الاثنين، 27 فبراير 2012

حتى لا تكون «عبيط خالص»





أنا لا أعرف كيف أقضي إجازات نهايات الأسبوع إن طالت عن يومٍ واحد، ولا أفهم ماذا يفعل الناس في أوقات فراغهم الطويلة، لأنني أعتقد أنه كلما قل وقت الفراغ كان التحكم فيه أسهل، لأن الإنسان لا يرتب أولوياته بشكل جيد إلا إذا عرف أن الوقت أمامه محدود، وأنه يجب عليه أن يختار ما يحتاج إليه حقًا، في هذه الحالة فقط نحسن الاختيار؛ مع الوضع في الاعتبار أن الحياة بمجملها قصيرة تعاش مرة واحدة.



هذا المفهوم تعززه حكايات كثيرة، بل إن كتابًا ومؤلفين أمضوا حيواتهم في اكتشاف جدوى الحياة ثم ماتوا دون أن يعيشوها حقًا، فكم منا يدرك جيدًا أن الحياة يجب أن تعاش وإلا ضاعت، وكم منا أدرك ذلك ولم ينفذه أبدًا، فضاعت حياته وهو لم يجرب أن يعيشها؟
كم مرة قاومنا أن يتسرب أحدٌ إلى دواخلنا؟ كم مرة منعنا حبًا حقيقيًا من التحول من حلم وجداني صاخب إلى واقع نعيشه ونلمسه ونتنفس النقاء من خلاله؟ كم مرة منعنا الخوف؟ وكم مرة هزمتنا «منطقة الراحة» التي تمنعنا بالفعل من مواجهة التحديات اللازمة لتحقيق أحلامنا وملاحقتها؟

إن كانت المرات كثيرة، فإننا أسرى ما يسمى «مرض المرارة»، و«مرض المرارة» هذا مرض مجازي غير موجود، لكن هذا المصطلح ورد برواية باولو كويللهو «فيرونيكا تقرر أن تموت»، وهذا المرض ليس في مجمله سوى الاعتياد على الحياة بشكل روتيني بحت، وعلاجه الوحيد هو أن تتخيل أن اليوم الذي تعيشه هو آخر يومٍ في حياتك كل يوم، لأن هذا سيمنحك الشجاعة الكافية لتخطي ما يعرف بـ«منطقة الراحة» حين تدرك أنك لن تعيش طويلا، ولن تمتد حياتك ليومٍ جديد.
أعرف أن هذا قد يبدو جنونيًا بعض الشيء، ولكن لمَ لا؟
لماذا لا نعيش كأن غدًا لن يأتي أبدًا كل يوم؟
لماذا نؤجل وننتظر الفرص التالية والتالية والتالية..؟
لماذا نسمح لمنطقة الراحة بأن تهزمنا؟
لماذا لا نتصرف بورعٍ كأننا لن نحظى بفرصة مستقبلية للتوبة إن لم نقم بها الآن؟

لقد عزمتُ ألا يهزمني مرض المرارة، ألا أؤجل الفرص، عزمت أن أعيش الحياة بزواياها المختلفة، وسأتجول في أفراحها وأتراحها ومشاقها ومتاعبها، وسأحب ملء قلبي وروحي وكل ثنايا نفسي، فلن أقاوم تسرب الطيبين الأنقياء إلى داخلي، ولكنني سأظل أقاوم تضييع الوقت مع من لا يستحقون، فاليوم الذي نملكه بين أيدينا أثمن من أن نضيعه برفقة العابثين والمتسكعين والمتطفلين على أرواح الناس يقضمونها مشوهين إياها، سأرسم خطوطًا بلون الأحلام البكر، وسأفعل أشياء حلوة تجعل من يحبونني يبتسمون كل يوم.

نعم سأحاول، لأنني إن لم أحاول الآن لأنني أنظر إلى الغد وما يليه ثم ما يليه، فسينتهي بي الوقت وأكتشف في النهاية.. «إني كنت عبيطة خالص»..!