الأحد، 21 فبراير 2010

قبل الفجر بقليل ..



لازالت تقف بسيارتها البيضاء في الخارج ، تنظر في ملل إلى ساعتها ، تراقب عقارب الثوان تقترب من الثانية عشرة و عقرب الساعات يستقر عند الثانية .. انها الثانية صباحاً ، تفتح باب سيارتها و تترجل في سرعة ، ارتباكها لا تخفيه ظلمة الليل ، و لا عباءتها الطويلة .

تدخل من البوابة ، صوت حذاءها العال يكسر حوائط الصمت ، تغالب خوفها بخشخات الخلخال الذهبي الثقيل ، نظرت إلى يديها الفارغتين ، تذكرت حقيبتها الحمراء ، عادت في عجلةٍ إلى سيارتها ، تناولت الحقيبة و ركضت إلى الداخل .

هذا هو المكان ، تماماً كما وصفه العراف ، اعمدة متعبة و قديمة ، و ستائر ممزقة ، و لا يوجد سقف، هذه الحجرة تقع تماما في منتصف اللا شيء ، حيث العدم قبل الوجود ، و قبل كل شيء و بحيرة تلمع كثوب حريري أسود انعكست عليه اضواء القمر ، تتحسس قلادتها الذهبية ، تحمل بداخل قلبها تاريخ الأشياء القديمة ، تقطف الثمار المرة التي أنبتتها بذور الشوق حين بدأ بزراعتها و بدأت في حصادها ، تضطرب الأفكار بذهنها المرهق ، بدأت في اشعال الشموع الملونة ، الحمراء من أجل الحب ، الزرقاء من أجل الأمل ، البيضاء من أجل الغفران ، هكذا علمتها المراة التي كانت تجلس في السوق ، و تبيع الشموع بلا ثمن ، فقط للنسوة الشابات ، التي ترتسم على جباههن علامات غير مرئية لقلوب محطمة .

تستحضر لقاء العراف في ذهنها ، تنفذ كل شيء بالحرف ، تخلع حذاءها على يسار الباب و تدق الأرض مرتين بقدمها اليسرى ، ثم مرتين بقدمها اليمنى ، تخلع عباءتها و حجابها ، تجري نحو الحقيبة الحمراء ، تخرج صوره الكثيرة ، هذه بالقلم الأسود ، و هذه بالقلم الحمر ، و هذه بالقلم الرصاص ، تبحث اصابعها بحذر في الحقيبة ، تجرح اصابعها بدبوس صغير ، ثم تعلق الصور ، تضع نقطة من دمها على الحوائط التي تختفي ، و صارت حواجز ضبابية ، تثبت الصورة تلو الأخرى ، لتوشمها بالدم ، و تنتظر ظهوره .

جلست في خوف على الأرض الباردة ، تجمع النجمات و تنظر إلى السحب في الأسفل ، و إلى الصور المعلقة التي تجمد الدم عليها ، صارت فوق السماء لكنه لم يأتِ بعد ، تتساءل أين الخطأ في حكي العراف ، تبدأ في عد الشموع و الأدوات و كل العناصر الأخرى ، لقد وصلت إلى المكان لكن أين هو !!

تتفقد أحلامها السقيمة العقيمة في ألم ، تتشكل غيمات وجع إضافية بصدرها ، تود البكاء لكنها لا تستطيع ، قال لها انه ذاهب إلى السماء ، و صدقته ، هذه المرة أيضاً !!