أعاني من الأرق منذ فترة طويلة ولا أنام جيدًا، أقوم في الصباح وكأنني مدهوسة بثلاثة قطارات، أو كأنني مفتتة تتجمع أجزاؤها الصغيرة في ألم شديد؛ فألجأ إلى القهوة التي صارت لا تنفع في حالي هذه، وأحاول الصمود ليمضي اليوم، ويتكرر الوضع كاملاً في اليوم التالي والذي يليه، متسلسلة من الوجع المتنوع أحملها كأحجار سيزيف، الأيام تتغير، والوجع لا يزول، بالإضافة إلى أنني صرتُ أعاني من صعوبات في الكتابة وأخاف أن أكرهها، لأنني إن كرهت الكتابة فلن أجد تفريغًا كافيًا لغضبي الشديد الذي أدفنه في طبقة عميقة من نفسي، وأجاهد ألا أظهره حتى لا ينزعج أحد..!
أبحث الآن عن موسيقى جديدة لم أستمع إليها من قبل، أسأل الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم إن مرت بهم موسيقى يحبونها أو تعجبهم لكنني لم أجد شيئًا مختلفًا يعرفه الناس ولا أعرفه، مما جعلني أتجه نحو الموسيقى اللاتينية التي هجرت سماعها منذ سنوات كثيرة، لكنني لازلت أحتاج إلى شيء أقوى من ذلك، لا أعرف ما هو، لكنه شيءٌ كالحبوب المهدئة أو المنومة التي يعيطني إياها أخي أحيانًا ولا أعرف كيف أجد هذا الشيء!!
ربما يجب الآن أن آتي على ذكر زفاف أخي الصغير، وربما يجب أيضًا أن أقول أن إعجاب الحاضرين بالثوب الأسود لم يدهشني، وإعجابهم بحقيبة اليد والحذاء والزينة كان متوقعًا، والتقط لي الحاضرون صورًا كثيرة، في كل مرة تلفتت صادفت فلاشًا ينطلق في وجهي، ولم أرَ معظم هذه الصور حتى الآن، لم يعرف أحد ما الذي أخفيه تحت هذه الزينة، ولم يتخيل أحد كم الوجع الذي اندس في رشاقة تحت الثوب الأنيق، لم يعرف أحد أن هذا الصدر المطرز يخفي أحلامًا صغيرة ميتة.. لا أحد يهتم.. لا أحد..!!
في كل مرة أردتُ أن أحكي قصة لابنة أختي الصغيرة، تجنبت القصص التي تتحدث عن الأمراء والنبلاء واكتفيت بقصص البطة التي لا تذهب إلى المدرسة والكتكوت العنيد وما إلى ذلك، لأنني لا أريدها أن تعتقد أن في هذا العالم نبلاء، لا يوجد نبلاء، لا أريدها أن تحلم كثيرًا بشيء ليس حقيقي ولن يصير حقيقيًا، هذا العالم الموحش لا نبل فيه ولا شهامة ولا أي شيء، هذا العالم يلفه الخذلان والنذالة بطبقة أثقل من الغلاف الجوي، والناس عادةً تمت حيونتهم إلا قلائل؛ لذلك أحرص على أن تبقى الصغيرة مهتمة بالأخلاق والمبادئ دون أن تعرف قصصًا عن أمراء ونبلاء وفرسان وهذا الحكي الفارغ الذي ملأوا به رؤوسنا ونحن صغار فانكسرت به رقابنا فيما بعد..!
بالأمس سمعت قصة غرام كريهة من إحداهن ثم أمضيتُ وقتًا أقرأ رسائل قديمة، وأتعجب من مساحات الخراب والدمار التي يتركها الراحلون خلفهم، وينتظرون أن يقوم الزمن بعلاج ذلك، لكنه لا يوجد علاج لذاكرة الروح والجسد، وتعجبت من كم العبث الذي يمارسه أبناء الجنس البشري على بعضهم، ثم يعلقون أكاذيبهم وحنثهم بقسمهم وخلفهم لوعودهم على شماعات القدر، وأن تلك إرادة الله، يخبروننا ان الكسر إرادة الله، وأن سوء تصرفهم وسوء خلقهم جزء من القدر، لكن الله لم يطالب الناس بالكذب أو الحنث بالقسم أو الخلف بالوعد، ولا أعرف لماذا لا يكفون عن الزج باسم «الله» في أفعالهم المنحطة، لماذا يظنون أنهم قادرون على الكذب على الله؟!
لا أعرف.. الناس محيرون.. ومتعبون.. وأغبياء.. ويمكرون ولا يعتقدون أن الله خير الماكرين سيمكر بهم..!