الجمعة، 7 يونيو 2013

في تمجيد «ولاد الكلب»



من المضحكات المبكيات..  حملة اكتب رسالة شكر من القلب..!!
الشيء المثير للضحك هو أنني لم أجد شخصًا واحدً يستحق أن أشكره وأبذل عظيم الجهد في انتقاء مفردات اللغة لتعديد مناقبه وأفضاله وجميل صنائعه.. وهذا أغضبني إلى حد ما في نفس الوقت..!
ولا أعرف كيف أبدأ هذه النوعية من المشاركات التدوينية، لأنني لا أستطيع نفاق أحد ولا أستطيع أن أنسج حبيبًا من خيالي أخبره بأن لولاه لصارت حياتي جحيمًا مثلاً..!!

عندما كنت في سن أصغر وبالتحديد في الثالثة عشرة من عمري، كان يجب علي أن أكتب خطاب شكر لشخص أهتم لأمره كواجب في نشاط الصحافة ، فاخترت أن أكتب خطابًا لمدرسة التاريخ –السيدة/ ختام رحمها الله- لأنها الشخص الوحيد في هذا العالم الذي أعانني على أن «أبتلع» مناهج التاريخ والدراسات الاجتماعية بسهولة، كانت رحمها الله دائمُا تقول لي  «لست بحاجة إلى أن تحفظي النص كاملاً، فقط افهمي القصة واجعليها في نقط.. ليس أكثر.»
وبعد ثلاثة أعوام من ذلك، كان يجب أن أكتب خطابًا سياسياً لأندد «بمجزرة قانا»، وكان هذا الخطاب السياسي أفضل ما كتبت على الإطلاق لأنني كنت مشحونة بالكثير من العاطفة، وللأسف لم أجد نسخة لأرفقها بهذه التدوينة، بالرغم من أنني أحتفظ بمثل هذه الأشياء والأوراق في ملف أصفر كرتوني، ولكن يبدو أنني أضعته أيضًا..!

عندما كنت أصغر كنت أكتب خطابات أجمل، ربما لأن الأشياء تبدو أكثر سحرًا في عين الرائي خاصةً إن كان صغيرًا ولم يقابل ما يسمى بـ«ولاد الكلب» بعد، حيث أن فصيلة «ولاد الكلب» تحتاج إلى طور نفسي - زمني للتكون، وإلى احتكاك أكبر بالحياة، ولذلك كانت أيام طفولتنا وأوقات مراهقتنا المبكرة أفضل مما تلاها بكثير.
وبالمناسبة، يبدو أيضًا أن «ولاد الكلب» سقطوا من سلم التطور الدارويني، فصاروا سلمة مكسورة في سلم التطور الذي يفترضه «داروين»، بل أنني قد استطعت أن أصل إلى استنتاج علمي رائع، وهو أن «ولاد الكلب» هم التطور الزمني والبيولوجي للكائنات الطفيلية وحيدة الخلية حيث تكبر وتتحول إلى شخص «ابن كلب» بدلاً من أن تتحول إلى مرض يسبب الإسهال، ولو كان داروين حيًا في زماننا ومجتمعنا هذا، لأرسل إليّ منحة علمية تعليمية لأساعده في بحث الطفرة البيولوجية التي جعلت الكائنات الطفيلية وحيدة الخلية تصبح شخصًا يعرف فيما بعد في طور النضج وحتى نهاية حياته بـ«ابن الكلب».

و«فرويد» أيضًا، لو كان حيًا وحظى بفرصة لدراسة نفسية «ولاد الكلب» في مجتمعنا، لاخترع نظرية أخرى للنفس غير نظريته الأساسية التي تقول أن النفس مكونة من ثلاثة عناصر (الهو – الأنا – الأنا الأعلى)، وكانت نظريته الجديدة ستقول أن فئة «ولاد الكلب» ليس عندهم غير الهو والأنا، لأن الأنا الأعلى مسافر في إعارة بصحبة الضمير والأخلاق والدين والمثل العليا إلى كوكب «ساتورن» العظيم، ولن يعود قبل عودة العصر الجليدي مرة أخرى.

أما عن نفسي، فبدون «ولاد الكلب» لما وصلت لما أنا فيه الآن، وأنا أدين لهم بجزء كبير من نجاحاتي في الحياة والعمل، لأن فشلي معهم كان دافعًا قويًا لهذا، فشكرًا للسادة / ولاد الكلب.
ولولاهم-السادة ولاد الكلب- لما اندفعت لدراسة علم النفس بشكل أكثر تخصصاً، وأبحث الآن عن إمكانية دراسة التحليل النفسي عن بعد عن طريق الانتساب لإحدى الجامعات ولكنني لم أصل إلى نتيجة بعد.
ومن هذا المنطلق، يجب أن نعي قيمة وجود «ولاد الكلب» ومرورهم بنا في حياتنا، فمن دون «ابن كلب» كذاب ماكنت ستعرف قيمة أن تكون صادقًا، ومن دون «ابن كلب» مخادع ما كنت ستعرف قيمة أن تحتفظ بوعودك وكلامك، ومن دون «ابن كلب» جبان وحقير ما كنت ستعرف قيمة أن تكون شجاعًا، ومن دون «ابن كلب» خائن وغشاش ما كنت ستعرف قيمة أن تكون وفيًا مخلصًا لفكرة أو لعلاقة أو لمبدأ، ومن دون «ابن كلب» فاشل جاهل لما كنت ستحاول أن تعلو أكثر بنفسك ومبادئك حتى لا تصير نسخة مما تكره.
فشكرًا.. شكرًا جزيلاً.. شكرًا للخذلان وللأوقات الضائعة وللعمر الذي راهنت به مراراً ثم وصلت إلى لا شيء، شكرًا للقلب الذي أضعته في مكان ما لا أذكره حتى أصل إلى الـ«ولا حاجة»، شكرًا للوجع والألم والإهمال، وشكرًا للمجتمع الذي يمجد «ولاد الكلب» بذكورية شديدة ولا يحاسبهم.. شكرًا جزيلاً.