الجمعة، 14 يونيو 2013

عن الزنزانة البيضاء.. إلى غادة خليفة..





عزيزتي غادة..
عندما قرأت رسالتك إلى مينا، وددت أن أرد عليها وكنت قد أخبرتك في وقت مبكر من الأسبوع الماضي أنك ألهمتني..
وعندما سألتني كيف؟ أخبرتك انني سأكتب ردًا على رسالتك.. وإليكِ أكتب.
ربما يجب في البداية أن أعرفك بحقيقة بسيطة عني، وهي أنني أعيش في زنزانة نفسية لها ثلاثة جدران بيضاء، والجدار الرابع من هذه الزنزانة ليس سوى قضبان متنوعة الألوان، تسمح بعكس بعض الأشكال على الجدران البيضاء التي أعيش بينها، فأظن أن هذا الوهم هو العالم الملون الحقيقي وأنني أعيش فيه، ولكن هذا لم يكن حقيقيًا أبدًا.
الحب يمثل تشكيلاً لونيًا مذهلاً، فهو دافئ وحميمي وشهي، شيء يشبه الفكرة الخيالية عن المنزل والحضن والاحتواء والرعاية، وكوب من الكاموميل يقدمه لك رجل في نهاية اليوم ليخبرك أنه يهتم لك، لتوترك وتعبك ويريدك أن ترتاحي قليلاً من هذا العالم، وبإمكانه أن يتلو كذبة بسيطة مثل: «سأصنع لكِ بين ذراعي عالمًا خاليًا من المنغصات» ثم ينساها فيما بعد.

لم أعرف الحب –حقًا- مرة واحدة في حياتي، كنت أنا أقع في الحب، لكنهم لم يكونوا واقعين فيه، لقد كانوا يجربون فقط كيف سأبدو حين أحب، حين أطرح ملابس العمل والحذاء الرسمي، ثم أرتدي قميصًا من الحرير وأسير حافية فوق سحابة، وعندما يملون مني، يذهبون، ويعيشون حيواتهم بالشكل الذي يختارونه، بينما أنا حبيسة نفس الزنزانة، لا يتغير أي شيء، سوى أنني أحاول أن أدلك الجروح التي يخلفونها ببعض الأمل والسخرية من الأشياء التي أحتاجها ولا أحصل عليها أبدًا مهما حاولت وبذلت من جهد.

وكنت قد عرفت فيما بعد، أنهم عندما يذهبون أصبح حكايتهم المفضلة، أنا الفتاة القوية التي تتحول إلى ورقة ورد بين أصابعهم، أنا التي تمنح كثيرًا ولا تنتظر، أنا التي صبرت واحتملت وصنعت معجزات كثيرة، أصير مجرد حكاية طريفة، يحكيها أحدهم لعشيقته بعد فراش من الحب الصاخب وهو يدخن سيجارة ما، ليخبرها أن هناك امرأة جنت به وأحبته، ثم ركلها جانبًا وفضل العشيقة عليها، فتبتهج العشيقة ثم تزهو بأنوثتها ويسعد هو بعطاء مستمر مجاني مقابل قصة طريفة، وفي نهاية الأمر يرتدي كلاهما حذاءه ثم يذهب في طريقه.
وفي حالات أقل مأساوية؛ أتحول إلى عدة قصائد في ديوان شعر، يبيعها الشاعر فيما بعد وتتحول إلى أغنيات، أسمعها وأضحك، لأنني تألمت بالمجان، بينما ربح هو الكثير من وجعي به..!

بعد أن اقتربت من الثالثة والثلاثين، تكونت لدي قناعات بشعة، ولكنها حقيقية ودائمة، ومنها انه لا يوجد شيء اسمه «كارما» ، وأن الأشياء التي نسعى إليها لا تسعى إلينا بالضرورة، وأن الحب لا يقابله حب دائمًا، وأن كونك صادقًا لن يعلم الآخرين الصدق.. هذا لا يحدث.. وهذه حقيقة.
تذكرين أننا عندما تقابلنا منذ عامين أول مرة؛ أخبرتني أن الألم الكبير يحدث مرة واحدة فقط، وكنت وقتها أؤمن بذلك، واعتقدت أن ألمي الكبير انتهى وولى منذ سنوات، ولكنني فيما بعد أدركت أنه كلما كبرنا صار الألم أعمق وأكبر، وهذا جعلني أغلق باب زنزانتي جيدًا، فلا يسمح بدخول أحد ولا مكان بين القضبان الضيقة يسمح بالتسلل.
تعلمت أيضاً أن الوحدة في زنزانتي البيضاء أفضل من احتضان صورة يكونها انعكاس الضوء عبر القضبان على الحائط وأفضل من قبلة معلقة بين شفتي أحدهم لن أحصل عليها أبدًا، وأفضل من لمسة غير كاملة تجعلني أتوق إلى صدر دافئ، وأفضل من رشفة وهمية من الحب الذي لا أثق في وجوده، كما أن زنزاتي بيها أشياء كثيرة جميلة، وأستطيع في بعض الأحيان أن أرسم شباكًا على الحائط لأنظر منه على العالم الذي هو ليس حقيقيًا بالأساس، وفي بعض الأحيان أكون اكثر شجاعة فأرسم باباً للمرور إلى العالم أيضًا، لأشرب القهوة السوداء وأستمع إلى حكايات السعداء الذين لزنازينهم حوائط أقل.. وربما أكثر بياضاً.
على الأقل لن أكون متعرضة للإهانات العاطفية الجسيمة التي تجعلني أبكي حتى تتساقط أهدابي، ولن تغضب أمي لأنني حمقاء أضيع حياتي في تفاهات، ولن يقلق أبي لأنه لن يشاهدني أبكي وأنا نائمة، ولن يعايرني أحد بأنني معطوبة نفسيًا دون أن يدرك السبب في مرضي.
ولن أضطر أن أقول لشخص : «أحبـــك»
فيكون رده: «أنا عارف إنك بتزفتيني»
وشكرًا.. يا غادة.

شيماء علي.