الخميس، 9 يونيو 2011

خواطر بنت عندها 30 سنة




كنت أود ان أصمت بخصوص فيلم "بنتين من مصر " ، و كنت أود ألا أتحدث عنه ، لكنني بعدما رأيت أنه ساهم في ضياع المستقبل المهني الباهر لإحدى اللاتي أعرفهن ، أعتقد انه من الجرم ألا أتحدث بلسان من هن في مثل سني .

لقد تسبب هذا الفيلم في شياع حالة من القلق و الرعب بين الفتيات الغير متزوجات و اللاتي اقتربن من الثلاثين أو تعدينها ، و هذا ما لا يعجبني ، و لا أحبه ، و لن أكذب فأقول إن الأمور وردية في هذه السن خاصةً في مجتمع عربي يضغط كثيراً على فتياته ليتزوجن و ليحملن لافتة "متزوجة" مبكراً  قبل أن تصيبهن عدوى التأخر التي أصابت فلانة و علانة .. و ترتانة أيضاً ..!!
ما أعرفه و ما بدا واضحاً جلياً هو أن كم المبالغة في حالة السواد الطاغية على الفيلم بألوانه الشديدة الكآبة التي جعلت المناظر غامقة للرائي ، و التزام المخرج بوحدات لونية كئيبة و قاتمة يبعثان على القلق و التوتر و تكدير المزاج و عدم الراحة بالنظر المجرد إليها .
شيء آخر ، أن هذه المشكلة تبدو محدودة للغاية في الطبقة المتوسطة و الفقيرة ، و لكن اللاتي يعانين حقاً من التأخر هن المنتميات إلى الطبقات الأعلى بالمجتمع ، حيث تصير فرصة الحصول على شخص مناسب صعبة ، و انا أعي ما أقول ، و هذا يزداد صعوبة كلما صارت الفتاة مستقلة أكثر ، و كلما كانت أكثر نجاحاً و علماً  فإن الأمور عادة تصل إلى حدٍ أعلى من التعقيد ، و بالحسابات العادية للأشياء ، فإن الوسط الذي تنتمي إليه الفتاتان بالفيلم لا تشيع فيه مشكلة تأخر سن الزواج كثيراً .
و بالمناسبة ، فإن المجتمع العربي يصنف وجود فتيات غير متزوجات إلى شيء بحجم الكارثة ، فيتزوجن تحت الضغط و يصير المجتمع يحمل كارثة أكبر ، طلاقات و محاكم أسرة و مشاكل رؤية و حضانة ..!!
ما أريد ان أقوله ، هو أن هذا الحجم من السواد لن يسمح الله بوجوده في حياتنا مادمنا مؤمنين بوجوده ، و بعدله و بقدرته على تقسيم الأرزاق سبحانه ، و أنه لا داعي للخوف أو للارتجاف رعباً من اقتراب الفتاة من الثلاثين ، فيوم عيد مولدي الثلاثين حصلت على حفلتين في يوم واحد ، و قد قال لي أحد أصدقائي : " مرحباً بك في السنوات الأفضل من حياتك "
و هذا حقيقي ، فوصولك إلى الثلاثين لا يعني أبداً أن حياتك إنتهت ، فكونك في الثلاثين يعني انكِ عرفت طريقك ، و صرت مستقرةً مهنياً ، و حققت بعض طموحاتك ، و صرتِ أكثر خبرة في الحكم على الآخرين و بالتالي فإنك تستطيعين حماية نفسكِ من أن يعبث بكِ أحد ، أو أن يستنزف مشاعرك أحد ، مما سيجعلك أكثر نضجاً في اختيار شريك حياتك ، و أكثر انفتاحاً و مرونة ، و لا يعني هذا أبداً أن فرص الزواج انتهت أو ذهبت ، لكنك ستصيرين أكثر دقة ، و أكثر قدرة و حكمة و هذه الصفات لا يقدرها و لا يفهمها إلا نوعٌ خاص من الرجال ، الذي يؤمن بك ، و يحترم قناعاتك و لا يسفه من اهتماماتك و طموحاتك ، و الذي عادةً ستكون ثقافته تقارب ثقافتك ، بدلاً من التسرع و اختيار شخص ربما لا يتحدث لغة تفهمينها لأنه مختلف عنكِ اجتماعياً أو يخشى من تفوقك و استقلالك ، و انا أعرف ان هذا موجود .. و رأيت أمثلة حية بل إنني عشت فيها كطرف أيضاً ..!!
