الجمعة، 6 يناير 2012

حَديثُ ذاتْ ... 4




أحاول منذ ثلاثة أيام أن أعزف مقطوعة ما  .. لكنني لم أجد نوتة موسيقية صحيحة أو دقيقة ، و لم أستطع الحصول على أية نوتة موسيقية دون أن أدفع ثمنها ، أنا أدفع ثمن كل الأشياء تقريبًا ، و كما قال أحدهم : " لا شيء بلا ثمن .. كل شيء في هذا العالم يأتي بملصق صغير عليه ثمنه .. لا توجد أشياء مجانية ، و الشيء الوحيد الذي يأتي بلا ثمن عادةً هو العاطفة التي يتقاسمها الوالدان و الأبناء فقط "
و عليهِ .. فإنه يجب علي أن أدفع ثمن المقطوعات التي لا أعرف أيضًا إن كانت نوتاتها الموسيقية صحيحة أو  ليست أصلية .

تناقشت مع أحد أصدقائي الطيبين - او هكذا يبدو - بخصوص الشهداء و حقوقهم .. لم يكن الحديث مثمرًا ، فمن الواضح أنه إما أنني أتحدثُ بلغة لم يفهمها هو ، و إما أن لدي مشكلةً في الشرح و توصيل المعلومة ، و كان قد أكد لي كثيرون أنني أكتب أفضل مما أتكلم لأنني في الواقع شخصية صامتة قليلة الكلام و لا أتحدثُ كثيرًا ، فيبدو الكلام مرهقاً بالنسبة لي ، بل أعتقد أن الكلام أو الحديث لغةً لا مدلول لها في عالمي الخاص الذي يتكون من القلم و الورقة و البيانو و نوتات الموسيقى و الكتب .. !!
لم أفهم أي جزء يصعب استيعابه مما ناقشته مع صديقي الطيب ، حاولت أن أخبره أن الفكرة كل الفكرة أن بإمكان أهل الشهيد التعايش مع فكرة موته ، و بإمكانهم تقبل قدرهم أيضًا ، و لكنه من المستحيل ألا ينتبهوا إلى غرفته الفارغة و إلى زجاجة عطره التي تركها في غير مكانها ، و إلى كرسيه الشاغر على موائد طعامهم .
الأسوأ من ذلك كله لن ينسى أحد منظر جمجمة ابنه المهشمة ، أو صدره المشقوق بالرصاص أو عينيه المفتوحتين و جسده الأزرق البارد ، هذه الأشياء لا ينساها أحد ، و من أجل ذلك يغضب الناس العاديون الطبيعيون الذين لا يعانون أية مشاكل ذاتية أو نفسية ..!!
و بالرجوع إلى قصة الثمن ، فإن الدم ثمن الحرية .. و العقاب ثمن القتل .. ببساطة إنه العدل ..!!
غادر صديقي مغاضبًا ، و لم أفهم ما علاقة التخريب بطلب العدالة القضائية !!

بعد أن انتهيت من رواية الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين ، كان يجب أن أحضر ردًا ملائمًا لما سردته لوسيت لنيادو من أحداث تاريخية و سياسية ، و لكنني لأرد على ذلك في مقال منفصل ينبغي علي أولاً مراجعة بعض الكتب التاريخية الخاصة بالفترة التي حكم فيها عبد الناصر مصر ، و ما صاحب ذلك من قرارات كالتأميم و خروج اليهود ، و استعنت بأحد الباحثين في التاريخ و قد زودني - جزاه الله خيرًا - ببعض الكتب اللتي يجب علي قراءتها أولاً حتى أستطيع أن أفهم تفاصيل الفترة تاريخيًا و سياسيًا .
لم تكسب لوسيت لنيادو المشحونة عاطفيًا بشكل سلبي تعاطفي بأي شكل من الأشكال ، فهي شديدة التحامل - في رأيي - و تعاملت بشكل ذاتي جدًا مع أحداثٍ كثيرة .

على الهامش :



عندما أكتب عنه فإنني أقول أنه يشبه الشعور الناتج عن تناول الاسبريسو الثقيلة مع الشيكولاتة الداكنة ، نعم هو ذلك الإحساس الناعم بالنشوة ، تلك الفخامة التي تصاحب البساطة الشديدة ، ذلك الطعم القوي الذي يظل على لسانك مدة طويلة و الذي تخشى أن يغادر فمك إن تناولت شيئًا آخر ،  هو ذلك الإرضاء الذاتي .. حالة حب النفس .. شخص أحبه لأنني أحب نفسي ..!!
هذه العلاقة الفريدة التي تشتعل في ظل إبقائه سرًا و في ظل عدم وجوده في هذا العالم الملموس بالأساس ، و نعم .. من فرط حبي له أود أن أبقيه سرًا كنوعٍ من الأنانية بالرغم من أن لا أحد يعرفه أصلاً  !!

أعرف أنني مجنونة و أن ما يجري بعقلي عادةً ليس منطقياً .. لكنني سعيدة .. أيضًا !!