الجمعة، 10 مايو 2013

المثقف السايكوباتي في «المبتسرون»


ربما كان يجب ألا تكون الحياة بهذه الصعوبة إن تعلم الناس ممارسة إنسانيتهم.. لأنهم بما هم فيه الآن إنما يزيدون مشقة التواجد في هذا العالم المليئ عن آخره بالمآسي والحروب وهكذا مصائب..!
ربما كان يجب علي ألا أقدم على خطوة  كهذه بينما أنا لازلت في فترة العلاج التي أعتقد أنها ستستمر وقتًا أطول..!!
كانت أروى صالح تطل علي من كل مكان طوال الفترة الفائتة، فلم أقدر على تجاهل ذلك والمضي إلى تفريغ مشاعري فيما يعرف بالسلاسل الكتابية التي يقرأها كل الناس هنا، فعكفت أقرأ كتابها «المبتسرون» الذي لم يكن كتابًا بقدر ما كان شحنة من الغضب والإحباط تم تفريغها في مقالات معقدة البنية وفي فقرات طويلة ربما تجعلك تفقد نفسك وسط الجمل إن لم تكن تحمل قلمًا.
أروى صالح انتحرت لأنها وصلت إلى قاع البشاعة، الذي نسير في الطريق إليه كل يوم دون أن ندركه، ولا أستطيع أن أتخيل مقدار الألم الذي حملته أروى في ضلوعها طول الوقت من الخيبة والفشل والخذلان والوجع وموت الأحلام، لأن كل ما كتبته كان موجعًا، ويبدو أنها عرفت أكثر مما يجب، رأت الحقيقة التي كانت قبيحة دائمًا فما استطاعت أن تحتمل البقاء.

ربما كنا قد تحدثنا سابقًا عن الشخصية السايكوباث- السايكوباتية وعندما نظرتُ إلى ما ذكرته أروى صالح في كتابها وفي مقالها «المثقف عاشقًا» فإن كل فقرات هذا المقال تشير بشكل واضح إلى سايكوباتي نموذجي تنطبق عليه حرفيًا السمات الأصلية والأساسية للشخصية السايكوباتية المتسببة في المصائب العاطفية غالبًا، ولم أستطع أن أفهم أن يوصف السايكوباتي في مقالها بالبرجوازي، لأن أصحاب هذه الصفات لا يكون انتماؤهم للبرجوازية شرطًا، لأن السايكوباتي ينشأ في بيئة باردة انفعالياً ومهملة عادةً وهذا لا علاقة به بكونه ينتمي إلى البرجوازية أو أي تصنيف آخر. (السايكوباتي ينشأ طفل مدلل وتم إفساده أو طفل تم إهمال حاجاته العاطفية والنفسية من جانب الأم في سنوات طفولته بالاضافة إلى القسوة الشديدة في التربية والمعاملة– من تعريفات هندرسون)
السايكوباتية أحوال ودرجات يتم قياسها بمقياس علمي على يد متخصص يقوم بوضع درجات تتراوح من صفر إلى 3 أمام ستة عشرة عاملاً أساسيًا في الشخصية السايكوباتية . (PCL-R)

في هذه التدوينة، سنقوم بربط ما قامت أروى صالح بوصفه بالـ«المثقف» بعلامات السايكوباتية من قراءات متعددة لمصادر سيتم وضعها في نهاية هذه التدوينة في حال أحببتم الاستزادة، وستكون الاقتباسات من كتاب المبتسرون باللون الأحمر في هذه التدوينة.

«حين يتحدث البرجوازي عن الحب فأنه يعني به "حالة"، السخونة والالتهاب التي تغمر الكيان للحظات، قبل أن تروح السكرة وتأتي الفكرة، أو الحسابات.. هو عندهم إما هذا أو ذاك، وتعلمهم الخبرة أن "الحالة" عَرَض يزول عاجلاً أو آجلاً، وأن الباقي هو الحساب، لذلك فالذين "أنضجتهم" تجارب الحياة منهم يرفضون تصديق ما يسمى بالحب - مثل أشياء أخرى كثيرة، يعاملونه بالفعل كحالة، مثل التهاب في الحلق، يسقط وجهه "الرومانتيكي" كوهم من أوهام الشباب، ولا يبقى للعلاقة بين الرجل والمرأة بعد أن تتبخر الرومانتيكية ويرسب "الواقع" سوى وجهين، الحسابات من جهة، والرذيلة من جهة أخرى. »
السايكوباتي غير قادر على الحب، غير قادر على إقامة علاقة سوية مع أي طرف آخر، السايكوباتي لا يسمح لأحد بدخول حياته أو عالمه ويفضل الوحدة والعزلة، وما فعله الشخص المثقف هنا إنما فعل سايكوباتي بحت، وهو إشباع الغريزة الأساسية التي تختص بالحاجة إلى الحب والاهتمام عن طريق استغلال طرف آخر.
السايكوباتي غير قادر على حفظ الوعود أو الوفاء بأي كلمة تصدر منه، وعمق الكلام عنده لا يتعدى كون الكلمة «كلمة» فقط، فهو لا يؤمن بالشرف أو ما شابه.

