الجمعة، 22 مارس 2013

أَسْرارُ اللَّيْلَةِ الْماضِيَّة.. (1)


الليل يهيج الوحدة ويجعلها أكثر إيلامًا، الليل يجعل الإحساس بفقدك يتعاظم، الليل يعذبني.. كثيرًا..!!
حاولتُ أن أنام مبكرًا حتى لا أشعر بذلك لكنني لم أستطع، وحاولتُ الانشغال بأمور كثيرة تافهة لكنني لم أستطع أيضًا أن أنهي شيئًا منها.
من الجنون أن أتعطر بالعطر الذي اشتريته من أجلك وأن أتزين كأنك ستراني، ومن الجنون أيضًا أن أرتدي هذا القميص الأسود القصير في محاولة فاشلة لغواية ظلك الذي ما عدتُ أراه في غرفتي ولا في فراشي، أنا أحاول بالفعل أن أتأقلم على النسيان وعلى الوحدة وعلى أشياء كثيرة، لكن هناك امرأة أخرى في داخلي تشتعل بك كل يوم، وأنا متعبة لا أستطيع أن أمنعها من ذلك، لا أستطيع أن أقول لها أنها يجب أن تتوقف عن التزين وعن الأمل وكل هذه الرفاهيات التي ما عادت لها مساحة في علاقتنا التي كانت، وأجد صعوبة دائمة في وصف علاقتنا بأنها كانت.. وحاولتُ أن أخبر هذه المرأة أننا انتهينا لكنها لا تصدقني، لا تصدق إننا انتهينا وأنك ذهبت وتركتني هكذا..!
تركتني هكذا، ممزقة يبحث بعضي عن بعضه، وهناك أجزاء مني متناثرة في كل مكان رميتُ فيه حلمًا، ولقد كانت أحلامي كثيرة لدرجة يصعب حصرها، ولا أفهم كيف ألملم كل ذلك ثم أقوم بلصقه وترميمه وحقنه وعلاجه ثم صقله وتلميعه لأعود كما كنتُ ناقصة جزء واحد، جزء عاش معي طوال سنواتي التي فاقت الثلاثين، جزء يتعلق بك، وبهذا الشعور الذي يجعلني أشعر أنك خُلقت في جانب مني وأن فيك جزءًا من روحي لن أسترده أبدًا، وأجزاء قلبي الزجاجي المنثورة في داخلي تؤلمني أيضًا، شظايا مسننة من كل اتجاه، تجعل كل شيءٍ مؤلمًا، كل حركة وكل شهيق وكل زفير، كل إلتفاتة وكل نظرة..!
قابلتُ بالأمس طبيبي النفسي وحاولتُ ان أخبره عنك، وعندما أخبرته عنك قال لي كلامًا كثيرًا وأعطاني أدوية لم أشترِ منها شيئًا، لكنني أذكر أنه حدثني عن إننا يجبُ أن نبدأ في معالجة أعراض إنسحابك من دمي، لكننا يجبُ أن نتناول علاجًا للاكتئاب أولاً؛ لأنه يخاف أن أصير ثناقطبية أو أن أتحول إلى ذلك، أنا لا أعرف لماذا ذهبتُ لزيارته، ولا أعرف لماذا استمعتُ إليه طويلاً، كنتُ أبحثُ عن شخصٍ يسمعني دون أن يحكم علي، شخص أبكي أمامه دون أن يسأل ودون أن يشعر بأية مشاعر غاضبة أو مشفقة، شخصٌ وظيفته أن يستمع.. فقط..!
أراجع كلامك الأخير كله وأسترجع صوتك غير المبالي عبر الهاتف، أحاول أن أجبر نفسي على تركك، لكن تلك المرأة المجنونة التي تعيش بداخلي تعشقك كثيرًا وتحبك بشدة وتخبرني دائمًا أنك لن تبتعد كثيرًا، تخبرني أن أحتفظ بحقيبة الأحلام الليلية التي أعددتها لك، بكل العطور والألوان والقمصان الحريرية وأقلام الحنة، أريد أن أصدقها، أريد أن أفعل ذلك.. ولعلني أفعله دون وعيٍ مني.
منذ يومين، وضعت جارتي مولودًا ذكرًا، وعندما هاتفتها اليوم لأخبرها أني أود أن أزورها، سألتها عن اسم المولود فقالت لي إن اسمه «....» صمت حينها ولم أقل شيئًا، ونسيتُ الدعاء الذي يجب ان أدعو به، فإذا بها تذكرني أنني أنا التي اقترحت هذا الاسم عليها منذ شهور، وأعجبها الاسم كثيرًا، بالرغم من أنني توقعتُ أنها ستسمي ابنها اسمًا يبدأ بحرف الباء كـ«بسام» مثلاً لأن لديها طفلين بحرف الباء وكانت تبحث عن اسم ثالث يبدأ بنفس الحرف حين اقترحت عليها اسمك الذي لا يبدأ بحرف الباء.!!
أكتبُ إليك في فاصل بين الصلوات الكثيرة التي أحاول استرجاعك بها في الليل، ولازلتُ لا أستطيع أن أستوعب أنك لست معي، بالرغم من أن ظلك ما عاد يسكن هنا، لا أستطيع أن أتوقف عن حبك أو انتظارك، ولا أريد أن أتحول إلى لعنة، لا أريد، لأن هذا ما يحدث دائمًا، جزءٌ من إخلاصي وحبي يتحولان إلى لعنة دون أن أقصد، لعنة تترك وجعًا في وقتٍ ما، لعنة لن تستطيع تداركها مهما فعلت، وتبقى إلى الأبد في جانب منك، يصبح مظلمًا وغريبًا ولا تستطيع أن تنكره أو تعيش بدونه، هكذا هو حبي يا عزيزي، هكذا هو..!
سأكتب إليك رسائل كثيرة تالية، وسأخبرك بأسرار كثيرة، علني أتداوى منك فأسكب حبي لك في قوالب الكلام وتنزل شظايا هذا القلب المتكسر فيها فأنال بعض الراحة، وإن لم يحدث ذلك؛ فإنني أخاطب رجلاً كتبته ألف مرة في سنين طويلة لأن رسمه في خريطة دمي الوراثية التي لا أملك وسيلة لتغييرها..!!
فقط تحملني.. بعض الوقت.. أو كله..!!
أحبك وأنتظرك.. دائمًا.