أتفهم أن هناك صعوبات نمر بها ، و أتفهم أن لدينا احتياجات كثيرة ، لكنني على قدر كبير من التأكد بأن حياتنا جميلة كما هي و تستحق أن نعيشها و أن نستمتع بكل لحظة فيها ، خاصة و أن الله خلقنا لعبادته و لإعمار الأرض ، و واجب العبادات يجعل الحياة أسعد و أكثر هدوءاً و اتزاناً و استقراراً ، و تعمير الأرض لا يتحقق فقط بالزواج و إنجاب الأبناء ، بل يتحقق أيضاً بالعمل و بخدمة عباده و القيام على حاجاتهم .
لن أقول أنني أكره هذا المجتمع الذي يضغط علينا كل يوم لنتزوج ، لكنني أود أن تتغير مفاهيمه ، و أن تتغير موروثاته ، فيصير من حق الإنسان أن يختار شريكه و أن يتزوج وقتما أراد، دون قيود زمنية كتلك التي نستعملها لإنجاز المشاريع ، لأننا بشر ، و المشاريع تختص بالجمادات و الآلات .
لا أؤيد ثقافة القلق التي ينشرها أنصاف الفاهمين في هذا المجتمع ، و لا أؤيد ثقافة الرعب أيضاً ، لكنني مع التفهم ، مع التغيير ، مع الانتقال إلى العصر القادم حيث يمكن للإنسان أن يعيش بحرية و أن يتمكن من التنفس دون أن يعد عليه المجتمع أنفاسه و خطواته و كيلومترات سيارته ، بدلأ من أن يعد إنجازاته و خبراته و مواهبه .
الأمور ليست سيئة في الثلاثينات ، أي انكِ لن تضطري إلى النوم على كرسي أو النوم في حديقة مثل امرأة يائسة ، فقط لا تصدقي الأفلام التي تعرض قضيتي و قضيتك على أنها مأساة بألوان كئيبة مفجعة ، فحياتي ليست مأساة و لا تدعو إلى الشفقة ، و لا أي شيء من هذه الأشياء  ، لكنني أعمل بجد ، مستقلة مادياً ،  و أسير بخطوات ثابتة نحو طموحاتي العملية ، أمارس هواياتي دائماً ، و أهتم بأناقتي و ثقافتي .
هكذا يجب أن تكوني في ثلاثيناتك ، واثقة ، ناجحة ، مستقلة ، خبيرة ، قوية ، أنيقة  و مثقفة .
لن تكوني يائسة أو بائسة ، لن تكوني وحدكِ إلا إذا اخترت ذلك ، و سيكون لديك بالفعل من يمدك باحتياجاتك النفسية من الدعم و العاطفة ، فالله الذي يرزقك أعلم بكِ ، و لن يترككِ وحدكِ .
أحسب أنني بهذا استطعت أن أفند إدعاءات هذا الفيلم ، الذي جعل صديقتي تتزوج و تسير إلى المحاكم بعد ثمانية شهور من الزواج ، ما بين مؤامرات زوجها و أهله ، و ما بين القوانين الضائعة .
فكرن جيداً ، استمتعن بالقهوة و بصحبة الآخرين ، اقرأن الكتب ، انفردن بأنفسكن في عبادة الله سبحانه ، و اعملن بجد .
تحية إلى كل بنات تاء التأنيث .. و قبلة على جبين كل منهن ..
من أختكن ..
شيماء