«يبدو الجنس للبرجوازي غير مشبع في الزواج لأنه "محترم" - أي منافق - والاحترام ضروري مع ذلك، أو لأنه أحادي، مع أن البرجوازي هو أشرس المدافعين عن الأحادية "في الزواج"، عن كل حق بالطبع إذ كيف سيميز الورثة! فيصبح البديل الوحيد "الواقعي" لمتعة الزواج المخصبة هو الدعارة (وإن تكن هذه العادة تحسب على المرأة، بينما تحسب للرجل - هي نفسها - غزواً") الدعارة، هي المرادف الوحيد الذي يعرفه، بل الذي يقدر دماغ البرجوازي (وفي ذيله البرجوازي الصغير) على تخيله "للحرية"، وإن تكن هي أيضاً هنا مخصبة، ولو فقط لأنها مسروقة، ولكن هذا ليس بالسبب الوحيد، ولا حتى الأهم. »
السايكوباتي يعاني اضطراباً شديدًا في شخصيته مما يدفعه إلى الإحساس بالنقص المرضي فيرفض قواعد المجتمع كلها-الزواج مثال على رابط مجتمعي- وهو غير قادر على مقاومة دوافعه أو الاستفادة مما يتعرض له من خبرات ولا يملك القدرة على الاستبصار (التخطيط – التوقع – القياس) كما أنه عاجز عن إدراك الواقع وما للبیئة الاجتماعیة من حدود وقواعد وقیود لأنه لا يعرف إلا الإشباع السريع لحاجاته فحسب.
إن أصحاب الشخصیة السایكوباتیة ھم ھؤلاء الذين تكون حالات الاضطراب في سلوكهم ومشاعرھم واضحة وظاھرة في تصرفاتهم وفي طريقة تكیفهم مع البیئة ( تعريف دايفيد كلارك)
العلاقات الجنسية للسايكوباتيين تفتقد إلى الارتباط والعمق الحقيقي، والسايكوباتي عاجز عن حب الغير، وھذا لا يمنع من أن له حیاته الجنسیة وعلاقاته الجنسیة غیر أن ھذه العلاقات  تفتقر إلى العمق والأصالة ، وهو في العادة زير نساء ولا تتصف أي علاقة من علاقاته بالاستقرار، وربما يصبغ السايكوباتي علاقاته الجنسية الغير منضبطة بصبغة الحرية كوسيلة للإيقاع بالطرف الآخر.
وقادر على تمثیل الحب إلى أقصى الحدود للوصول إلى مآرب ذاتیة لاكتساب الثقة أو كسب التعاون أو الإشباع الجنسي والعملیة الجنسیة له عملیة فسیولوجیة بحتة لا تعقدھا انفعالات الحب وعارضة دون ارتباط أو ولاء أو احترام للشريك وهو غير قادر على تحمل أية مسؤولية من أي نوع عن أي شيء.

