتنتظر اليوم التالي بالكثير من الصبر، بالكثير من الدعاء.. عل يزورها المطر!!
بلدة صغيرة مملة لا يسكنها أحد، لم يفكر أحد في أن يعيش فيها، لم يفكر أحدٌ في تأثيثها من الداخل، لم يفكر أحدٌ في أي شيء، الناس يمرون، مسافرون في حيواتهم، يستظلون بخمائل روحها الكثيفة ثم يرحلون, وهي تتمنى زينة العيد، ترغب في أن يلعب في طرقاتها الأطفال بالبالونات الزهرية والزرقاء، وترغب في أشجار الميلاد الملونة المزينة بالحب، وترغب في صلوات صادقة بذلك المعبد القديم الملقى في مكان ما منها، وترغب أن يقيم العشاق زفافاتهم فيها، ترغب في أن ينثر بابا نويل السكاكر على أرضها وترغب في أشياء كثيرة، ولكنها مملة.. مملة.. مملة.. جدًا !!
نظرتُ إلى صفحة المتابعين بالمدونة وتفقدتُ الرسائل فيها، فوجدت رسالة مكررة من شخص يسمي نفسه معالجًا روحيًا، يعرض علي أن يخلصني مما أنا فيه، بالمجان ودون مقابل، ترك لي هاتفه وعنوانه وبريده الإليكتروني لأتصل به، ليرسل لي عدة طرقٍ للعلاج تتناسب وحالتي، الشيء المخجل في هذا الأمر كله؛ هو أنني صرت أثير شفقة الدجالين!!
حتى الدجالين، الذين يمارسون النصب على الآخرين، صاروا يشعرون بالشفقة عليّ، وصاروا يعرضون العلاج علي بالدجل، فهل أبدو سقيمة إلى هذه الدرجة ..!! هل أنا سقيمة حد الشفقة؟؟ يا الله .. يا الله .. ما أرحمك وما أقسى عبيدك!!
من الأمور المفزعة أيضًا التي منعتني من الكتابة لفترة طويلة؛ الفتيات اللاتي يعتقدن أنني قدوة، وأنني رائعة، وأنني .. وأنني.. وأنني .. وأشياء كثيرة!!
إن كان هناك من يريد أن يقتدي بي، فله أن يقتدي بي في وظيفتي، أنا متفوقة فيها، أحصل على راتب جيد، وحصلت على لقب سينيور منذ أيام، و أترقى فيها بسهولة، أنا منظمة ومرتبة وذكية في كل ما يتعلق بالعمل، وأستطيع إدارة مشاريع تزيد قيمتها عن سبعين مليون دولارًا أمريكيًا دون خسارة، ولا أستطيع أن أدير حياتي بمثل هذه المهارة!!
كانت قد أخبرتني إحداهن، أنها تتفاءل بكل ما أكتب من فرح، وتبتئس إذا وجدت أنني أكتب عن الألم، و هذا شيء لا أريده ولا يعجبني، فلا أريد أن يبتلي أحد نفسه بما فيّ، ولا أريد أن يرى أحدٌ نفسه فيّ، أنتم لا تحتاجون إلى هذا القدر من التشويه، لا تحتاجون إلى المزيد من الألم، لا تحتاجون إلى التشتت والبعثرة والنزف، هذه الأشياء خلقت لناسها، وأنا منهم، وأريدكم أن تكونوا أسعد حالاً وأفضل حظاً مني، فلا تفكروا مثلي فتشقوا على أنفسكم دون داع، غير أنني أدعو الله في كل ليلة أن يجنب الآخرين ما يلم بي من وجع، فلا تسعوا إلى ما لا قبل لكم به!!
أعرف شخصًا ما سيفرح أنني متعبة ومتألمة، و سيظن بعقله المريض أن الله يقتص له مني، لأنني مفترية- نعم مفترية- رفضت أن أبادله مشاعر لا أحتاج إليها لأنني أكره أن يختارني أحدهم لخيانة زوجته وأبنائه الثلاثة..!!
نصيحة أخيرة لكل من يقرأ هذا الكلام واستطاع أن يصبر عليّ حتى انتهيت منه، حاكم الناس على أخطائهم، إجلدهم، كن أكثر ذكاءً مني، لا تسامح أحدًا على ذنب ارتكبه في حقك، اجعلهم يخشون غضبك وتقلباتك، لأنك إن لم تفعل، ستكون محطة قطارات مملة وأنت في الثانية والثلاثين..!!
إنتهى ..!
إنتهى ..!