" عرفت رجلاً ، كان يعرف النساء ثم يكسر قلوبهن ، و كان يولع الصبايا ثم يغادرهن ، و استمر على تلك الحال لفترة طويلة جدًا ، كان غنياً فافتقر ، و كان صحيحاً فاعتل ، و فقد كل مميزاته و صفاته الجذابة ، و صار غلالة من كثرة الوجع و المرض ، و كنت أسمع عنه الكثير من الحكايات ، إلى أن قابلت رجلاً حكيماً كبير العمر طاعن في السن ، و سألته كيف أن حاله تدهورت و أن حياته أظلمت ، و أنه ماعاد هو ، فذهبت صحته و ثروته ، و منزله الفخم ، و أسرته و أعماله ، فقال لي : إن لقلوب الصبايا و النساء الصادقات لعنة ، تحل على أمثاله ، فتجعل الذهب في أيديهم فحماً رخيصاً و تراباً كالذي يملأ الأرض و تتبعه اللعنة إلى قبره فلا يهنأ بأي شيء في حياته ، و يعيش كما رأيت "
كنت جالسة إلى الطرف الآخر من الطاولة ، و قد لفت انتباهي ما سمعت ، و لم أسأله ، و لكن .. هل فعلاً لقلوب الأنثيات الصادقات لعنة بهذا الشكل ؟ تلقيها على النصاب دون قصد فيستحيل إلى مثل هذا الرجل الذي يحكي عنه صديقي ؟؟
في وسط كل الحروف المتناثرة من أفواههم ،غاب عقلي بعيداً ، بينما اندمج الجالسون في مثل هذا الحكي و في مثل تلك الحوادث، و شردت فعلاً فيما يقول ، هل من الممكن أن تكون هناك لعنة على أحد من قلب أحد ؟؟
أعرف أنه في حالات الهجران و الفراق ، فإننا نرغب في أن تنشق الأرض لتبتلع سعادتهم ، و أن تنزل مشانق سماوية لتشنق أحلامهم لأنها ليست أغلى مما فقدنا من أحلام ، و لتحترق بهم كراسيهم و أرائكهم و ثيابهم أيضاً ، و نحزن و نتمزق و كل هذه الأشياء ، و لكن ، هل كل ما نحدث به أنفسنا حينها يتحول إلى لعنة ؟؟
هل هناك قوة تحول هذا الكلام و تلك الأمنيات السيئة جداً إلى لعنات ؟؟
ثم سمعتُ شخصًا آخر يقول :
" يقولون أن تحت بلدتنا متحف من الصخر و الحجارة ، و أنه في قديم الزمان كان هناك نحات ، إن أعجبته المرأة ظل يراقبها أياماً ، و كان يختار نساءه من السوق و من جانب بحيرة عذبة مقدسة بجوار محرابٍ قديم كن النساء يغتسلن فيها ،كان يتبع هدفه أينما ذهبت ، كان يتربص لها ، و يمشي وراءها أياماً ، يغني بصوت خافتٍ و ينشد الشعر ، و إن التفتت إليه ، قال أنها جميلة ، و أنه سينحت لها تمثالاً من فرط ما رأى من جمال و أنوثة ، ثم يبدأ في نحت التمثال ، و يدعوها إلى منزله ، فتشغف بجمال التمثال و دقته ، و بحلاوة كلام النحات و رقته ، و كان له طلعة جذابة وسيمة ، قوي البدن و البنية ، حسن الصوت و النغمة .
حتى إن شغفها حباُ و تمكن منها ، تركها هاجراً بلا عودة ، و كن النساء بعد ذلك يترهبن في خدمة المحراب ، إلى أن غضبت إحدى صاحبات الثراء منه ، فأرسلت إليه ساحرة ، حولته إلى تمثال بمنتصف تماثيل ضحاياه ، و انتهى ذكره و أثره"
سألته : " و هل وجدتم المتحف ؟ " قال : " إن البحث عنه جارٍ إلى الآن ، و الحكايات كثيرة ، لكن أحداً لم يجد أي شيء"
شعرت أن تلك الآثار التي يتداولها الناس ليست سوى حكايا للوعظ ، حتى يتوقف اللاعبون عما يفعلون و يتوقف العابثون عن العبث ، و ربما أنها صيغت لحماية الفتيات أيضاً ، حتى لا يتلفتن للذين يقومون بمغازلتهن ، و لكن العبرة الأولى أثارت في نفسي شيئاً من القلق و الشك ، خاصةً و أن هناك من يستحقون اللعن فعلاً ، و الطرد من رحمة دواب الأرض من ظلم ما فعلوا .
لا أعرف إن كنت قد ألقيت بضعة لعنات على أحدهم دون أن أعرف ذلك ، و لا أعرف إن كانت مضرة فعلاً إن تجمعت مع لعنات قلوب غاضبة أخرى و صارت لعنة بعرض الفراغ بين السماء و الأرض على شخص واحد !!
أو لربما يلتقي ساحرة فيما بعد ، تحوله إلى فأر و تهديه في علبة مخططة إلى قط سخيف ماكر يكره الفئران و يحب اللعب بها ..!!
ليس بمقدوري الآن ان أحزن بشأن أحد ، و لكن بعض الأشياء تستحق أن نتوقف عندها حتى و لو كانت خرافة كخرافات العرافات و السحر و ما إلى ذلك .
بعد انتهاء ذاك الحديث قمت إلى مكتبي بعد أن ناداني أحد الذين أعمل معهم ، ثم عدت فلم أجد ممحاتي الملونة ، و قلم الرصاص الذي عليه رسمات قوس قزح .. !!