«يقال إن القبائل الإفريقية كانت تعتقد أن الصائد حين يقتل حيواناً، يسيطر عليه أخيراً ويتملك خصائصه، مستمداً منها قوى جديدية. كذلك الحب عند البرجوازية، هو فعل صيد، فإخضاع وسيطرة، ثم قتل. ولكنك حين تقتل إنساناً لا تنتقل إليك قوى جديدة، بل يسود صمت لا نفاذ إليه، فلقد هوى جزء من ذاتك عينها، تلك العزيزة الأثيرة على البرجوازي دون منازع، لقد كان لإتمام الصيد الناجح شرط، هو ألا تلتقي عينا الصياد بالنظرة الأخيرة للحيوان المفارق للحياة وإلا لاحقته لعنة النظرة المحملة بالعذاب واللوم بحكم لا يرد إلا بالموت، ولكن القضاء هنا ينفذ دونما حاجة لتلاقي العيون، فيأتي السداد- على غير عادة البرجوازي ورغم إرادته- دون تأجيل، فورياً ففي قلب الصراع على وضع الصائد والفريسة يستوي مصير الأحبة.»
«يتكلم عن العدالة وزيف قيم المجتمع وأشياء أخرى كثيرة، ولكن أهمها، بل الهدف الأصلي منها في الواقع، هو "الحب الحر" الذي لا يحتاج أموالاً لممارسته ولا مسؤوليات من أي نوع، حب على المسؤولية الشخصية، ومن ثم لا يوجد من يعاقب عليه، لذلك فإن رجلنا المقدام يندفع فيه بثبات يعوزه أحياناً في مواقف أخرى ليست أقل أهمية! ولكن "المسؤولية الشخصية" كما يتضح في آخر القصة - القصيرة غالباً - يتحملها من الناحية الفعلية طرف واحد لا اثنان كما اتفق»
«إن المثقفين المهزومين يعشقون "تحطيم الأصنام" من كل نوع: ناجحون، مشهورون، مبدعون. يحبون ذلك إلى حد أن العجز عنه في حالة من الحالات (ولتكن عملاً فنياً لا مأخذ عليه) يصيبهم بالإحباط أن "البرهنة" على أن "الكل باطل" احتياج لا ينتهي عندهم، تماماً مثل القربة المقطوعة. ويصدق هذا أيضاً على صنف النساء اللاتي يجب أن يبرهن دائماً على ما كن يعرفنه منذ البداية بخبرتهن العالية، وهو أنهن لا يصلحن إلا لأمر من اثنين: إما زوجة بلهاء (غير جديرة بهم) أو عاهرة لئيمة (غير جديرة بهم أيضاً)، والثالث مرفوع. الغريب هنا فقط أنهم لا يلاحظون أن هذه "الحكمة" العميقة سبقتهم إليها منذ زمان، البرجوازية. ويبدو أننا في حقبة تاريخية تثبت فيها صحة رأي البرجوازية في كل أمر، حتى هذا. وجدير بالإشارة هنا أنهم يساهمون في "إعادة إنتاج" هذين الصنفي بدأب نادر عندهم»
السايكوباتي نشأ عادة في بيئة باردة عاطفيًا وانفعاليًا أهملت احتياجاته كفرد ضعيف، ولذا فإن شكل علاقاته العاطفية يعتمد على التلاعب والسيطرة والإخضاع، والسايكوباتي يقوم بفعل ذلك كله دون أن يكون واعيًا به، فهو لا يخطط له لكن هذا هو الخط الطبيعي لاضطرابه السلوكي، والبرجوازية ليس لها علاقة بذلك من قريب أو بعيد، لأنني لم أصادف بحثًا يعقد علاقة واضحة بين السايكوباتية والبرجوازية.
ونعود مرة أخرى إلى النقص المرضي متمثلاً في تحطيم الآخرين لأن السايكوباتي عاجز عن تحقيق أي شيء ومن هنا كان يبرهن دائمًا أن «الكل باطل».
السايكوباتي لا يشعر بالذنب او المسؤولية عن أي شيء ارتكبه أو قام به، وهو جذاب كذاب مخادع متلون شديد الغواية.

«كل الطرق عند البرجوازية تؤدي إلى "الذات"- حتى الحب، وكل الطرق تمر بالصراع من أجل تأكيد الذات على حساب الآخرين- حتى المحبوب، والهدف الأعلى للحياة هو المتعة مطروحاً منها أي عناء، وخاصة عبء المشاركة- حتى ولو للمحبوب. وكما تصنع هذه "المثل العليا" البرجوازية- وبصرامة- الحدود الفعلية لعالم البرجوازيين في علاقته بعوالم البشر الآخرين، تحدد- بنفس الصرامة- الفحوى والمسار، وأيضاً المنتهى في علاقات الحب فيما بينهم.»
السايكوباتي لا يؤمن بأي شيء من المثل والمبادئ، السايكوباتي يسلك مسلك العدميين في أن الاخلاق والقيم مصطنعة، ذاتية، مطاطة، قابلة للاستبدال وزائلة، وقد أوضحنا أن السايكوباتي غير قادر على الحب ويهتم باحتياجاته فقط ويتصف بالأنانية الشديدة.

أنا أتفهم مدى صعوبة الوقوع في علاقة حب مع سايكوباتي، والمؤلم في مقال أروى هو أنني في كل مرة استعرضت سطرًا كنت أرجع إلى تاريخ مؤلم للغاية من التعب والمرض والمعاناة.
ومن المستحيل أن يقوم المرء باكتشاف السايكوباتي إلا متأخرًا.. ولا وسيلة لاكتشافهم إن كانوا من عينة «المثقف العاشق- محترف الغواية» لأنهم أكثر ذكاءً من غيرهم ويصعب معرفة شدة الاضطراب السلوكي عند السايكوباتي إن لم تكن متخصصًا.

المراجع: