سارت معي وهي تمسك بذراعي اليمنى كأنها تخاف علي أن أتعثر..!!
أشارت إلى صندوق أزرق في الزاوية، لكنني أبحث عن صندوق أبيض، لأنك يا حبيبي تحب اللون الأبيض، بالرغم من أنني أراه لونًا حياديًا وبلا هوية، ولكن مادمت سأختار تابوتًا أنيقًا لأشيائك، كان يجب أن أختار صندوقًا أبيضًا، أنيق كفاية ليليق بكم الحب في قصتنا البيضاء بغض النظر عن ما آلت إليه الأمور من ألم وتعب وحزن ومرض.
ولأنك قصتي البيضاء؛ ما استطعت أن أضع أشياءك في ذلك الصندوق الكرتوني التافه الذي أعطاني إياه الطبيب في المرة الأخيرة، لا أستطيع أن أفعل ذلك بكل ما تبقى لي منك، لا أستطيع..!!
نظرتُ إلى الصناديق البيضاء واخترت أجملها، كان صندوقًا متوسط الحجم، أبيض كصندوق هدايا منقوش عليه طيور صغيرة كأنها عصافير وكأن هناك نجومًا على زوايا الصندوق، الصندوق يبدو طفوليًا تماماً بريئًا كما كنت أراك دائمًا، وبلون قميصك الأبيض الذي أحبه. دائمًا كان يليق بك اللون الأبيض.. دائمًا..!
اصطحبتني صديقتي«أ» -أنت تعرفها- إلى المنزل وأنا ممسكة بالصندوق، لم أتحدث كلمة واحدة، وهي نفسها لا تتحدث لأنني اشترطت عليها ألا تكلمني عنك إن كانت ستتكلم، فإذا بها صامتة للغاية، ثم وضعت يدها على كتفي لتربت علي مراراً، واحتضنتني عدة مرات وكنت قد لمحت دموعًا صغيرة في عينيها، قالت إنها حزينة لأجلي.. قالت إنها توقعت ذلك.. ولكنها دعت كثيرًا ألا يحدث ما توقعته كلما رأت حبك يشع من عيني.
وصلتُ إلى المنزل، يجب علي أن أسهر مرة أخيرة بصحبة أشيائك، لأنني يجب أن أقوم بتسليمها إلى الطبيب في صندوق كجزء من العلاج، ويجب أن أتجرد من كل ما أغطي به نفسي منك، يجب ان أتجرد منك نهائيًا، والتخلص من الأشياء المادية سيكون خطوة هامة في العلاج.
صعدتُ إلى غرفتي، وفتحت حاسوبي، وضعت فيه قلم ذاكرة صغير بسعة بسيطة، على هذه الذاكرة سأقوم بتخزين كل الصور والمحادثات والرسائل دون أن أحتفظ بنسخة أخرى منها، وكذلك سأودع فيها رسائلنا النصية، وكل مقتنياتنا الإليكترونية إلى الأبد، حاولت ألا أنظر إلى صورك مرة اخيرة لكنني لم أستطع، حاولتُ ألا أنظر إلى رسائلك لكنني لم أستطع أيضًا، فجلست أقرأها كلها وأشاهد صورك كلها، ثم قمت بحذفها بعد الاحتفاظ بنسخة منها في قلم الذاكرة الصغير الذي سيوضع في الصندوق.
تناولتُ كتابك المفضل، وزجاجة عطري الذي تحبه، ووضعتهما في الصندوق كأنني أوسد جثة رضيع التراب، شعرتُ بحزن أكثر عمقًا كأنني أختنق من الداخل، أنا الآن أتخلص من كل ما تبقى لي منك..!
كنتُ قد حصلت على زجاجة من عطرك أنت أيضًا، كنت أضع منها القليل كل يوم تحت ملابسي، ولأنه عطر خفيف لم يلاحظه أحد، لكنني كنت أشعر أنني قريبة من صدرك طوال الوقت، أنا غير قادرة على استيعاب ذهابك عني إلى الآن، وغير قادرة على تصديق ذلك..!
في هذا الظرف منديل أبيض أيضًا به بعض قطرات من دمعك، أتذكر دموعك جيدًا.. لقد سرقت منديلك هذا دون أن تلاحظ، لأنه محرمة ورقية عادية، بها القليل من عطرك والقليل من دمعك، يوجد أيضًا سفينة وطائرة ورقيتان صغيرتان، صنعتهما بأصابعك وأنت جالس إلى جواري، بالإضافة إلى قطعة صغيرة من العلكة.. هذه أيضًا احتفظت بها..!
نظرتُ حولي في الغرفة فلم أجد شيئًا آخر، ثم شعرت بالألم الذي غادرني منذ بدأت أتناول الأدوية العلاجية يعود بشكل أكثر قسوة، وتعجبت كيف انتهينا، كيف انتهينا ولماذا انتهينا؟؟ لا أعرف..!!
في حقيبتي دائمًا ورقة كتبتها في عيادة الطبيب لأرددها حسب تعليمات العلاج.. مددت يدي أقرأها..
«هو لم يحبني أبدًا وأحب ذاته أكثر مني.. حنث بقسمه وأخلف وعوده كلها.. لم يكن قادرًا على تحمل مسؤولية أي كلمة تفوه بها.. لم يكن حقيقيًا كان صورة كاذبة.. أنا أحببته وغدر بي ثم تركني جريحة أعاني الألم والخذلان وأواجه الحرمان والجرح وحدي.. ضيع من عمري وقتًا كنت أنا أولى به.. لا يجب أن أندم على حبي له لأنني لم أكذب ولم أصطنع ولم أخلف وعدي معه.. الذي يندم هو الذي يخسر وأنا بإعطائه الحب لم أخسر أي شيء.. هو الآن يستمتع بحبٍ آخر ولا يذكرني ولا يحتاج إلي في شيء ويجب علي أن أتجاوزه.. بأي ثمن»
بكيتُ كثيرًا.. وقضيت الليلة كلها أنظر إلى الصندوق.. ولم أعرف كيف سأقود المسافة إلى العيادة في اليوم التالي..!
اليوم صباحاً اتصلت بأحد أصدقائي وأخبرته أنني أرغب أن يوصلني إلى المركز الطبي، لأنني لن أستطيع أن أقود بهذا الصندوق إلى جواري، انا أحمل جثة حبي في صندوق.. ويجب أن يبقى في حضني قليلاً..!
أتى صديقي في الموعد المحدد وكنت قد أحكمت غلق الصندوق بمفتاح ذهبي صغير، جلست في المقعد الأمامي وأنا أحتضن الصندوق وأضمه إلى صدري، ولم يتحدث صديقي كثيرًا.
عندما وصلتُ إلى العيادة سلمتُ الصندوق إلى الطبيب فإذا به يضع عليه ملصقًا، يكتب عليه اسمي والتاريخ ثم نادى على عاملٍ وأعطاه الصندوق.. ثم سألني: «كيف تشعرين؟»
أجبت بأنني أحبك كثيرًا.. كثيرًا.. ولا أستطيع استيعاب فراقنا.. لا أستطيع..!